حرية سقفها السماء

وكالة سرايا الإخبارية

إبحــث في ســــرايا
الثلاثاء ,21 يناير, 2025 م
طباعة
  • المشاهدات: 17142

القدس عربية

القدس عربية

القدس عربية

06-01-2018 11:06 AM

تعديل حجم الخط:

بقلم : محمود الشيبي
قبل مائة عام أعطى بلفور وزير الخارجية البريطانية وعداً لليهود بإقامة دولة يهودية في فلسطين، وقد أسس بذلك سياسة الدعم البريطاني لاسرائيل، والتي ما زالت مستمرة حتى يومنا هذا على حساب الفلسطينيين الذين يرزحون تحت الاحتلال والارهاب اليهودي صباح مساء. وقد ارتكبت بريطانيا أربع جرائم بهذا الوعد وما تبعه من إجراءات. الأولى : أنها خانت أمانتها عندما احتلت فلسطين بعد شهر من هذا التصريح ، واتخذت الاجراءات التي مكنت اليهود من الهجرة إلى فلسطين، وزودت اليهود بالسلاح الذي منعته عن العرب، وجعلت عقوبة العربي الذي يوجد بحوزته سلاح الاعدام، ولما صارت فلسطين تحت الانتداب البريطاني عام 1922م، خانت أيضاً أمانة الانتداب الموكلة اليها من عصبة الأمم، ونكّـلت بالعرب الذين تعرضوا للقمع الجماعي بما في ذلك الإعدامات التي نفذها الجيش البريطاني في حقهم خارج نطاق القانون من أجل تسهيل الهجرة اليهودية لفلسطين. والثانية أنها ارتكبت جريمة أخلاقية وغير قانونية بحق الشعب العربي الفلسطيني حين شردته من وطنه بالقتل والتنكيل إلى العديد من دول العالم ، وأسكنت مكانه يهوداً أتـوا من شتّى بقاع الأرض. والثالثة أنّ بلفور كـذب عندما قال في رسالته لليهودي البريطاني روتشيلد:" على أنْ يُفهم جليّاً أنه لن يؤتى بعمل من شأنه أنْ ينتقص من الحقوق المدنية والدينية التي تتمتع بها الطوائف غير اليهودية المقيمة في فلسطين أما الرابعة: فإنّ بريطانيا خانت عهودها ونكثت باتفاقياتها مع الشريف الحسين بن علي، وغدرت به، بعد أنْ أوفى ما عليه، ووقف إلى جانب الانجليز والحلفاء في الحرب العالمية الأولى.
يتبيّن لنا من تصريح بلفور مدى وحشية الاستعمار البريطاني، وامتهانه للشعوب الخاضعة له، لقد قدّم البريطانيون فلسطين وهي بلد عربي وليس بريطاني إلى اليهود. ثم بطريقة منفِّرة يتعرض بلفور في تصريحه لشعب فلسطين العربي الذي يشكل أغلبيةً ساحقةً فيصفه بالطوائف غير اليهودية، في حين أنّ اليهود – رغم هجراتهم التي سبقت التصريح – كانوا يشكلون فقط 8% من مجموع السكان حين صدور التصريح، حيث أنّ عـددهم لم يزد على 56 ألفاً.
بعد انتدابها على فلسطين مكّنت بريطانيا اليهود من ممارسة سياسة التطهير العرقي، وطرد العرب من فلسطين، ثم انسحبت من فلسطين عام 1948م بعد أنْ هيّـأت لليهود أسباب قيام دولة ما يسمى اسرائيل، تاركة طائراتها ومعداتها الحربية لدولة الاحتلال اليهودي. وهكذا تمكنت بريطانيا بوعدها غير الإنساني وغير القانوني من سلخ فلسطين من ثوبها العربي، وقدمتها هديّة لليهود.
