16-01-2018 12:37 PM
بقلم : محمـود الشـــيبي
في أعقاب قرار الرئيس الأمريكي ترامب الجائر الاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل، رأى بعض اليهود أنّ ترامب كان يتلقى الارشاد من الله لاستعادة السيطرة اليهودية على الأماكن المقدسة، وأنّ الاعتراف بالقدس عاصمة لاسرائيل مهّد الطريق أمام بناء الهيكل اليهودي الثالث في نفس المكان الذي كان فيه الهيكل الثاني قبل أنْ يُهدم.
يبدو أنّ اليهود تمكنوا من إدخال خُـزعْـبِـلاتهم في عقول كثير من الناس في العالم الغربي، وهم الآن يجنون حصاد هذه الخزعبلات. وإذا كانت الصهيونية قد زوّرت التاريخ والدين وكل ما من شأنه انْ يخدم مصالحها، فكيف لا تجعل من ترامب رسولاً يتلقى الارشاد من الله ما دام هذا الأمر يصب في مصلحتها.
إذا استثنينا الأردن وفلسطين لم يكن الرد العربي على قــرار الرئيس الأميريكي الجائر والمنحاز إلى دولة الاحتلال في مستوى الحدث الجلل. فقد استمرأ العرب الذل والهوان الجاثم على صدورهم منذ مئات السنين. فمنذ العهد العثماني ومروراً باتفاقية سايكس – بيكو، وبعد احتلال فلسطين وحتى الآن والعرب يعانون من التفرق والاستبداد والتخلف والخنوع .
ظنّ بعضنا أنّ قرار ترامب سيوقظ العرب من سباتهم الطويل، وينحازوا إلى كرامتهم، فيتصدون للظلم الذي وقع على هذه الأمة في فلسطين، فذهب ظنهم أدراج الرياح.
لقد كـرّم الله الأمة العربية بموقع جغرافي متميِّز، ووهبها الخيرات التي تمكنها من أنْ تكون في مقدمة دول العالم. غير أنها ارتأت أنْ تصطفّ في مؤخرة شعوب الأرض بسبب التجزأة والتنابذ والاستبداد والظلم والفساد، وكأني بها كما وصفها عبدالرحمن الكواكبي في طبائع الاستبداد ومصارع الاستعباد، فيقول :" النبات يطلب العلو وأنتم تطلبون الانخفاض، لفظتكم الأرض لتكونوا على ظهرها وأنتم حريصون على أنْ تنغرسوا في جوفها، فإنْ كان بطن الأرض بغيتكم، فاصبروا قليلاً لتناموا فيها طويلا".
تمكن اليهود من أنْ يحْكموا الولايات المتحدة بأموالهم وتأثيرهم السياسي. أما العرب فقد سخّروا أموالهم لخدمة السيد الأمريكي، وليس لقوتهم ورفع شأنهم. بعد الفيتو الأمريكي الذي جعل مجلس الأمن يرفض القرار العربي بشأن القدس، أقرت الجمعية العامة للأمم المتحدة بالأغلبية مشروع قرار عربي إسلامي يرفض أي إجراءات تهدف إلى تغيير الوضع في القدس، وهو ما يعني رفض القرارالأمريكي اعتبار القدس عاصمة إسرائيل، فاستخفّت دولة الاحتلال بالقرار وقال مندوبها في الأمم المتحدة: لا قرار من الأمم المتحدة سيخرجنا من القدس".
نعـم هذا منطق القوة، وهذا قرار القوي. من يظن أنّ دولة الاحتلال اليهودي ستمنح الفلسطينيين دولة على أرضهم المحتلة فهو واهم، إلاّ إذا انتزع العرب حقهم بالقوة. والقوة وحدها هي من يُجبر دولة الاحتلال على الجلاء عن الأراضي المحتلة عام 1967م. والله تعالى يقول في محكم كتابه:" أمْ لهم نصيبٌ من الملك فإذاً لا يؤتون الناس نقيرا".
