10-12-2017 03:53 PM
بقلم : د. إبراهيم بدران
حين شعر دونالد ترامب أن ثقة مواطنيه وحلفائه فيه قد وصلت إلى ادنى المستويات، وحين تجلى تخبطه إزاء الأزمات السورية والكورية والتغيرات المناخية، وحين خرج آلاف المتظاهرين في تل ابيب يطالبون بمحاكمة نتنياهو بسبب الفساد وسوء الإدارة و العزلة التي لحقت بإسرائيل، أخرج ترامب ورقة الإنقاذ المزدوجة، له ولنتنياهو، والتي تمثلت بقراره بنقل السفارة الأمريكية إلى القدس إستنادا إلى قرار الكونغرس بذلك عام 1995 و اعترافه بالقدس عاصمة لإسرائيل.
لقد ظهر نتنياهو أمام اليمين الإسرائيلي وكأنه حقق إنجازً عظيماً، وظهر ترامب أمام اللوبي الصهيوني وكأنه أكثر ممن سبقه من الرؤساء شجاعة و أنه أيضاً حقق شيئا كبيراً، يتطلب من هذا اللوبي تقديم الدعم والمساندة القانونية والإعلامية لدونالد ترامب. وهنا لا بد من ذكر الحقائق التالية: أولاً: إن إعلان ترامب الذي يتسم ببعض الغموض لا يغير شيئا في الوضع القانوني للقدس، وهي لا تزال في القانون الدولي ضمن الأراضي الفلسطينية المحتلة بموجب قرارات الأمم المتحدة بما فيها مجلس الأمن، واعتراف اليونسكو بذلك. ثانياً: إن إسرائيل و اللوبي الصهيوني سيعملان على توسيع ما ورد في خطاب ترامب في كل اتجاه،و المسارعة في تعميم مقولات واستنتاجات تدفع العرب والفلسطينيين إلى الإحباط و اليأس من القضية بكاملها.ثالثا: إن عقلية التاجر الذي يفكر دائما بصفقة يحقق منها الأرباح، بغض النظر عن الجانب الاخلاقي والإنساني، ستبقى مسيطرة على تفكير ترامب وقراراته فذلك هو. رابعا: إن لا أحد من حلفاء أمريكا في أوروبا و لا روسيا و لا الصين وافق على مقولة ترامب أو قراره، بل أن فرنسا وألمانيا اتخذتا موقفاً ناقداً وساخطاً على ما قام به ترامب، باعتبار ذلك مدخلاً لإذكاء الصراع و تأجيجه وعدم الاستقرار في المنطقة، والذي تتأثر به أوروبا أضعاف ما تتأثر به الولايات المتحدة الأمريكية. خامسا: إنه ما شجع ترامب وطمأنه على قراره، هو ذلك الضعف والتعثر والفشل العربي في بناء دول قوية تعمل ككتلة واحدة، تعتمد على نفسها في الغذاء والدفاع، والإقتصاد و التكنولوجيا. فليس هناك من دولة عربية إلا وتتكىء على الجانب الأمريكي في مجال أو أكثر. سادسا: إن التحدي ليس في مدى و حجم الغضب والإستنكاروالتنديد الذي يمكن أن يقوم به الفلسطينيون والعرب و المسلمون و المسيحيون، وإنما التحدي بنوع وحجم العمل الجاد والمؤثرالذي سيتبع ذلك. سابعا: الفلسطينيون ليس أمامهم إلا تعميق وحدتهم وتمكين صمودهم في أرضهم، وأن يقاومو الإحتلال الإسرائيلي بكل السبل حتى يحققوا هدفهم في إقامة دولتهم على ترابهم و عاصمتها القدس، وأن يظهروا للعالم وجههم الوطني الإنساني الراقي المطالب بالحقوق المشروعة لشعب يقع تحت الإحتلال الإستعماري الأخير في العالم. ثامنا: وعلى الجانب العربي أن يدعم الفلسطينيين في نضالهم لتحقيق استقلالهم و أن لا يروج المقولات الإسرائيلية بحسن نية، ويضغط في مؤسسات المجتمع الدولي لوقف تنفيذ نقل السفارة الأمريكية و إنهاء الإحتلال الإسرائيلي. وعلى الأحزاب ومنظمات المجتمع المدني والشخصيات الوطنية العربية أن تقود حركة المقاطعة الشعبية العربية للمنتجات الأمريكية حتى تغير من قرارها حتى لو لم تفعل الإدارات الرسمية ذلك.
