بقلم :
" فوضى أم خديعة و احتيال "؟!! كبش الفداء هو مصطلح مأخوذ من بعض العادات التي ورد ذكرها في العهد القديم تتلخص بأن بعض القبائل تقوم بتقديم كبش تحمله كل خطاياها و تدفع به إلى البراري ضمن طقوس معينة و لعل أبرز حادثة هي الكبش الذي افتدى به الله سبحانه و تعالى سيدنا إسماعيل (" وَفَدَيْناهُ بِذَبْحٍ عَظِيْم "), و أصبحت سنته ملازمة للمسلمين كل سنة فدوا أضحية أما في الوقت الحاضر فيتم البحث عن كبش فداء عندها بشكل عشوائي أو منظم عندما تحصل جريرة شنيعة أو خطأ فادح ليتحمل مسؤولية القانونية و الأخلاقية و تطوير العادة بأن تتجاوز الخطايا وسفك الدماء و السطو و الاختلاس والاحتلال . كيف يصبح الأفراد والجماعات ضحية لغيرهم : 1. وجود جهات تمثيل في العادة لتبرير اعتدائهم أو شعورهم بالأضحية في كبش فداء. 2. الذين يتم اختيارهم أكباش فداء يجب أن لا يكون بمقدورهم الدفاع عن أنفسهم و أن الاستسلام صفة ملازمة لهم. 3. عند تعثر اختيار أكباش الفداء لسبب أو لآخر يتم التحول إلى كبش فداء آخر سهل المنال. 4. يجب أن يكون لكبش الفداء صفات مثل أن يكون سليماً و سميناً. الأزمة المالية : يواجه الاقتصاد الأمريكي أضخم أزمة مالية منذ الكساد العظيم عام ( 1929 ) وكانت قيمة الدولارات قد وصلت في تلك الفترة "صفرا" على مدى سنتين ،استمرت معاناة الشعب الأمريكي لمدة سبع سنين، نتيجة سياسات خاطئة كان قد أوضحها الرئيس الأمريكي هاري ترومان بعبارته المشهورة " إن المعضلة تقف هنا " و قد قصد بذلك عتبة البيت الأبيض ، وقد وضع الرئيس الأمريكي ( روز فلت ) خطته المشهورة باسم " ذا نيو ديل " ذات أبعاد اجتماعية واقتصادية والتي تختلف عن الخطة الحالية ( العلاج المؤقت ) ، و في ظل الغرور و الغطرسة و ثقة مفرطة بالنفس لم تكن الإسعافات مجدية لأن البنية التحتية الأمريكية متصدعة و العجز الشديد في الميزانية و تزايد الأزمات العسكرية الخارجية واقتصاد متهور يقوده رئيس متطرف ومساعدون متعصبون ، فالدُّين العام الأمريكي مرعب وضخم فقد قفز هذا الدُّين إلى 10 تريليون دولار فيما تبلغ الأصول والدخل القومي 15 تريليون دولار . فوضى: أكد كنت كونراد رئيس لجنة المؤازرة عن الحزب الديمقراطي أن الرئيس الأمريكي بوش قد ورث فوضى هائلة ومدمرة إلى الرئيس لمقبل نتيجة سياساته الخاطئة في الامسؤولية المالية التي مارسها طيلة حكمه. وقد حمل الرئيس الروسي ديمتري مدنديف واشنطن بأنها سبب في الأزمة المالية موضحا أن عدم تطابق دور الولايات المتحدة في النظام الاقتصادي العالمي مع قدراتها الحقيقية كان واحدا من الأسباب الرئيسية للازمة ، فبعد الكساد العظيم عام 1929 جرى النظر في أسباب الكارثة وكان الرأي قد استقر مع أن سببها " الحرية الفوضوية " وانعدام الخلق والضمير في البورصة وأسواق المال الأمريكية ، فكان العلاج وضع قيود صارمة على حركة المال و التداول واستمرت حتى عهد ( ريجان ) الذي وضع سياسة تحرير السوق وعادت بمقتضاها الفوضى وانعدام الضمير للأسواق المالية الأمريكية فحدث الانهيار المالي الكبير، فقد فتحت الشرطة الفدرالية تحقيقاً موسعاً عن الفساد في الشركات الأمريكية الكبرى المتعثرة ليسجل التحقيق 36 شركة في " وول ستريت و بورصة نيويورك " . خديعة واحتيال: حسب رأي الخبير الاقتصادي لمنطقة الخليج ناصر المنصوري أن الأزمة المالية ما هي إلا خدعة أمريكية عن بكرة أبيها غايتها امتصاص السيولة خصوصا في منطقة الخليج في ظل ارتفاع عوائده و فوائده التي تجاوزت 2 