09-01-2018 09:15 AM
بقلم : د. عادل محمد القطاونة
تلعب الضرائب دوراً محورياً في إعادة توزيع الدخول والثروات بين المواطنين؛ كما أن لها أهدافاً اقتصادية في تمويل موازنة الدولة؛ والمساهمة في عملية التنمية الاقتصادية وتحقيق التوازن الاقتصادي؛ إضافة إلى دورها السياسي والمتمثل في سيادة الدولة من خلال سيادة القانون.
إن قدرة الدولة على الإنفاق العام، وزيادة معدل النمو الاقتصادي تعتمد على ما يتاح لها من الموارد المالية اللازمة لتمويل استثماراتها وتغطية نفقاتها، حيث أنها تعمل على تطوير المصادر الداخلية للتمويل من ناحية، والاستعانة بمصادر التمويل الخارجية من ناحية أخرى.
يبرز دور الضرائب في تعزيز التمويل الداخلي وزيادة الموارد المالية التي تتطلبها عملية التنمية؛ من أجل ايجاد دخول تنتج ضرائب جديدة، سواء من حيث تعزيز البيئة الاستثمارية وإدارة الاعفاءات والمعدلات الضريبية بطريقة حرفية تسمح في دعم المواطن الغني والفقير، وتزيد من التحصيل الضريبي، وتسهم في إيجاد فرص عمل جديدة للأنشطة ذات القيمة المضافة العالية. تشير آخر الدراسات المتعلقة في النظام الضريبي في الأردن، إن العبء الضريبي يقدر بحوالي ( %25) من الناتج المحلي الإجمالي (GDP) في حين أن إيرادات ضريبة الدخل لا تزيد عن الـ ( 4 %) من الناتج المحلي، مما يدل ببساطة على أن هناك خللاً واضحاً في الجسم الضريبي من إدارة للتحصيلات، ورسم للسياسات، وإدارة للأزمات، وترتيب للأولويات.
لقد بدا واضحاً منذ سنوات أن السياسة الضريبية بحاجة إلى إعادة هيكلة تضمن زيادة الاهتمام بالإيرادات الضريبية المباشرة (الدخل والثروة)، مع الاهتمام بالضرائب غير المباشرة (ضرائب الاستهلاك)، وتغيير اتجاه البوصلة الضريبية إلى زيادة الإعفاءات لذوي الدخل المحدود، ودعم صغار المستثمرين، وتحفيز البيئة الاقتصادية من خلال الاعتماد على أكثر من معدل لضريبة القيمة المضافة (المبيعات)، وإعادة النظر في الضريبة الخاصة لبعض السلع والخدمات، ودراسة الفترات الزمنية للإقرارات الضريبية بشكل أكثر موضوعية، وتحقيق الكفاءة والفعالية في إدارة الوقت للمدقق والموظف الضريبي، والبحث عن آليات جديدة في الحد من التهرب الضريبي من خلال إدارة النظام المعلوماتي الضريبي بشكل أكثر حنكة وموضوعية؛ وجعل المواطن شريكاً في عملية صنع القرار؛ ومكافحاً لظاهرة التهرب الضريبي عبر تحفيزه لا تخويفه.
رقمياً، انخفضت الإيرادات الضريبية من الدخل والأرباح بنسبة (4.3 %) أو ما مقداره (35.8) مليون دينار أردني في أول ثمانية أشهر من العام السابق 2017، مقارنة بنفس الفترة من العام 2016، وبلغت الإيرادات (794.1) مليون دينار مقارنة مع (829.9) مليون دينار في الفترة نفسها من العام 2016؛ وتراجعت الإيرادات الضريبية من المعاملات المالية (ضريبة بيع العقار) في أول ثمانية أشهر بنسبة (10%) إلى (71.4) مليون دينار أردني مقارنة مع (78.9) مليون دينار أردني لنفس الفترة. وتسبب ذلك الانخفاض في تلك الإيرادات إلى تراجع إجمالي الإيرادات الضريبية في الموازنة العامة في الأشهر الثمانية الأولى، بنسبة (%0.3) إلى (3.005) مليار دينار أردني مقارنة مع (3.015) مليار دينار أردني في نفس الفترة من عام 2016.
بالنسبة للإيرادات الضريبية من بندي السلع والخدمات، والمعاملات الدولية فقد ارتفعت في الأشهر الثمانية الأولى بنسبة (1.6 %) و(1 %) إلى (1.926) مليار دينار أردني، و (212) مليون دينار أردني على التوالي، مقارنة مع نفس الفترة من عام 2016، واستحوذت الإيرادات الضريبية على ما نسبته (%67) من إجمالي الإيرادات المحلية والتي بلغت في الأشهر الثمانية الأولى من العام 2017 بواقع (4.48) مليار دينار؛ وشكلت تلك الإيرادات الضريبية خلال أول ثمانية أشهر من العام 2017 نسبة (10.6 %) من الناتج المحلي الإجمالي مقارنة مع (%11) خلال الفترة نفسها من العام 2016.
إن تطبيق قواعد صارمة لمكافحة كافة أشكال الفساد والتهرب الضريبي، وضمان الشفافية وتحديد تعليمات واضحة وحاسمة بما يتعلق بتقييم الدخل العادل الخاضع للضريبة، من قبل مدققي الضرائب أصبح موضوعاً غاية في الأهمية، فمكافحة التهرب الضريبي تبدأ من خلال إدارة ضريبية حاسمة قادرة على منح دافع الضريبة الثقة أن ما يقوم بدفعه صحيح، ومن خلال إدارة ملف الثقافة الضريبية بشكل ابداعي وابتكاري ومنهجي، يسمح في أن تصبح الضريبة جزءاً من ثقافة المواطن المحب لوطنه، وتجعل منه شخصاً مقتنعاً، لا مجبراً على الدفع.
إن جزءاً من المشاكل التي تواجه النظام الضريبي بأشكالها المختلفة، تعود في جزءٍ منها إلى غياب الآليات القانونية الواضحة؛ وتعدد وتضارب التعليمات والأنظمة، وغياب العدالة في بعض أجزاء النظام الضريبي؛ وضعف العمل المؤسسي والرقابي أحياناً؛ ووجود تشريعات تسهل أحياناً عملية الاجتهاد الضريبي الواسع، وذهاب العديد من القضايا إلى المحاكم؛ وتعقّد بعض المواد القانونية، وعدم تكافؤ الفرص بين الشركات ضريبياً؛ والتركيز على بعض الدخول على حساب غيرها، كل ذلك ساهم في تشوه بعض اجزاء النظام، وعدم زيادة التحصيلات الضريبية على الرغم من فرض ضرائب جديدة أو تعديل المعدلات الضريبية ارتفاعاً.