18-01-2018 01:31 PM
بقلم : المهندس وصفي عبيدات
كباقي ابناء كفرسوم عشنا في أسر ريفية متقاربةالمستوى المعيشي تعلمنا فيها معنى الحياة ومعنى السعادة الحقيقية التي كانت نتيجة حتمية لتقارب الظروف العامة والعلاقات الطيبية التي كانت تربط العائلات الكفرسومية حين ذاك .
ولدنا وترعرعنا على مصطلحات ومفردات مغايرة تماما لم تعلم عليه جيل اليوم وما بين الجيلين ، ولدنا فكانت قائمة المصطلحات تحاكي واقع الحال ، عرفنا المنجل والشمال ، القادم والغمار ، المد والصاع والثمنية ، التبريكة والتعيش ،عرفنا الكوارة والتبان ، القمح والشعير والعدس والكرسنة ، زراعة العفير وزراعة الري ، فرن الطابون وما يلحق به من الزبلة والجلّة ، السهل والحلاّن والوعر، الصحره " فيها تزرع كلّ مونة البيت ، الباميا البندورة الخيار الفجل الجرجير البطيخ والشمام وكل الخضار " ، عرفنا الحلال والبقر والحمير .
كانت المواسم تباعاً فكل ايام العام عمل فبعد الزراعة حصاد وبعد الحصاد الزراعة الصيفي وبعدها الرمان وآخر المواسم الزيتون المبارك من فوق سبع سموات .
كنّا نفرح اذا اشترى لنا الأهل كندرة بلاستيك بداية العام الدراسي وكانت الأمهات تخيط شقوقها حتى لا يبقى فيها مكان للإبرة ، كان البنطلون في نهاية عمره يصبح كوكتيلاً من الألوان ، القميص يتناوب عليه الاخوة .
اللحم كان للمناسبات ، انارتنا بنورة ولحافنا واحد يتغطى به ثلاثة او أربعة من الاخوان ، اذا اعطاك ابوك خمسة قروش فانت في ذلك اليوم من البرجوازيين .
مع كل هذا كنّا سعداء ، نحب بَعضنا بعضاً ، نعين بَعضنا بعضاً ، كلنّا كنّا مع الحصّاد حصادين ومع الدرّاس دراسيّن ، مع اهل العرس حطّابين وفِي القرا طباخين ، ابناء القرية كلهم يحملون المناسف فرحين فأخٌ لهم يتزوج واخت لهنّٓ الى زوجها تتزين ، كانت الفزعة الحقيقية من قلوب صافية محبة .
نعم كنّا سعداء لا نرى من هو افضل منّا الا الملك ، كنّا اذا لبس احد منّا الجديد نقول والله الملك ما لبس زيك ، اذا استعظمنا عملاً نقول والله الملك ما عملها ، لم يكن أحدٌ يملّي عيوننا غير الملك.
لكن بعد ان أخرجتنا الظروف من قريتنا وبعد ان بدأ الآباء يغادرون الدنيا ، وبعد ان فتحت أبواب التكنولوجيا واختلطنا بغيرنا وأصبحنا نرى السيارات والبدلات والقرفتات ، بدأنا نشعر بضيق الدنيا صرنا نعتقد انّ هناك حياة غير حياتنا ، فكيف ومن أين أتى هؤلاء بهذه الأموال ، وكيف نستطيع ان نعيش مثلهم ، اعتقدنا ان السعادة عندهم فبدأنا نفارق السعادة الحقيقة ركضاً وراء وهم السعادة ،
نعم غزتنا افكارهم وطعنتنا خناجرهم فهجرنا كل شئ ، فلا فلاحة ولا زراعة ولا عونة ولا محبة ولا شئ مما كنّا عليه ، حتى رغيف الخبز اصبحنا نأكله من أيدي العمّال دون ان ندري ما نوع الطحين ولا نظافة العجّان ولا العجين ، اصبح شغلنا الهاتف وقمة طموحنا التقليد .
ظننا ان السعادة في المال فكان وهماً ، ظنناها في السيارة وتكنولوجيا العصر فوجدنا انها وهم ، نبحث عن السعادة في كل زاوية سبقنا اليها الضّالون المضلون ولكن عبثا بحثنا .
نعم لا سعادة الا بعشق الارض لا سعادة الا بالعودة الى المحبة والألفة ، المال ما كان يوماً سعادة ولا السيارة ولا البيت ، لا الكمبيوتر ولا التلفون ولا الآي باد ، فالسعادة الحقيقية هي القناعة والتعايش مع الطبيعة .
نبحث عن السعادة ولن نجدها إلا اذا تواضعنا لما قسمه الله لنا لا لما فرضه علينا الغرب واذنابهم من بني جلدتنا .
1 - |
ترحب "سرايا" بتعليقاتكم الإيجابية في هذه الزاوية ، ونتمنى أن تبتعد تعليقاتكم الكريمة عن الشخصنة لتحقيق الهدف منها وهو التفاعل الهادف مع ما يتم نشره في زاويتكم هذه.
|
18-01-2018 01:31 PM
سرايا |
لا يوجد تعليقات |