تريليون دولار غير أن الرئيس الأمريكي جورج بوش قد المح إلى أن هناك مؤامرة حيال الانهيار المالي الأمريكي تقيمه ولكن بعض المواقع الالكترونية و منها موقع جيف رينس قد نشر خبراَ مفاده بأن مصرف " ليمن برذرز " قد هرب 400 مليار دولار إلى إسرائيل قبل أيام من إعلان إفلاسه وهذا المصرف كان قد أسسه مجموعة من اليهود المهاجرين من ألمانيا عام 1850، و أن هناك أيضا ثلاثة يهود أمريكيين قد هربوا أموالهم إلى إسرائيل للاحتماء من المقاضاة القانونية . حرب خفيــــــة: في كلمته التي ألقاها في 25-10-2008 قال الملك عبد الله بن عبد العزيز اعتقد أن العام الآن في حرب خفية؛ حرب اقتصادية.. وفي موضع آخر عاد " أن الخليج يتابع مسيرته، لكنه مستهدف !!!". وقد أكد محللون اقتصاديون أن أسباب الأزمة المالية الأمريكية وتداعياتها جاءت نتيجة مؤامرة مالية قذرة مفتعلة بقصد الاستحواذ على ترليونات الدولارات لتخليص ديونه المتراكمة . ويبين وزير الخارجية السعودي سعود الفيصل بأنه لا توجد منطقة في العالم لم تتأثر بمضاعفات أزمة الائتمان وعبر عن خشيته من حدوث ركود عالمي إذا اتخذت الدول المتقدمة إجراءات تحد من حري التجارة. كبش الفداء..."أزمة أم مؤامرة !!! " يرى مراقبون أن الإدارة الأمريكية اتبعت سياسة "التفليس" من خلال تعاملها مع المؤسسات المالية المنهارة مثل ( ليير ستينز ، و ليمان برذرز ، و فولد مان ساكس ، و أي آي جي ). و جاءت مخاوف السياسيون العرب بأن الأزمة تستهدف دول فيما يسمى "صناديق الثروة السيادية" في المؤسسات المالية الأمريكية المنهارة ويعزز هذه المخاوف سياسة التفليس المدعومة رسميا وقانونيا إذ يعتبر النظام الذي يحمي الشركات الأمريكية من الدائنين و المقرضين و الملاك بعد إعلان الشركة إفلاسها سببا في تشجيع سياسة التفليس مع استمرارها في العمل وهذا يعني أن الشركة محمية ماليا أمام الجهات القضائية!!. وعقب اندلاع الأزمة المالية الأمريكية انتشرت تقارير خبراء اقتصاديون عرب في الصحافة وعلى المواقع الالكترونية تفيد بوجود خطة أمريكية محكمة تستهدف الشركات الأمريكية بما يسمى " التفليس العمدي أو المقصود " خاصة تلك التي تتمركز فيها الاستثمارات النفطية العربية و الآسيوية بفرض ابتلاع هذه الأموال؛ لعقود طويلة يرتبط الاقتصاد العربي بالغرب و تسخر الأموال العربية لدعم السياسات و الاقتصاد الغربي في وقت لا يستطيع المستثمر العربي أن يطالب المصرفيين و المستثمرون الغربيين بوضع ضوابط وآليات تجنب الأموال العربية المخاطرة من قمار وربى فإلى متى؟؟ ؛ وبحسب معهد التمويل الدولي فإن مجلس التعاون الخليجي كان قد استثمر في أصول أجنبية في أوروبا وأمريكا في السنوات الخمس الماضية في حدود 350 مليار دولار منها 300 مليار دولار في الولايات المتحدة وتشير بعض التقديرات إلى خسارة بلغت 20 مليار دولار تقريبا وقد تأثرت أسواق المال الخليجية بشكل فادح ، فقد خسرت 20% من قيمتها أي نحو 200 مليار دولار في شهر أكتوبر من هذا العام بينما خسرت في أيلول 17% من قيمتها كما يتوقع أن تُخفض الأزمة المالية من قيمة الاستثمارات الخليجية وبحسب بعض الخبراء قد تكون خسرت مئات المليارات من الدولارات حتى الآن ، وفيما تبحث الإدارة الأمريكية عن كبش فداء تسرف في التباكي أمام العالم على مؤسساتها المالية المنهارة. يؤكد خبراء اقتصاديون أن السياسة الأمريكية تفتعل تصفير ترليونات الدولارات من أموال المؤسسات والحكومات والصناديق السيادية في العالم وهم