01-11-2017 09:24 AM
بقلم : أحمد محمود سعيد
عمّان اسمها محفور في قلوب الأردنيين بكل اشكال اسمائها القديمة وتُعد أكبر مدن المملكة وواحدة من أكبر المدن العربية بالنسبة لعدد السكان، ويبلغ عدد سكانها حوالي 4,5 مليون نسمة ومساحتها 1680 كم مربّع, تقع المدينة في وسط المملكة على دائرة عرض 31 شمالاً وخط طول 35 شرقًا في منطقة تكثر فيها الجبال، فنشأت المدينة في الوديان بين الجبال أولا فضاقت على سكانها، فارتقوا سفوحها واستمروا في الاتساع عبر قممها حتى انتشرت المدينة بأطرافها وتوسعت من سبعة جبال الى اكثر من عشرين منطقة وكم بكت المدينة وهي ترى قوافل اللاجئين يزحفون لحنانها وكم ابتسمت من القلب وهي ترى انها استطاعت ان تقوم بواجبهم وتحتضنهم كابناء لها وتلك هي عمّان الحنونة الجميلة عندما ترخي جدائلها فوق كتفي جبالها الشمّاء.
ويجري الحديث هذه الأيام عن نيّة الحكومة انشاء مدينة جديدةالى الجنوب البعيد من عمّان بحوالي تسعون كم ليحل الإسم محل مدينة عمرها تسعة الآف سنة ,يا له من انتماء , وقد قال مسؤول رفيع ان الذين يعرفون اين ستبنى تلك المدينة لا يتعدون خمسة اشخاص فهل يجوز ان نختزل مئات الملايين المنتمون لهذا الإسم والتاريخ والجغرافيا الى خمسة اشخاص .
وقد يقول قائل انه يجب ان نلحق بالتقدُّم والتغيُّر بالعالم ونقول هل يجوز ان نغيِّر من مبادئنا ,اوليست عمّان عنواننا ومبدئنا وعزُّنا ورايتنا .
نعم عمّان تغيّر اسمها حسب اسم الحاكم اونظام الحكم قديما ولكنها ظلّت في موقعها , والآن هي تحت حكم عربيِّ هاشمي منذ مائة عام وقد كتب التاريخ عن هذه الحقبة التي كانت امتداد لتسعة الآف سنة فما الداعي للإعتداء على هذا الإسم بنفيه ونقله الى مكان آخر ,الم يكن من الأجدى إنشاء تجمعات سكنيّة وتُخطط بشكل مدن جديدة باسماء جديدة ليبدء التاريخ بتدوين صفحات لها دون المساس بثوابتنا وتاريخنا القديم الحاضر الذي امتدت خلاله العاصمة عمّان شامخة على مر الزمن .
تعود أقدم معالم الحضارات الإنسانية في عمّان، المكتشفة في موقع عين غزال شرق المدينة، إلى الالف السابع قبل الميلاد، ومع بداية العصور الحجرية الحديثة، في مطالع الالفية الرابعة قبل الميلاد، اشاد الإنسان القديم، في عمان، عمائره الكبيرة، من ابراج وصوامع ونصب، تدل عليها بقايا آثارها المتناثرة في اطراف عمان إلى اليوم.
وقد تعاقبت عليها الشعوب والقبائل القديمة، وتركت آثارها فيها، وتشير الشواهد إلى ان العمونيين انشأوا مملكتهم في عمان، في الالف الثالث قبل الميلاد، واسموها (ربة عمون)، أي (دار ملك – عمون)، والتي تحولت فيما بعد إلى (عمون) فـ (عمّان). كما احتلها الآشوريون ثم البابليون، إلى ان وقعت تحت السيطرة اليونانية، في القرن الرابع قبل الميلاد.
ثم احتلها (بطليموس فيلادلفوس)، في اواخر القرن الثالث قبل الميلاد، الذي اقام مدينة جديدة على انقاض المدينة القديمة، ومنحها اسماً مشتقاً من اسمه (فيلادلفيا)، ويعني (مدينة الحب الاخوي) وقد بناها في مكانها ولكن بعد ان دمِّرت أطلال عمّان امّا هي الآن والحمدلله في قمّة ألقِها ونورها وزهوها.
وقد مدّ العرب الانباط سيطرتهم إلى (فيلادلفيا)، في اواخر عهد البطالسة اليونانيين، وبقيت المدينة كذلك إلى ان وقعت تحت الاحتلال الروماني، في مطلع القرن الأول الميلادي، بعد سيطرتهم على مدينة البتراء، حيث انشأ الرومان فيها عمائر جديدة، تميزت بالدقة والمتانة والفن الرفيع، ولا يزال معظمها قائماً إلى اليوم,ومع انقسام الامبراطورية الرومانية، ظلت عمّان تحت الحكم البيزنطي، إلى ان فتحها القائد العربي المسلم (يزيد بن أبي سفيان)عام634 م ،في عهد الخليفة الأول ابي بكر الصديق رضي الله عنه.
