28-12-2017 01:32 PM
بقلم : عبدالحميد الهمشري
قبل تسع سنوات وبالتحديد في 27 ديسمبر/كانون الأول 2008، قام جيش الاحتلال الصهيوني بعدوان وحشي على قطاع غزة بعملية أسماها "الرصاص المصبوب"، و"معركة الفرقان" وفق المقاومة الفلسطينية والتي استمر إوارها زهاء 23 يوماً.. ورغم انتهائها ومرور تسع سنوات عليها ، لم يجر محاسبة قادة الاحتلال الصهيوني على الجرائم المرتكبة بحق القطاع وأهله ، رغم إقرار منظمات دولية وحقوقية في تقاريرها بوقوع جرائم حرب بحق المدنيين الفلسطينيين في ذلك العدوان .. حيث استهدف جيش الاحتلال في عدوانه كل المرافق الحيوية في القطاع حتى أن المدارس والجامعات والمساجد والمستشفيات والمراكز الطبية، ومراكز وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين )أونروا) لم تسلم من عدوانه ، كما استخدم اسلحة محرمة دوليا كاليورانيوم المنضب، والأسلحة الفسفورية.. وقد أسفر العدوان عن استشهاد نحو 1500 من بينهم 926 مدنيا و412 طفلاً و111 امرأة، فيما فقد الآلاف بيوتهم.. ورغم القوة المفرطة التي استخدمها جيش الاحتلال إلا أنه فشل في تحقيق أهدافه، و تعرض لخسائر كبيرة بشرية ومادية.
تمر ذكرى هذه الحرب وسط حالة من الغليان تسود الشارع الفلسطيني والعربي على ما أقدم عليه د ترامب من اعتراف بالقدس عاصمة للكيان العبري ظاناً أنه بفعلته هذه يمكنه منح العدو الغاصب سند التمليك للقدس وفلسطين.. صحيح أنه ووجه برفض دولي إلا أنه ما زال يتحدى الإرادة الدولية ويواصل تنفيذ أجندات اللوبي الصهيوني الأمريكي " الآيباك " المرتبط باليمين الصهيوني المتطرف في فلسطين ، لكن لا أحد يعلم بمفاجآت الإدارة الأمريكية وبما ستقدم عليه من إجراءات ضد الشعب الفلسطيني والعرب قاطبة ، لكن لا تعلم هذه الإدارة الخرقاء أن الصمود الفلسطيني على مدى قرن من الزمان حال دون تمكين العدو الصهيوني والقوى الامبريالية التي تشد من أزره من تنفيذ المآرب التي يطمحون إليها من إفراغ الأرض الفلسطينية من أصحابها وإقامة دولة يهودية صرفة ، وهذا ما كان له أن يكون لولا وجود شعب صابر صامد لا تلين قناته ولا يستكين وتزداد مقاومته شراسة كلما زادت المحن ، مما ينبئ بما لا يدع مجالاً للشك بأن الاحتلال مآله إلى زوال وأن اقتلاع العدو الصهيوني من جذوره من أرض فلسطين قادم لا محالة وهذا ليس تمنياً بل هو حقيقة وأقرب من حبل الوريد . الصمود الفلسطيني أمام شراسة العدوان على قطاع غزة كان رسالة للعالم أجمع أن لا تنازل عن الحق الفلسطيني في عودة الشعب الفلسطيني إلى دياره التي سلبت منه عنوة وتحت تهديد السلاح وبجريمة دولية لم يعرف لها التاريخ مثيلاً وإقامة دولته المستقلة على ثرى وطنه فلسطين بعاصمتها القدس العربية.. بطبيعة الحال التهديدات الصهيونية ضد الفلسطينيين سواء في الضفة او القطاع لم تتوقف منذ الاحتلال في حرب حزيران 1967 فالاعتداءات مستمرة وتتخذ أشكالاً متعددة ، ففي خضم ما يجري من أحداث وتطورات بسند أمريكي، فإن الأمور لم تعد تحتمل التأجيل ، لأن الخطر محدق بالشعب