ولضعف العرب، واستهتار بريطانيا بهم، فقد قالت رئيسة وزراء بريطانيا تيريزا ماي، بهذه المناسبة عام 2017م "إنّ بريطانيا ستحتفل " باعتـزاز" بمرور قرن على إعلان بلفور هذا الصيف"، بدل انْ تعتذر.
في يوم الأربعاء 6 كانون الأول 2017م، أعلن الرئيس الأمريكي ترامب اعتراف واشنطن بالقدس العربية المحتلة عاصمة لإسرائيل، منتهكاً بذلك قرارات مجلس الأمن بهذا الشأن. وكأني به ينافس بلفور على فعلته الاستعمارية القبيحة، ويهدي مدينة من المدن الأمريكية لليهود بلا رادع أخلاقي وبغير وجه قانوني.
تصدى سياسيون وإعلاميون لهذا الإعلان وقالوا إنّ القرار جاء مفاجئاً، ومغامرة غير محسوبة، وكثرت التصريحات والإستنجاد بالمجتمع الدولي. وفي هذا جهل بـيِّـن، وبئس عرب يسمونها مغامرةً أو قراراً مفاجئاً. منذ عشرات السنين والولايات المتحدة تعلن صباح مساء التزامها بأمن اسرائيل، وتزودها بأحدث أسلحة الدمار الشامل. ومنذ أربعة وعشرين عاماً والفلسطينيون يبحثون عن حل سياسي ويتفاوضون مع دولة الاحتلال اليهودي لفلسطين من أجل إقامة دولة فلسطين وعاصمتها القدس. ويدرك كل ذي عقل أنها مفاوضات عبثية يريد اليهود منها كسب الوقت بمزيد من الاستيطان الذي سيأتي على كل الضفة الغربية والعرب نيام بلا حول ولا قوة وبضعف صنعوه بأيديهم.
إنّ قرار ترامب جاء مجحفاً ظالماً وفيه نهاية حل الدولتين وإقامة دولة يهودية واحدة على كل أرض فلسطين. وللأسف فقد جاء الرد عليه من معظم القادة العرب ناعماً وخجولا، وخاصة من الدول العربية الكبيرة والغنيّة، غير أنّ الرد الفلسطيني جاء قوياً وحازماً بعد أنْ أهدر الفلسطينيون سنوات طويلة في مطاردة سراب السلام. أما الـرد الأردني فقد تميّز بصلابته وبمواقف دبلوماسية حازمة وحاسمة، والأردن من أفقـر العرب، وأكثرهم حاجة، لكن تجـوع الحرة ولا تأكل بثدييها. لقد أصبح الأردن رأس الحربة في الدفاع عن القدس وعن فلسطين، ويقف بصلابة في وجه القرار الأمريكي، ونخشى أنْ تكون كلفة هذا الموقف عالية اقتصادياً وأمنياً، فأموال الخزينة الأردنية تعتمد على الضرائب والمساعدات، وقد تلجا الولايات المتحدة إلى قطع مساعداتها عن الأردن، ولن نجد من الدول العربية الغنية من يقف إلى جانب الأردن لحين تجاوز مخاطر هذا القرار. فالقضية الفلسطينية لم تعد من أولويات الدول العربية، ما يضع الأردن في حالة ارتباك مقلق. غير أنّ الموقف الأردني ينسجم تماماً مع النفس ومع التاريخ، رغم المخاطر الاقتصادية التي يمكن أنْ يتعرض لها الأردن. وكأنّ الصعاب والأزمات هي قَـدَر الأردن منذ تأسيس الدولة الأردنية الحديثة، فالأمير عبدالله بن الحسين ( الملك المؤسس) اصطدم منذ أيام قدومه الأولى للأردن مع بريطانيا التي أصرّت بأن يعود إلى الحجاز، لكنه أجاب: بأنه يقيم في أرض عربية جاء إليها نتيجة إلحاح أهلها. وأنّ موقفه الصلب وموقف الشعب الأردني