المستثمرون في المؤسسات الأمريكية والصين واليابان ودول الخليج العربي وسنغافورة وكوريا الجنوبية وغيرها.....!!! و تطال 2،5 تريليون دولار أخرى في صناديق السيادة الآسيوية و اللاتينية لدول الصين واليابان و سنغافورة و البرازيل وكوريا الجنوبية وهناك تكهنات تفيد بخسارة الصناديق السيادية الخليجية بمليارات الدولارات. وبما أن هذه الأموال المستثمرة في المؤسسات المالية الأمريكية تعتبر ديون على الاقتصاد الأمريكي ، وان الدول المستثمرة تأمل بعودة هذه الأموال وأرباحها الخيالية ولكن هذا لم يحدث ولن يحدث لأن صاحب القرار السياسي الأمريكي لا يرغب بذلك لأن هناك مخاطر لا يحتمل سحب هذه الأموال ولا حتى دفع أرباحها الباهظة للخارج وأضافت بعض التقارير بأن هناك أهداف سياسية أخرى تتعلق بإنقاذ الإمبراطورية الرأسمالية الأمريكية من الانهيار و الإفلاس الاقتصادي والسياسي معا. وقد وصف اقتصاديون سياسة التصفير بـ (الخبث القذر) القاضي بإسقاط الديون الأمريكية بشكل يستجدي الشفقة بدعوة الاحتواء بخطة محكمة شعارها السرقة أو التضحية بالكبش بالكم الهائل من الديون التي تعتبر معدومة لأن الفصل الحادي عشر من قانون الاستثمار الأمريكي الذي يحمي المؤسسات المفلسة من الدائنين ولا يترتب أي حقوق لأصحاب الإيداعات على من يشترون و يستثمرون في المؤسسات المنهارة تكون جميع الترليونات الأجنبية التي دخلت في المؤسسات المالية الأمريكية قد ذهبت في مهب الريح لأن قيمتها أصبحت صفرا ، وبمعنى أن الأموال الخليجية قد أصبحت عدما ولا سبيل لإعادتها و التي أودعت ضناً من أصحابها بقوة الاقتصاد الأمريكي . أسباب الأزمة : و المُتتبع للأمور التاريخية يجد أن مصير الإمبراطوريات متعلق بين عاملي الحرب والديون فالإمبراطورية البريطانية تهاوت قدراتها المالية بعد الحرب العالمية الأولى. والاتحاد السوفيتي انهار تحت وطأت الهزيمة العسكرية في أفغانستان والتكاليف الباهظة لسباق التسلح مع الولايات المتحدة الأمريكية وبما يسمى بحرب النجوم. أما الولايات المتحدة الأمريكية فقد أطلقت الفاتورة المالية في العراق إذ يمكن أن تكلف نظامها المالي إذ أعلن عن إفلاس مؤسسات مالية مهمة من أهمها " مصرف ليهمان برذرس 1000 بليون دولار (1 تريليون دولار ) كلفة الحرب على العراق ؛ إذ أن الحرب على العراق يذكر بالقرار الكارثي المدمر على النظام الفرنسي القديم بتمويل حملة الجنرال لافايت أثناء الثورة الأمريكية ؛؛ قرار تشابه تماما مع قرار بوش باحتلال العراق.... وسواءً كانت الأزمة المالية مفتعلة أم حقيقية فإن هذه الأزمة يعد من أسبابها الرئيسية احتلال العراق والتكلفة الباهظة التي تحملتها الخزينة الأمريكية. قال الفيلسوف البريطاني ( جون غراي ) إن عصر الهيمنة الأمريكية قد ولى إلى غير رجعة وان الزلزال الذي ضرب أسواق المال الأمريكية هو إعلان نهاية الإمبراطورية و أضاف إن أمريكا اليوم تترنح في مشهد يذكر بما كان عليه الاتحاد السوفييتي عشية انهيار جدار برلين !!! وفي كتاب جديد لمؤلفه جوزيف ستيغليتز بين أن تكلفة حرب العراق قد وصلت إلى 12 مليار دولار شهريا بدخول الحرب عام 2008 عامها السادس للتضاعف 3 مرات عن الأعوام السابقة وتبعا لتقرير جديد للجنة الاقتصادية في الكونغرس إن التكلفة الاقتصادية لحربي العراق وأفغانستان نحو 1.6 تريليون دولار وهذا المبلغ يعد ضعفي ما طلبه البيت الأبيض وهذا يعني أن تكلفة الحرب على أسرة أمريكية مكونة من أربعة أفراد هو 20900 دولار ..!! حرب العراق هي