لقد تعلمت من خلال دراستي الدبلوم العالي للتخطيط المتكامل لأقاليم الأرياف ان من اهم عناصر ذلك التخطيط هو التخطيط السكّاني الديموغرافي للمنطقة الجديدة وثم تكامل الخدمات الصحيّة والتعليميّة والنقل وتكامل الخدمات الإداريّة والقضائيّة والتشريعيّة والماليّة والبيئيّة وغيرها من شؤون تخصُّ حياة الناس وعيشهم الكريم .
ولعل الشؤون البيئيّة من طاقة ومياه ورياح ورمال متطايرة واراض خضراء والتخلص من المخلفات اضافة للتنوُّع الحيوي وآثار التغيُّر المناخي على المنطقة وسكّانها مستقبلا والدورة الزراعيّة والمحميّات الطبيعيّة إضافة لعلوم الصيدلة والسموم والإرث التراثي والآثار وقيم وعادات سكان المنطقة كل ذلك يلعب دورا هاما .
لذلك فإنّ إنشاء المدن الحديثة تأخذ سنين طويلة وذلك يتطلب بداية الحوار مع المجتمعات التي تتأثر من انشاء ذلك التجمع السكاني الجديد وتتطلب ايضا دراسة معمّقة لتقييم الأثر البيئي وكذلك التقييم البيئي لإستراتيجيّة انشاء ذلك التجمع وعلاقته بالتجمعات القريبة منه .
لعلّ موضوع إنشاء مدينة رئيسة في مملكة عمرها مائة عام كانت عبر آلآف السنين طريق تجارة تعبر ثلاث قارّات مساحتها تزيد عن 85% من مساحة اليابسة , مهما كانت مساحة المملكة صغيرة فهي بحاجة لدراسة اعمق من حيث التاريخ والجغرافيا والطقس والتخطيط لمثل هذه المدينة الحديثة قد يستغرق عقودا وليكن العقد الأول للتفكير وتجميع الدراسات والعقد الثاني للبنية التحتية والعقد الثالث للإعمار والإنشاء وهكذا يكون لدينا في منتصف الألفية الثالثة مدينة جديدة وحديثة للأجيال الواعدة تقوم على الأسس التكنولوجيّة والإلكترونيّة الحديثة وليكن اسمها العبدليّة ولتكن العاصمة الإلكترونية للمملكة الأردنية الهاشميّة ولكن ليس عمان الجديدة لأن عمّان مدينة اصيلة جميلة عريقة من حيث التاريخ ومن حيث نظرة الأردنيِّين وحبُّهم لها .
فهمسة لمخطّطي المدن مهلا علينا لا تلوِّثوا إسم عمّان الذي احببنا في حياتنا واتركوا ذلك لأجيال الأحفاد وابناء الأحفاد ليبنوا مدنا على قياسهم ولتكن عواصم لهم فزمانهم غير زماننا وقد تكون مدنهم في الفضاء او على الكواكب والأجرام السماويّة وقد يصنعونها متعدّدة الأبعاد بواسطة برامج وتطبيقات تسهل عليهم وتستحيل علينا ولكن لتكن عمّان امام ناظرينا ما دمنا احياء يجري سيلها دما في عروقنا .
دامت عمّان في مكانها عربيّة هاشميّة رايتها خفّاقة على مدى الأزمان .
وما اجمل ان نتغزّل في معشوقة الشاعر حيدر محمود ونشدوا معه :
أرخت عمان جدائلها فوق الكتفين
فاهتز المجد وقبلها بين العينين
بارك يا مجد منازلها والاحبابا
وازرع بالورد مداخلها باباً بابا
وازرع بالورد مداخلها باباً بابا
عمان عمان
عمان اختالي بجمالك
وازدادي تيهاً بدلالك
يا فرساً لا تثنيه الريح.. سلمت لعيني خيالك
يا رمحاً عربي القامة قرشي الحد
زهر إيمانا وشهامة واكبر واشتد
وانشر يا مجد براءتها فوق الأطفال
لبست عمان عباءتها وزهت بالشال
لبست عمان عباءتها وزهت بالشال
عمان عمان
عمان اختالي بجمالك وتباهي بصمود رجالك
وامتدي امتدي فوق الغيم وطولي النجم بآمالك
بارك يا مجد منازلها والاحبابا وازرع بالورد مداخلها بابا
ambanr@hotmail.com