بقلم :

 لم يعد يتذكر كم مر عليه من السنين وهو منكفئ فوق هذا المكتب أو منذ متى وهو يدس رأسه الأبيض الذي يبدو ككرة ثلجية وسط هذه الأوراق . و كل ما يستطيع تذكره الآن هو أن الراتب غداً ... وأخيراً ... ما أطول ذلك الشهر والشهر الذي قبله والذي قبله وكل شهر ... لو أن الشهر عشرة أيام ... ربما كان الراتب سيكفي ، نعم أظنه كان سيكفي ليت الشهر عشرة أيام .

بينما هو غارق في حساباته نقر له زميله على طاولة الكتب يذكره بموعد الحصة ... رفع رأسه من بين الأوراق المتناثرة بإهمال وقال بألم وسخرية آه الحصة ... في القاعة الكبيرة جلس خلف جهاز الحاسوب ودماغه لا زال يعمل دون توقف .

قال المحاضر : اليوم سنبدأ بتطبيق ما تعلمناه سابقاً ، في البداية نضغط على زر التشغيل .

التشغيل تمتم بصوت منخفض : آه تذكرت لقد طلبت مني أم أحمد أن أحضر معي أحدهم ليحاول تشغيل الغسالة القديمة ، كم عمرها يا ترى ... عشرون عاماً ... ربما أكثر معها حق المسكينة حين تتذمر منها ولكن ما العمل فأنا غير قادر على شراء أخرى جديدة ترى هل هناك أمل بأن تعود للعمل ، لا أظن ، لقد ملت من كثرة الغسيل وربما هي راغبة في التقاعد ... التقاعد ، ترى كم بقي لي على التقاعد ؟ ثلاث سنين على ما أظن .

كم سينقص راتبي حين أتقاعد إذا كان الآن لا يكفي ... آه من زوجتي ، لن تسكت إن لم تعد الغسالة للعمل وسوف تغني لي موالها المعتاد : تريد مني أن أغسل على يدي ، إن النساء الآن يستعملن غسالات تغسل لوحدها ألم تسمع بالغسالة الأوتوماتيك وأنا لا زلت أغسل على هذه الغسالة أثرية يا له من ظلم .

آه ، ليت تلك الغسالة اللعينة تعود للعمل على الأقل بعد انتهاء أزمة العيد .."عسى الله أن يفرجها " .

العيد آه تذكرت ،لقد أخبرتني أم أحمد بأن موعد ولادتها سيكون قبل العيد ... سامحها الله في الأربعين ، ولا زالت تحمل وتلد وفي كل مرة تقول لي هذه آخر مرة .

ياويلي ، مصاريف العيد ... ومصاريف الولادة كلها في آن واحد ... والراتب ... هل سيكفي ... فجأة خرج من دوامة حساباته ، فقد شعر بالمحاضر يقف قريباً منه ويقول بصوت مرتفع : في المرة القادمة سنتعلم كيفية تخزين الملفات .