الفاتورة المباشرة للازمة المالية الأمريكية ، تذكرنا الأزمة بمقولة فوكو ياما صاحب نظرية " نهاية التاريخ " أو نهاية العالم بوصول الرأسمالية لمرحلة الكمال بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية ، غير انه سرعان ما غير بوصلة نظريته ففي تصريح له في مجلة نيويورك الأسبوعية رأى فيه أن رأسمالية رعاة البقر تهدد بجر العالم إلى الهاوية ، و أن الولايات المتحدة الأمريكية استغلت الديمقراطية لتبرير حربها على العراق وان كلمة الديمقراطية هي السر لتغيير أنظمة الحكم في الشرق الأوسط و التدخل العسكري فيها و حماية الأنظمة غير الديمقراطية. و يجري دعم العملية وفق نظام الائتمان أي بالاستدانة و الإقراض لعدم وجود فائض نقدي في الخزانة الأمريكية ؛ المطلوب عملة خليجية موحدة و تفعيل النظام المصرفي الإسلامي ولا تستطيع دول الخليج العربي تحقيق شيئاً من هذا إلا إذا تحرروا من تلك الهيمنة الأمريكية و الاعتماد على الدولار في تغطية العملات المحلية الخليجية وأن لا تقف دول الخليج بثقلها الاقتصادي و تدع ما يسمى بمجموعة ( الـ 20 ) التي كانت قد تأسست في العاصمة الألمانية برلين عام 1999 في أعقاب الأزمة الألمانية التي ضربت دول شرق آسيا في اجتماعها المقرر في منتصف هذا الشهر في الولايات المتحدة الأمريكية للبحث في مصير ألازمة المالية وان لا يكون حضور العرب من اجل التبرع و الدفع السخي و تحمل أوزار الرأسمالية غير المنضبطة دونما مشاركة فاعلة في صنع القرار المالي و الاقتصاد العالمي!!!. الأزمة والنظام الإسلامي: المشكلة الرئيسية المتعلقة بالربا والسياسات الاقتصادية " خلق النفوذ " الوهمية و الائتمان غير الواقعي وتنامي النزعة الاستهلاكية والبحث عن الربح الحرام بينما يقف المسلمون عاجزون عن تقديم البديل الإسلامي في اللحظة الراهنة بسبب حالة الضعف السياسي والاقتصادي و الثقافي والفكري الإسلامي رسميا بإتباع المنهج العلماني في إدارة الدولة و منها الشؤون المالية و الاقتصادية و انعكاس ذلك شعبياً ، و من المفارقات الصارخة أن ترمى تريليونات الدولارات من الاستثمارات العربية في محرقة الرأسمالية الغربية بينما نرى أطفال المسلمين تنتفخ بطونهم جوعاً و من يموت منهم يومياً بالعشرات ، ونرى مجتمعات لإسلامية يلفها الفقر و الجوع و العوز و تحرم من هذه الثروات المهدورة. إن إتباع الاقتصاد الإسلامي المستمد من الكتاب السماوي " القرآن الكريم " أمان من الأزمات وابتعاد عن الربا ، قال تعالى " وأُحل الله البيع و حرم الربا " سورة البقرة / 275 ؛ والنظام المصرفي الإسلامي ثبت جدارته بتزايد عدد غير المسلمين الذين يرو فيها مكان آمن لأموالهم و هم في تزايد إذ يوجد نحو 36 بنك و مؤسسة إسلامية في الولايات المتحدة وحدها و 20 منها في الدول الأوروبية ؛ و إذا علمنا انه نحو 300 بنك إسلامي في العالم الآن تقدر موجوداتها بنحو 700 مليار دولار ، وهذا يعطي قوة للمستثمر العربي بوجود بدائل استثمارية ووضعهم في موقع قوي وليس ضعيف و قد حرم المفكر الإسلامي " محمد عمارة " الاستثمار الإسلامي في المؤسسات الربوية ومنها الغربية أين العرب و أين دورهم في حماية ثروتهم التي أصبحت في مهب الريح !! وليعلم العرب أن الاعتماد على الورقة الخضراء ليست إلا مقامرة ومغامرة في ظل معطيات معروفة سلفاً نتائجها فيا أيها العرب عليكم بالذهب !! ولتكن هذه االازمه درساً كما قال الرسول الكريم " لا يلدغ المؤمن من جحر مرتين " فلا تكونوا كبش فداء لغيركم.