26-10-2017 02:52 PM
بقلم : الدكتور سعيد مخلد احمد النعيمات
تعد ظاهرة التهرب الضريبي مشكله تعاني منها معظم اقتصاديات العالم ,وتختلف نسبة التهرب الضريبي وتتفاوت بين دول العالم ,فهي تزيد كثيرا في الدول الناميه عنها في الدول المتقدمه وذلك مرجعه الى ضعف الانظمه الضريبيه وتعقيدها وارتفاع تسب الضرائب في الدول الناميه , وضعف النظام المحاسبي المتبع ,وكبرحجم الاقتصاد غير الرسمي وضعف الوعي الضريبي والانتماء لدى كثير من مواطني تلك الدول.
ونشهد في بلدنا هذه الايام حواراً مجتمعياً في الصالونات والمجالس وتدور كثيرا ً من النقاشات في وسائل الاعلام ووسائل التواصل الاجتماعي حول التهرب الضريبي وحجمه واسبابه وضرورة معالجته ,ويطالب الكثير من الحكومه بان تقوم بمكافحة التهرب الضريبي وتحصيل المتأخرات الضريبيه بدلاً من اللجوء الى فرض ضرائب جديده وتخفيض الاعفاءات الممنوحه كما تسرب اخيراً,مماحدا بجلالة الملك ان يتدخل شخصياً ويطالب بضرورة مكافحة التهرب الضريبي وفرض عقوبات صارمه وان لا يكون هناك اي تهاون مع المتهربين من دفع الضريبه .
ويقدر حجم التهرب الضريبي سنوياً بحسب الدراسات الصادره عن المجلس الاقتصادي والاجتماعي الاردني بحوالي 700مليون دينار سنوياً,وهناك من يقدر حجم التهرب الضريبي بحوالي 2 مليار دينار ولكن هذه التقديرات غير دقيقه فالكثير يخلط بين التهرب الضريبي وحجم الاعفاءات والمتأخرات الضريبيه فيضيف الاعفاءات والمتاخرات الضريبيه الى المبالغ المتهرب منها وهذا غيرسليم وغير دقيق .
ولا تختلف اسباب التهرب الضريبي في الاردن كثيراً عن غيرها من دول العالم ,فقد توصلت الدراسات والابحاث التي اجريت محلياً وعالمياً ان هناك اسباب عديده تساعد على ارتكاب جريمه التهرب الضريبي والتي تعرف بانها محاولة المكلف الخاضع للضريبه عدم دفع الضريبه كلياًاو جزئياًمتبعا في ذلك طرق وأساليب غير مشروعه ,ومن هذه الاسباب وجود نظام ضريبي معقد وغير مستقر بسبب كثرة التعديلات في القوانين الضريبيه ,وعدم فهم القوانين الضريبيه من قبل المكلفين, وعدم كفاءة الموارد البشريه في الادارات الضريبيه ,وضعف الرقابه والتحقيق والتحصيل , وغياب الوعي الضريبي لدى كثير من المواطنين ,ومن هذه الاسباب كذلك عدم التشديد وفرض الجزاء الصارم على المتهربين من دفع الضريبه.
ومن المعلوم ان للتهرب الضريبي كجريمه اقتصاديه اثر كبير على حجم الايرادات العامه وبالتالي ينعكس هذا الاثر سلباً على خطط وبرامج التنميه الاقتصاديه والاجتماعيه للحكومه ,مما بقلل من قدرة اية حكومه على تحقيق زيادة رفاهية المواطنين وتحقيق طموحاتهم .
لذلك ولمعالجة هذه الظاهره لا بد ان يكون هناك نظام ضريبي مسثقر وعادل ووجود موارد بشريه مدربه ومؤهله , وتحسين وسائل التحصيل ,وزيادة الثقه بين الادارة الضريبيه والمكلفين , ونشر الوعي الضريبي والذي يعني ان يقتنع كل مكلف بدفع الضريبه المترتبة عليه ,وهذا
الأمر لا يتولد الا بأن تقوم الحكومه بترشيد الانفاق ,والعمل على تحقيق برامج التنمية الاقتصاديه والاجتماعيه بصوره عادله وشفافه ,وان تعمل على رفاهية المجتمع وتحقيق طموحاته ,بحيث يشعر المكلف ان مايقوم بدفعه انما يعود عليه بشكل منافع وخدمات عامه مباشره وغير مباشره .
وفي مجال الرقابة والتحقيق واذا ما اردنا مكافحة المخالفين للقوانين والتشريعات الضريبيه وتتبع المكلف سيء النيه بصوره دقيقه وصحيحه ,فما زال هناك من ينظر الى مخالفة القانون على انها شجاعه وان التهرب من الضريبة ذكاء ,فلا بد من وجود جهاز متخصص بمكافحة التهرب الضريبي يكافة اشكاله ,يعمل كمباحث ضريبيه ويتشكل من افراد ذوي اختصاص وكفاءه وتكون لهم الصفة الأمنيه ,وان يعطوا الصلاحيات التي تمكنهم من مكافحة هذه الجريمه باسلوب علمي ومدروس ,مستخدمين الوسائل والاساليب العلميه في الاستدلال والبحث والتحري , مستفيدين من خبرة الاجهزة الامنية الاخرى في الاستعلام ومنع ومكافحة الجرائم ,فهذه الجريمه بوصفها جريمة اقتصاديه لا يقل اثرها على المجتمع عن الجرائم الاخرى وان حفظ الامن الاقتصادي لا يقل اهمية عن حفظ الامن الاجتماعي.
فوجود مثل هذا الجهاز المتخصص يعمل على الاستقصاء والتحري وجمع المعلومات عن مرتكبي جريمة التهرب الضريبي وضبطهم وتقديم الادلة ضدهم بصورة قانونية سليمه ,وبالتالي تقديمهم للقضاء لإتخاذ العقوبات الرادعه بحقهم , فمن خلال خبرتي المتواضعه في مجال المنازعات الضريبيه تخسر الخزينة العامه العديد من القضايا المتعلقه بالتهرب الضريبي وبالتالي يفلت المتهرب من الضريبه من العقوبه نتيجة عدم وجود ادله جازمه مستخلصه من ضبوطات منظمه بصوره سليمه وصحيحه ,فمن المعلوم ان القاضي الجزائي يبني حكمه على الجزم واليقين لا على الشك والتخمين ,فالشك يفسر عادتاً لصالح المتهم.
كما ان وجود جهاز متخصص في مكافحة التهرب الضريبي له طابع فني وامني يؤدي الى خلق حاله من الردع العام وشعور برفض المجتمع للمتهربين من دفع الضريبه ,ويساعد يشكل كبير في معاقبة كل من يرتكب هذه الجريمه اويحمل غيره اويساعد على ارتكابها سواء كان مكلف بدفع الضريبه اومفوضاًاو اي من منتسبي الادارة الضريبيه .
هذه مجرد فكره قد يخالفني الكثير فيها ,لكنني ارى انها خطوة مهمه اذا ما اردنا مكافحة التهرب الضريبي بصوره جديه وصارمه .