07-01-2018 09:06 AM
سرايا - باريس، المدينة التي تعيش شبابًا دائمًا، لا تعرف سوى أن تكون جميلة بكل تفاصيلها، هي المدينة التي سوف ألتقيها من جديد، بدعوة من خطوط الطيران الفرنسية Air France، وفي تحليق مترف بين بيروت والعاصمة الفرنسية، حيث السفر على درجة رجال الأعمال، يعني الأناقة والدلال الفرنسيين اللذين توفرهما خطوط الطيران الفرنسية لركابها، فلا عجب في أن تكون مقصورتا درجة رجال الأعمال والأولى محجوزتين بالكامل.
بعد أربع ساعات من التحليق الهادئ بكل تفاصيله، وذروة الاسترخاء، حيث تحوّل مقعدي سريرًا وانسجمت بمشاهدة فيلمين، وكأنني في بيتي أسترخي بعد نهار طويل في العمل على كنبتي المفضلة، ولكن في مقصورتي الخاصة المعلّقة بين السماء والأرض. حطّت الطائرة في مطار شارل ديغول، من دون أن أتنبه الى المسافة الزمنية التي تفصل بين العاصمتين. وحده صوت الكابتن نبّهني إلى أنني أصبحت في باريس، وبالتالي انتهى الوقت كما سرعة الضوء.
كانت أنوار باريس الليلية تراقص البرد الذي يغلّفها في شهر كانون الأول/ديسمبر، فكلاهما يستعدان لوداع العام، ويجتمعان تحت سماء المدينة التي تصيب كل من يزورها بعدوى الجمال والأناقة، فصحّ قول أديبها فيكتور هوغو «تنفّس باريس، فإن ذلك يحفظ الروح».
على عكس الكثير من العواصم الأوروبية، عندما تصبح خالية من الناس مساءً، فإنّ أمسيات باريس تنبض بالحيوية وتضجّ بالناس الذين يبدو أنهم يرفضون أن يدهمهم النعاس ويصرّون على السهر تحت سماء المدينة رغم أنف البرد.
وصلنا بعد 25 دقيقة إلى فندق «ذا بنينسولا- باريس»، وكان بهوه قد بدأ الاحتفال بنهاية العام وارتدى زينة الاحتفال بكل بهجتها وأنوارها. رافقتني إلى غرفتي شابة عرفتُ من اسمها أنها لبنانية ومتزوجة ولها طفل، تعيش في باريس وتعمل في الفندق منذ افتتاحه، أي منذ سنتين. كانت غرفتي كما كل غرف الفندق مزيّنة بعناية، مع بعض اللمسات الفاخرة، وسط مساحة رحبة وتتميز بحمام من الرخام، ولحُسن حظي كانت لغرفتي شرفة صغيرة تطل على جادة كليبر.
اليوم الأول... لقاء بعد طول غياب
كان صباحي الباريسي الأوّل مغلّفًا بالسُحب والمطر، فيما حركة المدينة لا تزال خجولة، قرّرت استكشافها ولكن المهمة كانت مستحيلة، فالبرد قارس جدًا، عندها قررت تناول فطوري في الدفء في مطعم «لا لوبي» وسط ديكور أنيق، مع سقف عالٍ تتوسطه ثريا عملاقة من الكريستال، ومؤطّر بالجص المورّق بالذهب، وكذلك أطر اللوحات، مستعيدةً مجد «الحقبة الجميلة» Belle Epoque، في حين أن اللوحات المعاصرة المذهّبة والمرايا، والأثاث الأنيق والموسيقى تضفي جوًا من الحداثة على هذه المساحة الشاسعة.
