09-12-2017 09:37 AM
بقلم : د. فيصل الغويين
من الوعد المشؤوم 1917 الى الصفقة المشؤومة 2017
جاء عدوان ترامب بعد مئة عام على عدوان بلفور، فترامب وبلفور وجهان لعملة واحدة ، وهي أنهما منحوا ويمنحون ما لا يملكون الى ما لا يستحق، وكما كانت فلسطين في عهد بلفور1917 عربية وعامرة بشعبها، كانت وما زالت القدس في عهد ترامب 2017 عربية وعامره بشعبها.. يتناسل الغزاة ويتكاثرون عبر القرون لكن فحواهم ونواياهم القذرة واحدة… كانت فلسطين وكانت القدس ومازالت في عهد الصهيوني بلفور وعهد الصهيوني ترامب، عربية فلسطينية.
هكذا إذاً، تجرّأ الكاوبوي الأرعن حيث تردد كل أسلافه منذ 1995؛ ففي ذلك العام، أقرّ الكونغرس قانوناً بنقل سفارة الولايات المتحدة الأميركيّة من تل أبيب إلى القدس المحتلّة، لكنّ أيّاً من نزلاء البيت الأبيض لم يمتلك ـــ منذ ذلك التاريخ ـــ الجنون الكافي، وقلّة المسؤوليّة والوعي والادراك، والأميّة السياسيّة ، والغطرسة الاستعماريّة المنقطعة النظير، ليصدّق على القانون ويضعه في حيّز التنفيذ.
والمائةُ عامٍ التي مَرَّت منذ الوعد المشؤوم 1917 حتى الصفقة المشؤومة 2017 التي وقعها ترامب مع قرون استشعاره ، فكانت صفقة القرن التى باعت القدس بأبخس الأثمان، لتفتح الباب أمام هرولةٍ عربيةٍ وعالميةٍ للاعتراف للمُغتَصِب بما سطا عليه، مما يعني اعطاء الضوء الأخصر لهدم الحرم القدسى والأبراهيمى , وكنيسة المهد، وبناءِ هيكله المزعوم على أنقاض المسجد الأقصى ، ومَدِّ امبراطوريته فى أراضينا من النيل للفرات ، بل من المحيط إلى الخليج ، احتلالاً ونفوذاً ..
لقد كنا مدركين منذ البداية - رغم كل التضليل الذي مارسوه- أن من مولوا الأرهاب ودمروا ليبيا ومن قبل العراق، وأشعلوا النار في سوريا وفى اليمن ، هم من مهد لهذا القرار الذى أعلنه “ترامب” الصهيونى الذى لايفهم اِلا لغة المافيا وسرقة الدولار.
لقد قطف الملياردير الأشقر، والرأس الفارغ ثمار كارثة اسمها «الربيع العربي»، فما ظنه كثيرون بيننا رياح التغيير التي تهب على مجتمعاتنا المتخلفة وأنظمتنا السياسية المستبدة، استحال كابوساً ضاعف التخلّف والبؤس والظلم والاستبداد، وفتّت مجتمعاتنا، وشتّت نخبنا، ومزّق شعوبنا، وزلزل أوطاننا، وأرجعنا قفزات هائلة إلى الوراء، وأغرقنا في مستنقع العصبيات والفتن وصراع الهويات القاتل، وضرب إرادتنا الوطنيّة والقوميّة، والحروب الأهلية والداخلية، فقد كانت الايدي الصهيونية المدير الحقيق لكل ما جرى ويجري.
وها نحن اليوم من سورية إلى العراق إلى مصر إلى اليمن إلى ليبيا نشهد نتاج الحقبة الأميركية «الإسرائيلية» البترولية، وها هو الإرهاب الذي بدأ كأوّل استثمار لحساب الحروب الأميركية بالوكالة بشراكة إسلامية في أفغانستان ينهش لحمنا حتى كدنا نفقد بالكامل بوصلة فلسطين.
لقد تكفّل القرار الرئاسي الأميركي بوضع القانون الصادر عن الكونغرس باعتبار «القدس مدينة موحّدة غير قابلة للتقسيم عاصمة لإسرائيل» بإنهاء مرحلة عمرها أربعة عقود على المستوى الفلسطيني والعربي والإسلامي، عنوانها التفاوض طريق لنيل الحقوق وفي طليعتها القدس الشرقية، فكان للتفاوض شروط أوّلها إسقاط بندقية المقاومة ، وإنهاء عهود الاستقلال السياسي عن الهيمنة الغربية، وخوض حروب «إسرائيل» بالوكالة عنها، ومنذ ذلك التاريخ تهوّدت القدس وضاعت معالمها، وسقطت مصر في قبضة «إسرائيل» سياسياً وقيّدت أمنياً، وسقط فيها مشروع الدولة الوطنية، وصار البترودولار بأدواته المالية والاعلامية يقود عملية تزييف الوعي، ومسح الذاكرة التاريخية للشعوب.
من هنا فإن المقارنة في مكانها، حين نعتبر جريمة ترامب، ومن خلفه جريمة كل أميركا الرسميّة ونخبها ومصالح، بمثابة «وعد بلفور» جديد، له كل الحظوظ أن يتجسّد أمراً واقعاً، كما سابقه، إذا لم يكن العرب قد تعلّموا من دروس التاريخ، وأخذوا العبرة من الأنبياء الذين حذرونا من التعامل مع بنى صهيون ناقضى العهود وقاتلى الأنبياء ، فلعلّها فرصة ثمينة للعودة إلى ما قبل مهزلة «السلام مع إسرائيل»، فالسلام الوحيد الممكن هو تحرير فلسطين، وقدس الاقداس لن يسلبها لا نتانياهو بالقوة العسكرية ، ولا ترامب بجرة قلم..القدس ستبقى عرببة فلسطينية، فالتاريخ يعلمنا أن الغزاة عبروا من هنا مندحرين، والمصير نفسة سيلقاة الغزاة الجدد …!!