23-01-2018 09:54 AM
بقلم : د. عادل محمد القطاونة
إن مسلسل التعديل المستمر، وشبه السنوي للمعدلات الضريبية، أصبح ظاهرة مستفزة للمواطن، للتاجر وللمستثمر؛ فتخفيضها تارة وزيادتها تارة أخرى، أدخل السوق الأردني بمتاهة مالية وضريبية، تسويقية وإدارية؛ حتى أصبحت أسعار بعض السلع والخدمات وكأنها أسهم للتداول في إحدى البورصات العالمية.
العبء الضريبي، الجهد الضريبي، الانعكاس الضريبي، الطاقة الضريبية، الفجوة الضريبية، كلها مفاهيم ذات عمق استراتيجي تستدعي من واضعي السياسات الضريبية دراستها بعمق قبل إصدار أي تعديل ضريبي؛ فالفكر السائد أن رفع المعدلات الضريبية سيؤدي إلى زيادة الإيرادات العامة، وتخفيض عجز الموازنة، فكر تقليدي غير إنتاجي إذا ما تم أخذه كحقيقة مجردة دون أرقام أو دراسات، أو دون أخذ متغيرات السوق ومعدلات النمو والتضخم، السيولة وحركة النقد، الاستيراد والتصدير، متوسط الرواتب للعاملين في القطاع الخاص والعام، وغيرها من المتغيرات ذات الصلة.
منذ سنوات وتماشياً مع برنامج الإصلاح المالي والضريبي فقد تم تعديل المعدلات الضريبية بشكل مستمر؛ وأدى ذلك إلى تشوهات سعرية للعديد من المنتجات والخدمات. ولَم يراعي القائمين على هذه البرامج حقيقة متوسط الرواتب للموظف وهو (455) ديناراً شهرياً حسب آخر الإحصائيات؛ ومدى انعكاس ذلك على معيشة المواطن.
إن قراراً متزناً، عميقاً، مؤيداً بدراسات علمية وعملية، يقضي برفع رواتب العاملين بنسبة لا تقل عن (٢٠٪) من الراتب الأساسي يعتبر من الحكمة الاقتصادية؛ ولكن وفِي ظل عجز الموازنة يصبح هذا الطرح ضرباً من الترف الفكري نظراً لاستحالة تطبيقه؛ فأي طرح لحلول اقتصادية يجب أن لا يكلف خزينة الدولة المرهقة من أخطاء سابقة في التخطيط الاستراتيجي أو من تبعات سياسية لدول شقيقة
من جملة ما يمكن للحكومة القيام به على سبيل المثال، لا الحصر، منح المؤسسات التي تقدم على زيادة رواتب عامليها بالقطاع الخاص إعفاءً بتنزيل الرواتب ضمن كلفة المنتج أو الخدمات لغايات احتساب ضريبة المبيعات، بمعنى أن الشركة تستطيع تنزيل مصاريف الرواتب التي لا تقل عن( ٤٠٠ ) دينار للفرد عند احتسابها لغايات ضريبة المبيعات، وهذا سيشجع المستثمر على زيادة رواتب العاملين لديه مع ربط هذه الرواتب بقانون الضمان الاجتماعي؛ كما يمكن دعم الموظف الحكومي بطريقة غير مباشرة وبشكل أيضاً يساهم في خفض أزمة المواصلات الصباحية من خلال منحه تنقلات بالمجان ما بين الساعة ٥ صباحاً والساعة ٧ صباحاً في باصات النقل العام، مع تنسيق مسبق بين الوزارات المعنية لإيجاد الآلية المثلى للتطبيق؛ تفعيل الدوام المرن في كافة المؤسسات من الساعة ٧ صباحاً وحتى ٥ عصراً؛ تطوير منظومة العمل التكافلي والاجتماعي وصولاً لمنازل بالتقسيط المريح للعاملين في الحكومة والاستفادة من تجربة النقابات المهنية في هذا المجال؛ تطوير المدارس الحكومية بشكل جذري والاستفادة من تجارب المدارس الخاصة وتبادل الخبرات والكفاءات الوطنية وصولاً لمستوى واحد في التعليم الأساسي في كافة المدارس وهذا من شأنه أن يوفر آلاف الدنانير التي يدفعها المواطن كنفقات لتدريس أبناءه؛ كل هذا وغيره من الوسائل والطرق التي يمكن أن تقنع المواطن بأن الحكومة تقف إلى جانبه وأنها تسعى جاهدة للارتقاء بمستوى معيشته.
أخيراً وليس آخراً، فإن إعادة هيكلة القطاع العام بات اليوم حاجة لا مفر منها ودون الحاجة لإنشاء وزارة لتطوير القطاع العام أو ديوان للمظالم!! وتحفيز الموظف غير المنتج لكي يصبح منتج، وإعادة المسميات الوظيفية بشكل يتوافق مع طبيعة العمل؛ وتحديد السلع والخدمات المعفاة من ضريبة المبيعات والخاضعة لنسبة الصفر والمعفاة وحصرها بشكل أكثر احترافاً، وعدم تغييرها لسنوات من أجل تحقيق الاستقرار والازدهار؛ والبحث عن وسائل لزيادة الرواتب بشكل مباشر أو غير مباشر وصولاً لحكومة واثقة ومواطنة صادقة.