إن إعلان ترامب لا يلغي الإلتزامات الواردة في إعلان واشنطن و في معاهدة السلام حول دور الأردن في حماية الأماكن المقدسة، ولا يلغي الوصاية الهاشمية على الأماكن المقدسة، كما أن الأردن وهو الدولة الأكثر إلتزاماً بالحقوق الفلسطينية و بمؤازرة الشعب الفلسطيني عليه أن يدعو الدول العربية والإسلامية لاجتماع عام ويرفع دعوى في محكمة العدل الدولية ضد الإعلان.
ليس المطلوب الإنفعال والإعلام الساخن، ثم تناسي المسألة بالتقادم، بقدر ما هو العمل بعقلانية وإستمرارية وهدوء و مثابرة. وعلى الإدارات العربية أن تتذكر حقيقة بسيطة “أن إسرائيل لا يمكن تخليها عن الغدر من أجل التوسع والاستعمار، فلا يتسرع أحد في التعاقد معها، وأن الدول المعتمدة على الآخرين، مهما كان مجال الاعتماد، عليها أن تتوقع من الآخرين فرض إرادتهم عليها،إن لم يكن اليوم ففي المستقبل.
2-النفط والطاقة البديلة
كلما حاولنا تفهم المنطق العلمي أو الاقتصادي أو السياسي وراء القرارات الرسمية في مسألة الطاقة بكاملها، نجد أن الأمر يزداد غموضا يوماً بعد يوم. قبل أيام أعلنت هيئة الطاقة الذرية بأنه تم توقيع اتقافية مع شركة أمريكية لتزويد الأردن “بمفاعلات نووية” جديدة صغيرة، استطاعة الواحد منها 76 ميغاواط لغايات توليد الكهرباء وتحلية المياه، وليس واضحا ما قيمة مفاعل 76 ميغاواط، الا إذا كانت الفكرة شراء 15 أو 20 مفاعلاً، ونشرها في مواقع مختلفة في المملكة وكأنها محطات غاز أو ديزل؛ و هذا غير معقول في بلد متواضع الخبرات التكنولوجية والإمكاناته اللوجستية،و محدود القدرات على مواجهة الكوارث النووية .
ومن جانب ثان، كانت الهيئة قد وقعت اتفاقيات مع شركة روس-أتوم الروسية لتزويد الأردن بمفاعلين استطاعة كل منهما 1000 ميغاواط . وهكذا من 1000 ميغاواط إلى 76 ميغاواط ؟؟؟ من مفاعل مبالغ في حجمه و كلفته، واستطاعته فوق امكانات الشبكة الكهربائية،إلى مفاعلات صغيرة لا قيمة لها ولا تقدم ولا تؤخر الا إذا كانت بأعداد كبيرة، وهذا غير مستعمل في أي بلد لديها محطات نووية، وهنا ندخل في اشكالات أمنية وتكنولوجية واقتصادية وتشغيلية لا حصر لها. أي منطق هذا الذي ينتقل بين 1000 ميغاواط إلى 76 ميغاواط وكأنه يتسوق بضاعة عادية، فكلما اعجبته قطعة اشتراها..