الفلسطيني ويتهدد تواجده في أرضه ومقدساته جراء ما يحاك في الدوائر الصهيو أمريكية ، فالتخطيط الأمريكي وما تعتمده القيادة الصهيونية من اتباع سياسة الأرض المحروقة في مواجهة الصمود الفلسطيني سواءً في الضفة أو القطاع الرافض للاحتلال له عنوان واحد هو إعلان يهودية الدولة في فلسطين وهذا يترتب عليه مخاطر تتهدد الوجود الفلسطيني في فلسطين .. فالاحتلال يتعامل في مواجهة هذا الرفض الفلسطيني ومقاومته لوجوده على الأرض الفلسطينية المحتلة منذ العام 1967 م باعتماد أساليب متعددة في محاولة منه كسر الصمود الفلسطيني الذي يتطلع للعيش الكريم في أرض آبائه وأجداده وفي لعب دوره الحضاري الإنساني ، أولاهما البطش والحصار في غزة ، وثانيهما النهم الاستيطاني وتحويل التجمعات السكانية الفلسطينية لكنتونات محاصرة من كل جانب ، وثالثهما الإرهاب المنظم الذي يعتمد التصفيات الجسدية في الميدان والاقتحامات والحواجز الطيارة المفاجئة والاعتداء على المقدسات خاصة المسجد الأقصى المبارك وبالتحديد الأن هناك خطر محدق بحائط البراق وبأساسات الأقصى الذي يتهدده الانهيار بفعل الأنفاق من حوله ومن تحته ، فكلما راق لهذا العدو ترويع السكان تقتحم قواته ومستوطنوه المناطق الفلسطينية فتصفي من تشاء وتعتقل من تشاء محولة تلك التجمعات لما يشبه مراكز الإيواء التي استخدمتها النازية ضد المدنيين المعتقلين في المناطق التي خضعت لسلطتها بعد الاحتلال أو لتحويلها إلى ما يشبه الـ " غيتوهات " التي كانت مفروضة على التجمعات اليهودية في أوروبا قبل القرن التاسع عشر ، من خلال إحاطتها بجدر ومغتصبات وطرق التفافية محمية بمعسكرات وزعران عصابات المستوطنين في البؤر الاستيطانية المنتشرة عشوائياً هنا وهناك ، حيث يقوم مستوطنوه إما بسلب ونهب ما تنتجه الأرض الفلسطينية أو اقتلاع أشجارها خاصة الزيتون منها وترويع السكان الآمنين في منازلهم ، هذا هو حال التجمعات الفلسطينية في الضفة الغربية ، حيث تمكن العدو الصهيوني وبدعم أمريكي مطلق من تحويل قيادة السلطة الفلسطينية التي قدمت برعاية أمريكية لتسيير شؤون الفلسطينيين وتمكينهم من إدارة شؤون أنفسهم بأنفسهم حتى ينالوا استقلالهم وبإرادة دولية إلى سلطة عاجزة عن ذلك لعدم امتلاكها سلطة قرار فرض إدارة المناطق الخاضعة ً لنظاقها السلطوي حيث لم يكن منذ البداية سوى شكلياً وإيهام المجتمع الدولي بوجود مفاوضات لم تكن في حقيقة الحال سوى عبثية وضحك على الذقون لتتمكن وبالتدريج من قضم وهضم الأرض الفلسطينية وفرض أجندتها التي تسعى للوصول إليها على الأرض .. ففي كلا شطري الوطن هناك طمع صهيوني وقمع من قيادة صهيونية متطرفة تعتمد عقلية عدوانية همجية ، لا تجد من يردها عن غيها بفعل الدعم الأمريكي اللامتناهي والمعادي لكل ما هو فلسطيني وعربي وما يقابله من وضع عربي متردٍ ، لا يملك القدرة حتى على الاعتراض على هذا التمادي الصهيوني المدعوم عملياً من دولة العبث العالمية المهيمنة الوحيدة على القرار الدولي ، الولايات المتحدة الأمريكية .
Abuzaher_2006@yahoo.com