إلى جانبه مكنّه من التغلب على إرادة الاستعمار البريطاني. أما الملك الحسين بن طلال فقد تعرّض الأردن في عهده إلى مخاطر جـمّـة انتصر عليها جميعاً بحزمه وإرادته الصلبة ووقوف الشعب إلى جانبه، فانتصر في معركة تعريب الجيش وإنهاء المعاهدة البريطانية، وكان السياسيون يعتبرون قرار الملك بهذا الشأن مجازفةً وضرباً من الخيال، وتكرر الأمر معه في عام 1967 وعام 1970 وعام 1973 وأخيراً في عام 1990، حيث تعرّض الأردن إلى الحصار من قبل الولايات المتحدة الأمريكية، بسبب موقفه العربي. وقد خرج الأردن معافى من كل هذه المهالك بسبب عزم الحسين وإرادته الصلبة ولوقوف الجيش الباسل والشعب إلى جانب القائد.
لقد انتفض الشعب الأردني انتصاراً للقدس مندداً ومجاهراً بعداوته لأمريكا، فحياهم الملك عبدالله الثاني، وتوجه اليهم برسالة عبّر فيها عن فخره واعتزازه بوقفة الأردنيين مع القدس، واصفاً الشعب الأردني بنبض الأمة.
ترامب يعتبر فلسطين حق تاريخي لليهود وأنهم هم من بنوا القدس. عجباً لقائد أقوى دولة في العالم لم يقرأ التاريخ ، أو يتعامى عن نصوص التاريخ. ألا يعلم أنّ العرب الكنعانيين هم من بنوا حضارة فلسطين في نحو عام 2500 قبل الميلاد، وأن اليبوسيين وهم قبيلة من القبائل الكنعانية هم من بنوا مدينة القدس. ثم أطلق عليها الملك العربي( ملكي صادق) – وهو كنعاني يبوسي – اسم أورشليم ( أي مدينة السلام) وشاليم أو سالم هو إله السلام عند الكنعانيين. وتناسى ترامب أن سيدنا ابراهيم من مدينة أور في جنوبي العراق وليس من فلسطين، وقد حلّ ضيفاً على الكنعانيين العرب حوالي عام 1800م قبل الميلاد، ثم انتقل أحفاده إلى مصر ومنها جاؤا فاتحين لفلسطين بقيادة سيدنا موسى عليه السلام عام 1100 ق.م. غير أنهم أقاموا حكماً مؤقتاً في بعض أجزاء من فلسطين، ثم طردوا منها، إلى أنْ حررها العرب المسلمون في زمن سيدنا عمر بن الخطاب رضي الله عنه قبل ما يزيد عن ألف وأربعمائة عام.
ونُـذكِّر ترامب بالغزو الغربي لفلسطين بما سمي الحروب الصليبية، حيث تمكن الصليبيون من احتلال بيت المقدس وفلسطين عام 1099م. فهل قاتل الصليبيون العرب أم اليهود في فلسطين؟. وهل الدماءالغزيرة التي سُفكت في القدس على يد الصليبيين كانت دماء العرب أم دماء اليهود؟. بعد كل ذلك يعلن ترامب قراره الإعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل ويدعو بعجرفة وصلف إلى التسامح. فكيف يسامح القتيل مَـنْ قتله؟ وكيف يسامح اللاجىء مـنْ نكَّل به وأخرجه من أرضه وبيته ووطنه.
إننا لا نلوم الولايات المتحدة فهي دولة استعمارية لها مصالحها، وتسير سياستها خلف مصالحها، وصدق الرئيس الراحل جمال عبدالناصر عندما قال: أمريكا عدوة الشعوب تـنـبّهوا يا عرب. لكننا نلوم العرب المتخاذلين الذين وسعت أموالهم خزائن الدول الغربية، وبخلوا بها على أبناء عمومتهم العرب مثل الأردن.