خطوط الطيران الفرنسية... الرفاهية ترافق المسافر من ألف الوصول إلى المطار إلى ياء الصعود إلى الطائرة
بعد الفطور توجهت وزملاء الرحلة إلى مركز شركة الطيران الفرنسية في قلب باريس لنلتقي بيار مدير المبيعات وكارول مديرة المنتج «لا بريميير» la Premiere، وساندرا مديرة الوقود المستدام وموارد الطاقة المتجدّدة. حدّثنا بيار وكارول عن ميزّات «لا بريميير»، فلحظة وصول مسافر الدرجة الأولى إلى المطار، يرحّب به موظفو الخطوط الفرنسية في مبنى 2E، عبر البوابة 14، نقطة الالتقاء الحصرية لمسافري «لا بريميير»، فينقل الحمّال أمتعتهم إلى صالة التسجيل الخاصة، فيما يتولّى الموظفون إنجاز إجراءات تسجيل الوصول وأي إجراءات أخرى في المطار، كما تكون له أولوية الوصول في نقاط التفتيش الأمنية وختم جواز السفر. عند الوصول إلى صالة الانتظار، يمكن تناول وجبة خفيفة أو الاستمتاع بوجبة كاملة أو كوكتيل يقدمهما الشيف ألين دوكاس والتلذّذ بتجربة طعام رائعة مع خدمة طاولة أنيقة. أما رجل أو سيّدة الأعمال الدائمة السفر فسوف تنجز الكثير من أعمالها أثناء الانتظار حيث تتوافر مساحة شخصية مجهزة تجهيزًا كاملاً ومصمّمة للحفاظ على رفاهيتها وخصوصيتها.
في الطائرة وفي مقصورة «لا بريميير»، في البداية سوف يتلقى المسافر أو المسافرة خدمة شخصية في كل الأوقات. فبمجرد وصوله على متن الطائرة، يعرّف طاقم الجناح عن نفسه. بعد ذلك، يتم الترحيب به في مقصورة «لا بريميير» المميزة بالتطور والأناقة: جلد ناعم من جلد الغزال، أقمشة نسيجية مع تقليم تويد، خشب خفيف وتشطيبات معدنية... في المساحة الخاصة بالمسافر، تم تصميم كل التفاصيل لرفاهيته، حتى ينعم بالراحة والهدوء. وللمسافر ملء الحرية في تنظيم رحلته بالطريقة التي يراها مناسبة... التحرك في المقصورة أو التمتع ببعض الخصوصية، كما يحلو له. فهو سيجد نفسه في منزل يحلّق في السماء، مع مجموعة من الخدمات المتاحة له، بما في ذلك مرحاض خاص، ومساحة التخزين، ومصباح السرير. وإذا كان مسافرًا مع شخص آخر، يمكنه دعوته للانضمام إلى طاولة كبيرة والجلوس على مقعد بنمط عثماني أنيق ومريح.
بعد اجتماع حول رفاهية السفر التي توفرها الخطوط الفرنسية، توجهنا إلى مطعم L'Atelier Etoile de Joël Robuchon في شارع 133 في جادة الشانزليزيه. في البداية، تساءلت لمَ دخلنا إلى متجر Drugstore Publicis؟ ولكن المطعم مختبئ في الطبقة السفلى، حيث الأناقة ولذّة المطبخ الفرنسي كانتا في انتظارنا... حول مشرب الشيف تحلّقنا، نراقب كل ما يدور في المطبخ المفتوح، فتنهال علينا الأطباق الشهية الشكل والطعم. بعد الغداء أردت القيام باستكشاف أوّلي لجادة الشانزليزيه، وهذا ما حصل بالفعل، ولكن في أثناء عودتي إلى الفندق تهت، فكل الشوارع تشبه بعضها بعضًا. وبعد حوالى الساعة من الجولة في هذه المتاهة الباريسية، وبعد سؤالي عددًا من الأشخاص عن عنوان الفندق، سألت عاملاً في متجر ورد، فهو من المؤكد يعرف، ففي النهاية هو يسلّم الورود لأصحابها تبعًا لعناوينهم، ومَن أفضل منه ليرشدني! وبالفعل كان ظنّي في محله، والمفارقة أنه كان يفصلني عن الفندق شارعان، أي ما يعادل 5 دقائق مسافة زمنية.
الأمسية الثانية بدأت بسبا، مرّت بمعاهدة سلام وانتهت بعشاء فرنسي- صيني وأخيرًا وصلت إلى الفندق. كنت على موعد مع جلسة علاجية في سبا الفندق. يمكن الادّعاء أن سبا «بنينسولا» أكبر منتجع صحي في العاصمة الفرنسية مع مساحة 1800 متر مربع. كان بالنسبة إليّ دعوة حقيقية للرفاهية والصفاء وصقل النفس. هنا اجتمع فن الجمال الفرنسي، والخبرة القديمة من الطب الآسيوي. لساعة خضعت لعلاج تدليك الوجه والعنق، خرجت منه بالكثير من الراحة، وتخلصت من الشعور بوخز اليدين المزعج الذي يسبّبه جلوسي الطويل إلى الكمبيوتر.
