23-11-2017 03:35 PM
بقلم : أ.د رشيد عبّاس
حتى اللحظة وللأسف الشديد لا يوجد على ارض الواقع ما يسمى بمشروع عربي قائم أو حتى ملامح واضحة له في عالمنا العربي الجريح هذه الأيام, وهذا أمر بكل صراحة يدعو للقلق والاستغراق والاستهجان, في المقابل عملت بعض الأمم والحركات والشعوب المحيطة بنا على إيجاد وخلق مشاريع وطنية قومية لها بهدف الحفاظ والبقاء على كياناتها من الانقراض والزوال والاندثار, فمثلا الصهاينة أوجدوا على وجه السرعة المشروع الصهيوني, والإيرانيون أوجدوا على نار هادئة المشروع الإيراني, والأوروبيون أوجدوا بذكاء المشروع الأوروبي, و...القائمة تطول, وبقينا نحن العرب مكتوفي الأيدي نضرب أخماس بأسداس دون أن نفكر بإيجاد ولو على الهامش مشروعا عربيا نتغنى به أمام أطفالنا الصغار, في هذا الوقت نحن بأمس الحاجة إلى ولادة مشروعا عربيا من اجل أن يكون لنا هوية معاصرة ومكانة واضحة المعالم بين الأمم والشعوب التي ما زلنا جزء منها, ولا نعرف عن قادم الأيام كيف سيكون شكل قدر هذه الأمة ومصيرها.
يقول البروفسور )ستيفن( في مجلة الجمعية الأمريكية النفسية إن كثير من النساء تحمل وتلد على مبدأ الغيرة, وهنا نقول وعلى مبدأ الغيرة أيضا هل من حمل وولادة مشروعا عربيا جديدا يكتب له النور أسوة بالمشاريع المحيطة بنا كالمشروع الصهيوني أو المشروع الإيراني في المنطقة على الأقل وهما مشروعان أحلاهما مرا, كما قال أبو فراس الحمداني في قصيدة أراك عصي الدمع: )وقال أصحابي الفـرار أو الـردى, فقلـت همـا أمـران أحلاهمـا مـر(,..نقول المشاريع يا معشر القوم لا ترد أو لا تقاوم أو لا تواجه إلا بمشاريع قوية المكونات, وخلاف ذلك نكون كخبر كان وأخواتها, فقد تعلمنا صغارا في درس القواعد عن (كان وأخواتها) كيف ترفع المبدأ ويسمى اسمها وكيف تنصب الخبر ويسمى خبرها.
علينا أن نعترف أن المشروع الصهيوني ولد من خلال ثلاثة مكونات, أولها عقدة الاضطهاد لدى اليهود, وثانيها الحق التاريخي لهم كما يزعم اليهود, وثالثها عمارة الأرض كما ينظر لها اليهود, وجميعها تصب في مبدأ واحد هو ابتلاع الأرض كل الأرض, وقد شهد العالم كيف أن اليهود فكّوا عقدة الاضطهاد, وكيف اخذوا الحق التاريخي لهم, وكيف ترجموا عمارة الأرض,..نعترف أن لليهود مشروع على ارض الواقع عملوا جميعا من اجله وان اختلفوا في إجراءات وآليات تحقيق أهدافه, فالهدف واحد وان تباينت طرق الوصول للهدف المنشود, نعم المشروع الصهيوني هو احد فكي الكماشة الضاغطة علينا من الأسفل ليلتقي هذا الفك مع الفك الأعلى للكماشة وهو المشروع الإيراني.
الحديث عن جوهر المشروع الإيراني يختلف تماما عن حديثنا عن جوهر المشروع الصهيوني والاختلاف يكمن في مبدأ(المكونات), فمكونات المشروع الصهيوني كما أسلفت سابقا هي عقدة الاضطهاد, والحق التاريخي لهم, وعمارة الأرض, في حين أن مكونات المشروع الإيراني تقع في ثلاثة مكونات رئيسة أولها الشحن الطائفي, وثانيها استنزاف الطاقات, وثالثها سباق التسلح, وجميعها تصب في مبدأ واحد هو السيطرة على الفكر,..المشروع الإيراني لا يريد ابتلاع الأرض كما هو حال المشروع الصهيوني بل يريد السيطرة على الفكر, وهذا واضح جليا في كل انعكاسات وظلال تحركات وتصرفات الإيرانيين, ومعروف لدى الجميع إن أدوات السيطرة على الفكر في المشروع الإيراني تختلف تماما عن أدوات ابتلاع الأرض في المشروع الصهيوني, وهمـا أمـران أحلاهمـا مـر, كما قال أبو فراس الحمداني في قصيدة أراك عصي الدمع, والسؤال المطروح هنا أمام مثل هذه المشاريع الخطيرة, وأمام تخلينا عن بناء مشروعا عربيا, هل دموعنا عصّية, الجواب في أواخر قصيدة الحمداني حين قال تهون علينا في المعالـي نفوسنـا ومن خطب الحسناء لم يغلها المهـر.
بقي أن نقول, ونحن بين فك ابتلاع الأرض من الأسفل, وفك السيطرة على الفكر من الأعلى, وخوفا من أن نسحق بين هذين الفكين علينا كأمة عربية أن نؤسس لـــ (مشروع عربي) من خلال إقامة دولة عربية واحدة تجمع الأمة العربية في دولة واحدة من المحيط الأطلسي إلي الخليج العربي يلبي طموحاتنا ويزيد قوتنا الاقتصادية والعسكرية والقومية منطلقين من أربعة مكونان رئيسة,
أولها (الجغرافيا) فالبلاد العربية ليس فيها موانع جغرافية تمنع وحدتها وفيها انهار مائية كبيرة ووهبها الله خيرات فوق الأرض فهي صالحة للزراعة بكل أنواعها وتحت الأرض ففيها النفط والذهب والمعادن كلها, وثانيها (الثقافة) فقيم العرب وعاداتهم وتقاليدهم تكاد تكون واحدة مع تغير أنماطها هنا وهناك, وثالثها (الدين) فمعظم العرب يؤمنون بالإسلام, ورابعتها (اللغة) فهم يتكلمون لغة واحدة هي العربية وان تعددت اللهجات, لكن في المقابل المشروع العربي المأمول تصادفه مشاكل عديدة لا بد من التغلب عليها, ففي الحقيقة إن العرب أنفسهم راغبون عاطفيا ورافضون عمليا لعوامل عدة منها الغنى والفقر والمساحة وعدد السكان في كل قطر, فالدول الصغرى تعتقد أن الدول الكبرى سوف تلتهمها أو تهمشها, فنحن مترددين بين الوحدة أو الاتحاد, لكن لا بد من خطوة جادة إلى الأمام لتتبعها خطوات أخرى عملية.