ومن جانب ثالث فإن الحكومة مصرة على رفع اسعار الكهرباء بكل الوسائل، وتربط بين التعرفة الكهربائية وبين أسعار النفط... لماذا؟ اليس 85% من الكهرباء مولدة من الغاز السائل الذي نستورده وفق عقود طويلة الأمد بأسعار مستقرة لم تتغير ؟ لماذا ترتفع اسعار الكهرباء واسعار الغاز السائل لم ترتفع ؟ هذا في الوقت الذي نلاحظ فيه أن التحول نحو توليد الكهرباء من خلال الطاقة الشمسية يسير ببطء شديد جدا و خاصة لصغار المستهلكين. إن أعداد المستهلكين الذين لديهم وحدات توليد شمسية هو أقل من 6000 مستهلك، في حين أن لدينا في الأردن حوالي 750 ألف بيت منفرد و ما يزيد عن 1.8 مليون مشترك في الكهرباء،أضافة إلى آلاف المدارس والمباني الصغيرة التي لا تستعمل الكهرباء الا نهارا. لماذا لا يكون للحكومة برنامج مكثف تعمل على تمويله لتزويد هذه الأماكن بالمولدات الكهربائية الشمسية؟ فيتراجع استهلاك الكهرباء من الوقود المستورد إلى أدنى الحدود؟. و كما في جميع بلدان العالم، فإن أسعار الكهرباء تعامل عادة من منطور سياسي اجتماعي، وليس بمنظور الكلفة فقط . ففي الهند تباع الكهرباء بأسعار أدنى من الكلفة (8 سنت/ك.و.س) وفي الدنمارك،و ليها محطات نووية، تباع بأسعار عالية (40سنت/ك.و.س). إن القاعدة الإقتصادية الإدارية في الدول ذات الإقتصاد الحر هي:”أن رفع الأسعار و فرض مزيد من الضرائب لا بد أن يرافقها إعطاء بدائل للمستهلك ليختار منها ما يناسبه”، و خلاف ذلك فإن الضغوط الإجتماعية و الإقتصادية سوف تحبط الجهود للخروج من الأزمة.
الحكومة تغض النظر عن انتشار الطاقة الشمسية بأبطأ الخطوات، ولا تريد أنشاء سكة حديد لتوفير الطاقة التي يستهلكها قطاع النقل،(43% من فاتورة الطاقة تذهب للنقل)، ولا تفكر باستعمال الطاقة الشمسية لتحلية المياه، بل تريد الطاقة النووية لذلك، و جرى تأخير محطات الصخر الزيتي أكثر من 5 سنوات، و الإدارات لا تجهد لتوفير أرصفة للمشاة أو الدراجات الهوائية..ومع هذا تريد محطة نووية روسية ب 2000 ميغاواط وباستثمارات تتعدى 10 مليارات دولار، وبكلفة للكهرباء ستصل إلى 14 قرشاً /ك.و.س مقابل 4 قروش للطاقة الشمسية .تريد أن تأخذ مياه خربة السمرا المعاد تدويرها لتبريد المفاعل وحرمان الزراعة، وتريد من الامريكان مفاعلات صغيرة جداً 76 ميغاواط لتنشرها في انحاء المملكة في منطقة إقليمية ملتهبة غير مستقرة، وبالأمس أطلق الحوثيون صاروخا على المحطة النووية في الإمارات، و تريد تصدير اليورانيوم إلى الدول العربية و غيرها و هو لا يزال في المختبر... وتريد أن ترفع الضرائب وتزيد الأسعار، وتقدم لمجلس النواب موازنة مالية تخلو من أي رؤية اقتصادية، وتريد المواطن أن يتحمل كل ذلك.. هذا غير واقعي. ويحمل أخطارا اقتصادية واجتماعية ضخمة، لا يعرف المواطن أي نموذج تتبعه الحكومة في الطاقة . هل هو نموذج الدنمارك أم الهند أم البرتغال أم الصين، أم بريطانيا التي وصلت عدد البيوت المزودة بالطاقة الشمسية فيها إلى 200 ألف بيت، أم أمريكا التي لديها 1 مليون بيت مزود بالطاقة الشمسية، أم قبرص التي زودت 92% من منازلها بالطاقة الشمسية سواء للتسخين أو الكهرباء. كيف يستطيع المستثمر أن يحسب كلفة المنتجات إذا كانت اسعار الطاقة غير مستقرة و متصاعدة مع كل تحرك في سوق النفط؟ كيف ستستمر الصناعات القائمة ؟و كيف سيأتي مستثمرون جدد؟ كيف سيتحقق أمن الطاقة عندما تصل كلفتها 15% من النفقات الشهرية للاسرة ؟ وكلفة الغذاء 38% و اجور السكن تصل إلى 35%؟
إن الرؤية التي يتم التعامل بها مع قطاع الطاقة غير منتجة و بحاجة إلى مراجعة من منظور مختلف؛ لأنها تؤدي إلى حالة من عدم الاستقرار في الاستثمار وفي النمو الإقتصادي، وفي الأسعار وفي كلفة المعيشة، ولا تقدم للمواطن بدائل أخرى متاحة في معظم دول العالم.