عند الثامنة مساءً، كنا على موعد على العشاء، الذي بدأ بالمقبّلات في حانة Le Bar Kléber التاريخية ذات التصميم الفخم... ألواح خشب البلوط والقوالب الذهبية والسقوف العالية والمرايا ذات الأبعاد الرائعة. فيما تؤدي النوافذ ذات الارتفاع المزدوج مباشرةً إلى «لا تيراس كليبر». وفي هذا المكان التاريخي تم التفاوض بين هنري كيسنجر وبان دين كاي السياسي الفيتنامي، ووقّعا معاهدات باريس للسلام التي أنهت حرب فيتنام عام 1973.
ثم انتقلنا لتناول المقبّلات الساخنة في «لا لوبي»، ثم الطبق الرئيسي في مطعم «ليلي»Lili جاء ديكور المطعم الفريد تحية للأوبرا الصينية، في قلب باريس التاريخي إذ يقع المطعم في المبنى الأصلي وقد زُيّن ديكوره بمزيج من الأنماط الصينية والفرنسية، دخلنا عبر رواق، صُفّت على يمينه مقصورات طعام خاصة جدًا مفصولة عن بعضها وتتمتع بالخصوصية التامة، لنصل إلى صالة مفتوحة حيث الطاولات متجاورة، ثم توجهنا إلى جناحنا الخاص. انهالت الأطباق الصينية التي أخذتنا إلى آفاق جديدة من التميز في باريس، ولا سيما طبق البط الشهي.
اليوم الثاني... استكشاف تفاصيل باريس
رافقتنا سولين في جولة في الفندق القائم راهنًا في مبنى باريسي كلاسيكي. يضم الفندق 200 غرفة تشمل 87 جناحًا. جلنا في أحد الأجنحة، التي أدخلتني في عوالم الترف الفرنسي. الديكور رائع ومشبع بالبريق الباريسي، كل تفصيل فيه ينمّ عن الذوق المرهف، وما عليكِ سوى أن تعيشي الحلم في هذا الجناح الذي يطغى عليه اللونان الأبيض والذهبي.
بعد جولة الترف، كان لنا موعد مع الغداء في مطعم l’Oiseau Blanc الذي يقع في الطبقة السادسة من الفندق، ويوفر إطلالة على أشهر المعالم الأثرية في باريس، وتحديدًا برج إيفل، فسقفه وجدرانه من الزجاج، كانت الشمس تطل بين الحين والآخر، ولكن السُّحب كانت أقوى، فتحجبها، فيما تحلّق على ترّاسه طائرة صغيرة هي نسخة طبق الأصل عن طائرة «لوازو بلان» الشهيرة لتشارلز نونجيسر وفرانسوا كولي، اللذين سجّلا أول عبور فوق المحيط الأطلسي عام 1927، فسقطت طائرتهما في عمق المحيط. يقدّم المطعم المأكولات الفرنسية الشهية والأصيلة.
مغامرة سائحة لبنانية في باريس
نحو جادة هوسمان، توجّهت وزميلة الرحلة ديزيريه بالتاكسي. كانت زحمة السير خانقة، وما لفتني فوضى السير في باريس، والتي تشبه إلى هذا الحد أو ذاك فوضى العاصمة اللبنانية، إذ أحيانًا يكون سبب الزحام تسابق السيارات على ضوء الشارة الأخضر، مما يجعل الجميع عالقين في حلقة مفرغة، وأيضًا قد تجدين سيارة تقف لحظة في عكس اتجاهها. القليل من الفوضى جميل، فهو يمنح المدينة حيوية. نزلنا من سيارة الأجرة لأن الوصول إلى «غراند ماغازين لو برينتان» يكون أسرع سيرًا على الأقدام. افترقت عن ديزيريه التي قالت لي: «إذا رغبت في العودة إلى الفندق سيرًا على القدمين، ما عليك سوى التوجه مباشرةً نحو قوس النصر، فكل دروب باريس تؤدي إليه».