دولة الاحتلال اليهودي أُقيمت بسفك الدماء والارهاب، وبدعم لا محدود من دول الاستعمار الغربي، وهي تدرك أنّ استمرارها لا يكون إلاّ بمزيد من الاجرام والتنكيل والقتل والتدمير والتخريب ومصادرة الحقوق الفلسطينية، وبدعم غربي أيضاً. لذا لم يسلم أطفال ونساء فلسطين من شر اليهود، فقد اعتقلوا المناضلة الشجاعة عهد التميمي وهي طفلة في السادسة عشر من عمرها،لأنها كانت تدفع جنود الاحتلال عن بيتها، وصفعت ضابطاً اسرائيلياً لأنه أبى أنْ يغادر مكان وقوفه أمام بيتها، وقالو إنها فتاة خطرة على الاحتلال، ثم اعتقلوا والدتها بدعوى أنها صوّرت حادثة ابنتها، فاتُّهمتْ بالتحريض وهو ما يمثل قمة الاجرام الاسرائيلي، كما اعتقلوا ابنة عمها نور التميمي. وليس عجباً أنْ يقول وزير التربية والتعليم الاسرائيلي:" إنّ هذه الفتاة (عهد التميمي) يجب أنْ تُمضي حياتها داخل السجن"، بما يخالف كل القوانين الدولية وحقوق الانسان والطفل والمرأة، لكنه يتفق مع غطرسة القوة والاستبداد.
لا يذكر التاريخ دولة وإنْ كانت قمعيةً استبدادية تسجن الأطفال وتعذبهم وتهينهم، لأنهم يطالبون بحقوقهم الوطنية عدا دولة الاحتلال اليهودي.
رحم الله الخليفة المعتصم عندما علم بأن امرأة عربية بعمورية سُحِلتْ إلى السجن، أوتحرش بها رومي وأمسك بطرف جلبابها، أو انها أُسِرت فصاحتْ في لهفة " وامعتصماه" فجهز المعتصم جيشاً لجباً انتصر فيه على الروم لأن العرب جميعاً ومعهم العالم الاسلامي كانوا دولة واحدة تحت حكم المعتصم. أما الآن فصرخات النساء والأطفال العرب لا تصل إلى مسامع الحكام العرب، لأنهم ضعافٌ متفرقون.
لقد آن الأوان لأنْ ينبذ العرب الخلافات والدولة القطرية انتصاراً للقدس ،التي تستحق من جميع العرب الانحياز إليها ،والوقوف مع الشعب الفلسطيني في صموده ومحنته لمواجهة العدوان اليهودي الصهيوني الجاثم على صدر هذه الأمة منذ عام 1948م.
وللتاريخ فإنّ الموقف الأردني لا يُضاهى، فقد عضّ الأردن على جرحه واتخذ موقفاً صريحاً واضحاً ضد المشروع الأميركي، رغم ما يترتب على هذا الموقف من تبعات اقتصادية ضارّة، ورغم أنه يدرك بأنّ أيّاً من الدول العربية لن تقف إلى جانبه في محنته الاقتصادية. فـليـلُ العرب طويل غير أنّ الصبح سينبلج بأجيالٍ تدرك مكامن قوتها، وتنطلق إلى العلا شامخة بعروبتها مؤمنة بوحدتها وعزتها، وسيكون لها مع اليهود ثارات بأيام يطحنون بها العدو طحناً فيندم على تدنيسه أرض فلسطين العربية، وعلى ما فعلوا بأهلها، وسيـثـأرون لعهد التميمي ولأخواتها العربيات المقاومات للاحتلال، وسينجلي الليل بهمة الرجال أولي العزم، والأيام حُبلى.
إنّ صراعنا مع العدو الصهيوني طويل، وقد استطاع هذا العدو تهجير أعداد كبيرة من المسيحيين العرب من القدس ومن فلسطين إلى دول الغرب بأنْ سهّل لهم سبيل الهجرة، لذا فمسيحية القدس مستهدفة. وإلى جانب الدور الذي يقوم به جلالة الملك عبداهبأ الثاني في التصدي لهذا العدوان اليهودي، فلا بد من التعاون الاسلامي المسيحي، وذلك بتشكيل وفد فلسطيني مسيحي من القدس وفلسطين برئاسة أحد رجال الدين المسيحي، إلى جانب وفد أردني مسيحي برئاسة أحد رجال الدين المسيحي، للتحرك تجاه الولايات المتحدة وأمريكا الجنوبية والدول الأوروبية ودول أخرى، لشرح مخاطر أنْ تكون القدس عاصمة دولة الاحتلال، وخطر ذلك على المسيحية بتهويد القدس، وكذلك بالاتصال المباشر أيضاً مع الكنائس والجمعيات في دول العالم، وكل ما يمكن أنْ ندعم فيه الموقف العربي في القدس.