بعد حرب عام 1967م تنازل العرب لدولة الاحتلال اليهودي عن الأراضي الفلسطينية المحتلة عام 1948م بسبب عجزهم وضعفهم وعدم قدرتهم على تحرير فلسطين ، ومواجهة الدول الغربية حامية اسرائيل وضامنة أمنها، وطمعاً باستعادة الضفة الغربية الفلسطينية حسب قرار مجلس الأمن (242). لكن ورغم التنازلات العربية المتتالية فليس في الأفق ما يدل على أنّ دولة الاحتلال اليهودي ستسمح بإقامة دولة فلسطينية في الضفة الغربية وعاصمتها القدس الشريف. لكن إذا عزم العرب على إقامة هذه الدولة، فليسخروا أموالهم لإقامة المصانع الحربية وبناء جيش أو جيوش قوية ترهبها دولة الاحتلال فتنسحب، وما أُخِــذ بالقوة لا يسترد إلاّ بالقوة. أما الاستنجاد بالمجتمع الدولي فلا طائل له، فدول العالم لن تأتي لتحارب نيابةً عن العرب. والضعيف لن يجد مَنْ يسمع له، والقوي مسموع الكلمة. وليتنا نتعلم من ايران وكيف تمكنت من بناء ترسانة حربية مرعبة صنعتها من أجل توسعها في المشرق العربي، وهي تحت ما يسمى الحصار.
إنّ أمتنا العربية أمة عظيمة وإذا كانت الآن تعيش عصر الظلام ، وأنّ أبناءها ضعفاء ومستضعفين، فستأتي أجيال من هذه الأمة العظيمة تُفرز قادة عظاماً ينتزعون حقها انتزاعاً من عدوها، والحق يُنتزع ولا يُستجدى. ومهما طال الاحتلال فهو إلى زوال، وستظل فلسطين عربية ، وستظل القدس عربية، وستكون المحـفِّـز لتحرير فلسطين. فالقدس قدسنا وستبقى لنا ولن نفرِّط بذرة من ترابها الطهور كما قال الحسين رحمه الله.
لقد نكّل اليهود بالفلسطينيين أيّـما تنكيل، يقتلون الصغار والكبار والنساء، ويهدمون البيوت، ويستولون على الأراضي الفلسطينية، ويسرقون مياه الضفة الغربية، ويعتقلون مئات الآلاف دون رادع، ولا سائل،وبلغ من همجية دولة الاحتلال والارهاب اليهودي أنهم يعتقلون الأطفال ويعذبونهم، وكل ذلك لم يُحرك في العرب ساكناً. لذا فقد أمعنت دولة الاحتلال في غيِّها وتجبرها.
منذ اليوم الأول من قيام دولة الاحتلال اليهودي وهم يبنون ويعدون العدة ليظلوا متفوقين على جميع الدول العربية عسكرياً واقتصادياً وقد فعلوا. أما العرب فيتفرقون ويضعفون، وإذا كانوا غير راغبين بإعداد القوة التي تمكنهم من استرداد الحقوق المغتصبة، فليت الدول العربية الغنية تدعم الأردن وفلسطين بسخاء بالمال والسلاح، ليتمكن الفلسطينيون من الصمود والدفاع عن أنفسهم وأموالهم وأراضيهم، ويمنعوا العدو اليهودي من اعتقال أبنائهم، فيحفظون كرامتهم وكرامة العرب. أما الأردن فتقويته واجبة على العرب ليكون ظهيراً لفلسطين.








طباعة
  • المشاهدات: 17142
برأيك.. هل تسعى "إسرائيل" لتقسيم سوريا إلى كانتونات بحجة ضمان أمنها من تهديدات الفصائل المسلحة؟
تصويت النتيجة

الأكثر مشاهدة خلال اليوم

إقرأ أيـضـاَ

أخبار فنية

رياضـة

منوعات من العالم