كل الدروب الباريسية تؤدي إلى قوس النصر
زحمة السير ليست وحدها التي تحرّك جادة هوسمان، بل فلول المشاة، وكأنها أمواج بشرية، تتسابق في ما بينها لتستريح على شواطئ التسوّق. فعلى طول الجادة وتفرّعاتها تتجاور بوتيكات دور الأزياء الراقية مثل شانيل وديور... وبوتيكات ملابس السلسلة مثل «مانغو» و«زارا» و«أتش أند أم»، ومقاهي الرصيف، حتى في قلب المراكز الكبرى مثل «برينتان» و«لافاييت» تجدين هذا المزيج من البوتيكات. كانت وجهة تسوّقي متجر «سي أند أي»، فالملابس القطنية للأطفال والمراهقين في هذا المتجر ذات جودة عالية وثمنها زهيد. بعدما اخترت ما يناسب ولديّ أختي، قررت العودة إلى الفندق مشيًا متّبعةً نصيحة ديزيريه وهي السير باتجاه «قوس النصر» إلى أن وصلت إلى مفترق طرق، فوجهتي إما يمينًا أو يسارًا. صحيح أنني في كلتا الحالين سوف أصل إليه، إلا أن إحدى الطريقين سوف تكون أطول. سألت سيدة فنصحتني، دهمني المطر ثم حبيبات البرَد وأنا أصرّ على متابعة سيري فلم آبه لهما، وتحدّيتهما. لن أجعلهما يثنياني عن قراري، وبعد حوالى نصف ساعة لاح لي «قوس النصر»، مما جعلني أقول في قرارة نفسي: «حققت نصري الخاص». عندما وصلت إلى «القوس» الذي يقع في الدائرة الثامنة وسط ساحة شارل ديغول، شعرت ببعض الحيرة، فمنه تتفرع 12 جادة، من بينها جادة «دي لا غراندي أرمي»، وجادة «دي واغرام» و«الشانزليزيه» الأكثر شهرةً، وجادة «كليبر» التي يقع فيها الفندق. «تشع» الجادات الاثنتا عشرة على شكل نجمة حول الساحة، التي اسمها الكامل «قوس النصر النجمة» Arc de Triomphe de l’Etoile. تبعت حدسي، وتذكّرت أن الفندق قريب من «برج إيفل»، وبالتالي فإن هذا البرج هو نقطة مرجعي الثانية. قطعت شارات سير عدة، وفي كل مرة أقرأ اسم الجادة، ولكن لوحة شارل ديغول المستريحة على المباني المحلّقة حول القوس، حيّرتني، إلى أن وصلت إلى اللوحة التي كتب عليها جادة «كليبر»... تنفّست الصعداء، وكان مظهري مثيرًا للضحك والشفقة في آن، فالمطر وحبيبات البرَد لم يرحماني.
