29-10-2017 02:35 PM
بقلم : د. نزار شموط
كل شئ تغير في هذه الايام العجاف , حتى فقدان عزيز لم يعد يؤثر فينا , ومقولة يكفيك بالموت واعظاً باتت عبارة تخترق مسامعنا كمقطع من اغنية عابرة .
يوم بعد يوم اشعر ان الموت بات طقوساً , ليس فيها من الاتعاظ شئ . لم يعد له هيبة ووقار نعم كان للموت هيبة ووقار , اذكر عندما كنا اطفالاً , ويموت احد في الحي , يمكن ان نعرفه او لا نعرفه , كان والدي يجبرنا على اغلاق الراديو والتلفاز , ويمنعنا من الضحك بصوت مرتفع احتراماً للميت واهله الذين لا نعرفهم , فما بالك من تعرفه .
كانت الافراح تلغى في الحي اذا توفي احد فيه , وكان الحزن يسود الجميع بفقد من توفاه الله
وكانت المحلات تغلق اثناء مرور الجنازة التي كانت تُحمل على الاكتاف , وكان الكل يشارك في حمل المتوفى ودفنه .
وكان الصمت والوجوم سيد الموقف على المقبرة , الكل يقف خوفاً وخشية من الموت , هذه المصيبة , التي ما بعدها مصيبة , والتي يتوقف فيها العمل بخيره وشره , ويكون الوداع الاخير للدنيا .
واذكر كان الاقارب والاصدقاء والجيران يتناوبون في اطعام اهل المتوفى لثلاثة ايام , وكان التنافس على اشده لاستظافة اهل الميت وقبولهم الدعوه للغداء او العشاء بعد الدفن .
اما الان بات انشغالنا بمراسم الدفن , وتأمين الغداء وتجهيز الصيوان او الديوان وتوفير ما لذ وطاب من الاكل والحلوى والشراب والتي تعتبر من اولى الاولويات لاهل الميت , قبل غسل ميتهم وتكفينه .
هل هذه هي سنتنا الحنيفة التي امر بها نبينا ؟
لا والله كلها بدع وظلالات نحن بغنى عنها , ويجب على رجال الدين والاخيار من ابناء الامة محاربتها , وتمثل السنة الحقيقية التي كان ينتهجها السلف الصالح .
الذي دعاني للكتابه في هذا الموضوع اني ودّعت اليوم احد الاصدقاء الاعزاء على قلبي , انتقل الى الرفيق الاعلى اثر جلطه دماغية , كان رجلاً تقياً ورعاً محافظاً على الطاعات , وكان يملُك صوتاً جميلاً , وقد صدح صوته بالاذان في اغلب مساجد الزرقاء وعمان , كان يشارك بقراءة القران والدعاء للاموات في بيوت العزاء , لم تفارق البسمة محياه , كان دائم التسبيح ذاكراً شاكراً لله , وكان وجهة بهي وضّاء بالايمان , حتى بعد موته عندما ودعته كان وجهه منيراً باشاً رحمه الله , وهذا من دلالات حسن الخاتمة .
الذي استفزني في هذا المقام ان الناس اثناء الدفن يتجاذبون اطراف الحديث , والبعض يدخن , وحدث ولا حرج على دوي رنات الاجهزه الخلوية التي تقطع رهبة الموقف بنغمات متعدده , والانشغال بالاتصالات , حتى ابن المتوفى للاسف الشديد كان طيلة فترة الدفن وهو مشغول بالهاتف , والسؤال اي موقف اكبر من دفن ابيك يلهيك بالاتصال , مهما كان الغرض من الاتصال !
لقد فقدنا الكثير من ثوابتنا الدينية وقيمنا وعاداتنا واخلاقنا الحميده في مواقف عده , وباتت الدنيا مبلغ همنا , ولم يعد الموت يستوقفنا لمراجعة حساباتنا مع انفسنا وخالقنا . ونسينا ان الموت اكبر مصيبة تصيب الانسان لقوله تعالى (( فإذا ضربتم في الأرض فأصابتكم مصيبة الموت )) .
رحم الله امواتنا جميعاً , واحسن خواتيم اعمالنا , وانا لله وانا اليه راجعون .