التيه في باريس متعة لا يمكن تفويتها
صعدت إلى غرفتي الدافئة المترفة واتصلت بشقيقتي لأريها ما تسوّقت. بالفعل، الإنترنت وتطبيق الواي - فاي لهما فضل كبير على المسافر، ولا سيما في ما يتعلق بتكلفة التواصل بالصوت والصورة عبر القارات. في الماضي كان الاتصال يكلّف جيوبنا الكثير، أما اليوم فقد أصبح مجانيًا. شجّعتني أختي على المزيد من اكتشاف باريس حين قالت لي: «أنت في باريس وتمكثين في الفندق!»، ولكي تحفزني، طلبت مني شراء قبّعة لها. وجدت أن أختي مُحقّة في ما تقول، خصوصًا أنني عرفت كيف أتغلب على متاهة الشوارع الباريسية. نزلت وسألت موظفي الفندق عن موعد إغلاق المحال في باريس، فقالوا لي عند الثامنة. حسنًا قلت، لدي ثلاث ساعات، هذه المرة سأصل إلى جادة هوسمان بأقل من ربع ساعة. بدأت أحصي عدد شارات السير، وسألت حتى المشاة عن الشارة التي توصلني إلى الجادة، ولكن في كل مرة كانت الإجابة «أُف، إنها بعيدة جدًا»، ولكنني أصررت، ففي النهاية أنا سائحة، ولا أخفيكم سرًا... فقد شعرت بأنني أشبه سميرة توفيق في فليم «بدوية في باريس». بالطبع لم أغنّ ولم أدبك، بل حثثتُ الخطى متسلّحةً بعنادي وباللغة الفرنسية التي أُتقنها. وصلت إلى الجادة بعد وقت أطول مما توقّعت، ولكن البوتيك الذي قصدته لم يكن قد أغلق أبوابه بعد، أما المفارقة فهي أنني لم أجد القبّعة التي ترغب فيها شقيقتي. أثناء عودتي، قررت أن «أتفذلك» وأسير في طريق مختصرة، لأجد نفسي عند كاتدرائية مادلين، ثم في ساحة الكونكورد التي أذكرها تمامًا في زيارة سابقة لي. كانت باريس تشعّ بالأنوار المتراقصة والمحتفلة باقتراب نهاية العام، وزحمة الناس هي نفسها، الأمر الذي جعلني أشعر بالراحة، فطالما هناك حشود، لن أضيع، أو أخاف، فتحت سماء باريس كما تقول أغنية أديث بياف Sous le ciel de Paris في أحد مقاطعها اجتمعت الطيور من كل بقاع الأرض لتثرثر في ما بينها، وفي الواقع هنا الناس هم الذين يثرثرون.
جادة الشانزليزيه... هنا يثرثر كل الناس بلغاتهم
بعد لحظات وجدت نفسي أمام مبنى يضم الكثير من الحرّاس الجديين. إنني على عتبة قصر الإليزيه. لم أجرؤ على سؤال الحارس، فهو يحرس القصر الرئاسي! ولاحظت مجموعة سيّاح برفقة مرشد، ومَن أفضل منه لأساله. كان لطيفًا وقال لي: «رافقينا، فنحن نسير في الاتجاه نفسه إلى جادة الشانزليزيه، وبعد ذلك نفترق، وما عليك سوى السير قدمًا ومباشرةً، لا يمينًا ولا يسارًا». وهذا ما حدث بالفعل، كانت الجادة تضيق بالمشاة من كل الجنسيات وسمعت الكثير من اللهجات واللغات، وكأن العالم بكل تناقضاته وأجياله اجتمع في هذه الجادة الشهيرة... أضواء وأضواء على الشجر، على الأبنية في الساحات، ومجموعات سيّارة من الجيش الفرنسي، بين الحشود لتوفير الأمن للناس. بدا لي أن باريس لا تأبه للإرهاب الذي طعنها في السنتين الأخيرتين، فالكل يستمتع بليلها وتغمره مثلي غبطة التيه فيها، آلاف السيّاح يسيرون، مراهقات يثرثرن ويلتقطن صور السيلفي، فيما الأطفال مع ذويهم مندهشون بالأنوار، ويبدو أنهم يحصون عدد ومضاتها، بينما مقاهي الرصيف رغم البرد القارس كثر روّادها، خصوصًا من اختار منهم الجلوس وحيدًا في الخارج يتصيّد أفكارًا أو جملاً تلهمه بها المدينة، ربما يخطّها في مقال أو يقولها للحبيبة. ففي النهاية هي باريس الجميلة التي ما زال النور ووهجه متشبثين بحيويتها.
أما أنا فوجدت نفسي أردّد أغنية المغنّي الفرنسي، الأميركي الأصل «جو دا سين»، التي تقول كلماتها:
Aux Champs-Elysées, aux Champs-Elysées
Au soleil, sous la pluie, à midi ou à minuit
Il y a tout ce que vous voulez aux Champs-Elysées
الشانزليزيه، الشانزليزيه
في الشمس، في المطر، عند الظهر أو منتصف الليل
هناك كل ما تريده في الشانزليزيه
بالفعل، الكل يعشق هذه الجادة. غادرت باريس صباحًا وهي كانت تستعد في التاسع من كانون الأول/ديسمبر لوداع جوني هوليداي، أما أنا فسوف أغادرها إلى بيروت. ودّعت عاصمة التناقضات بكل أبعادها، ففي باريس يتجاور العالم المترف بكل تفاصليه والعالم المتواضع، السيدة المتحرّرة إلى جانب تلك الملتزمة، الرجل الأنيق الجدّي والشاب المتطاير، المتشرّد الذي افترش الطريق الباردة في مقابل الفندق الفخم الدافئ. هي مدينة تعكس صور الحياة بكل وجوهها وأنماطها. لم أستطع التقاط الصور، فضباب كانون الأول/ديسمبر وبرده انتصرا على كاميرتي الرقمية، ولكنهما لم يتمكّنا من ذاكرتي الإنسانية التي طبعت الكثير من الصور لعاصمة الحياة.
«سبا» للسيدة الكثيرة الأسفار
سيّدة الأعمال الكثيرة الأسفار، ولكنها في الوقت نفسه تحتاج إلى الاسترخاء كي تكون رحلتها إلى المدينة التالية مفعمة بالطاقة الإيجابية، فإن السبا في جناح «لا بريميير» يوفّر لها ما تتوق إليه. إذ يضم الجناح مركز «بيولوجيك ريشيرتش»، للاستمتاع بعلاجات السبا الشخصية، بما في ذلك علاجات الوجه الخاصة، وعلاجات الجسم المصمّمة لتلبية احتياجات المسافرة، حيث تسترخي لمدة ساعتين عبر مزيج فريد من الرفاه والهدوء. بعد ذلك، يرافق المسافرة إلى الطائرة موظف في سيارة فارهة.
بنينسولا باريس والتاريخ
كان فندق «ذا بنينسولا» يضم في الأساس أحد أفخم الفنادق في باريس. وفي التاريخ أن الفندق بناه في الأصل أحد أرستقراطيي الروس في القرن التاسع عشر، ثم اشتراه ليونارد تاوبر، وهدمه وكلّف بالأعمال المهندس أرماند سيبين الذي استأجر الحرفيين المهرة في ذلك الوقت لإرضاء هوس المالك بالتفاصيل. افتُتح الفندق عام 1908 ليكون مثالاً عن الفن المعماري العالمي في مدينة باريس منذ ذلك الحين. عندما اندلعت الحرب العالمية الأولى، تم الاستيلاء على العديد من المباني الكبيرة لاستيعاب المستشفيات الموقتة. ولم يستأنف الفندق نشاطه إلا بعد إعادة تأهيله عام 1916. هنا في هذا الفندق، وفي عام 1922 تناول العشاء على الطاولة نفسها في المطعم كلٌ من جيمس جويس، مارسيل بروست، بابلو بيكاسو، إيغور سترافينسكي وغيرهم من مشاهير القرن الماضي. وهنا كتب الملحن الأميركي جورج جيرشوين قصيدته السمفونية «أميركي في باريس». أُهمل الفندق لعقود طويلة حتى جاء عام 2007 وباعت الحكومة الفرنسية المبنى لشركة التطوير الفندقي، وبدأ ترميمه عام 2010 ليُفتتح قبل عامين ويشهد عام 2016 أول حفل Bal des Debutantes.
● يمكنك الحجز لجلسة الشاي بعد الظهر Peninsula afternoon tea والاستمتاع بوجبة عصرونية بأسلوب باريسي.
● كل نزلاء الفندق يمكنهم استعمال غرف السونا في السبا، والنادي الرياضي، وحوض السباحة الداخلي.
عنوان الفندق: THE PENINSULA
19 Avenue Kléber, 75116 Paris, France
Phone: +33 1 58 12 66 05
نصيحة محرّرة:
● سواء كنت من متسوّقات دور الأزياء الراقية أو بوتيكات السلسلة، فسوف تجدين فروعها في الشانزليزيه وجادة هوسمان، لذا إذا لم يكن لديك الوقت اختاري الجادة الأقرب إلى الفندق الذي تنزلين فيه.
● في جادة الشانزليزيه يمكنك استعمال تطبيق الواي- فاي مجانًا وما عليك سوى تسجيل دخولك وهكذا يمكنك تصور فيديو مباشر أثناء التنزه في هذه الجادة الشهيرة.