حرية سقفها السماء

وكالة سرايا الإخبارية

إبحــث في ســــرايا
الإثنين ,23 ديسمبر, 2024 م
طباعة
  • المشاهدات: 10681

وسط البلد بين الأمس واليوم!

وسط البلد بين الأمس واليوم!

وسط البلد بين الأمس واليوم!

29-01-2018 10:56 AM

تعديل حجم الخط:

بقلم : أ.د رشيد عبّاس
قبل أن أنقلكم من مشهد أيام زمان إلى مشهد هذه الأيام لموقع اسمه (وسط البلد), ارجون أن يسمح لي الجيل الجديد بتحديد منطقة وسط البلد,..وسط البلد يا ساده يا كرام اسم يطلق على قلب العاصمة عمان, عاصمة المملكة الأردنية الهاشمية, ويرتبط وسط البلد بشارع معروف لدى الجميع اسمه شارع الملك طلال وتفرعاته القديمة التي يحتضنها ويطل عليها جبل القلعة وجبل الجوفة وجبل عمان وغيرهما من الجبال والتلال, كان في وسط البلد حركة تجارية قوية جدا ملفته للنظر, وكانت شوارع ومباني وسط البلد المعروفة بدلالاتها التاريخية تعجُ بالبضائع والسلع, وكانت تزدحم بالتّجار البائعين والشاريين من جميع مناطق المملكة, أو ربما من خارج حدود المملكة.
كنت كغيري من رواد وسط البلد شهريا دون انقطاع وبشكل مستمر لشراء (مجلة العربي) بالتحديد التي كنتُ أتابع عن كثب صدور أعدادها الشهرية القديمة الرائعة والتي كانت تصدر بالكويت, كنت بصراحة استمتع بالوقوف والتوقف أمام المحال والأسواق القديمة, وأرصفة بيع الكتب القيّمة, ودور السينما العتيقة, والمقاهي المنتشرة في الطوابق العليا من الأبنية, تلك المقاهي بأضوائها المتقدّة، وتظلل بلكوناتها المعلقة تُظلل الجزء القريب من أرصفة الشوارع، كان يجلس على مثل هذه البلاكين المنحوتة باستدارة هندسية لافتة كان يجلس كبار السن للعب أوراق الشدة واحتساء الشاي العجمي, نعم كنت كغيري من عشاق السير ماشيا بوسط البلد لأتوقف على أبواب السينمات تارة وعلى أرصفة بيع الكتب تارة أخرى, كان بحق وسط البلد جميلا, حيث المطاعم البسيطة, وبسطات الملابس الأوروبية, وزوايا ماسحو الأحذية, وحيث الوجوه المارة الجميلة واللهجات المتنوعة من جميع أرجاء الوطن,..من الشمال إلى الجنوب.
قبل أيام وبعد أن تعديتُ مرحلة الشباب, وبشكل مفاجئ أحببتُ أن أعيد ذكريات المكان بعد انقطاع طويل عن (وسط البلد),..قررتُ أن اذهب إلى وسط البلد من خلال المواصلات وبالتحديد بالسرفيس, لإعادة ذاكرة الشباب, وتذّكر الحركة التجارية القوية جدا في مثل هذا الوسط (وسط البلد), ..اسمحوا لي هنا أن أتحدث بكل موضوعية عن مشهد محزن للغاية ومتعلق بأصحاب المحال والأسواق التجارية في وسط البلد, مشهد محزن مقارنة بانطباع ذاكرة الماضي القديم عن تلك الأيام,..لم يكن المكان كما كان سابقا, كل شيء قد تغير, حتى وجه وسط البلد فقد تغير, لم يعد هذا الوجه مبتسما, ولم يعد المارة يفتلوا (يقسدروا) ببطء في هذا الوسط, ولم تعد تواجه الوجوه أكثر من مرة فيه,..الوجوه فيه مسرعة كغزلان هاربة وباتجاه واحد وتغيب مباشرة بعد لمحها.
نعم قبل أيام كنت في(وسط البلد), وجدتُ كل شيء قد تغير, وأكثر ما شدني هناك هو أن الحركة التجارية شبه معطلة, وجدتُ البضائع والسلع مرتمية, ووجدتُ التّجار البائعين والشاريين شبه نائمين,..هذا يضع يده على خده, وذاك يغمض نصف عينيه, وآخرون يتفحصوا المارة وكأنهم يتحدثوا مع المارة ويقولوا لهم أن الوضع التجاري نائم, وجدت أصحاب بيع الكتب قد تقوّست ظهورهم, ووجدتُ دور السينما قد تحولت إلى مخازن للبالات الأجنبية القديمة, وجدتُ المقاهي قد أصبحت سكنا لعمال الباطون, ينشروا لباسهم الأسمنتي على بلاكين تلك المقاهي التي كان يخرج منها سحابة دخان النارجيلة بطعم الخوخ الدمشقي, وأكثر من ذلك لم يعد صوت أم كلثوم (رباعية الخيام) الذي كان يخرج من راديو ماسح الأحذية على احد أرصفة وسط البلد لم يعد مسموعا.
وجدتُ نافورة الماء لساحة المسجد الحسيني في وسط البلد والتي كنا نشرب منها الماء العذب وجدتها قد غابت للأسف, وغاب معها صوت شيخ القرّاء محمود خليل الحصري الذي كان صوته الجميل يخرج من أبواب هذا المسجد الوقور المطّلة على الساحة مرتلا سورة (الكوثر), وأكثر من ذلك لم يعد الناس (المتبطحين) صيفا في أروقة هذا المسجد بعد أو قبل الصلاة لم يعد متواجدين فقد غابوا, وأكثر أكثر من ذلك أقول لقد غابت زقزقات عصافير (الدويري) من زوايا سقف هذا المسجد والتي كانت تطل على المصلين خمس أوقات دون استئذان.
لمشهد وسط البلد وجهان, الأول ضعف الحركة التجارية من محال وأسواق شوارعه, بعدما كان هذا الوسط يتمتع بحركة تجارية قوية وقوية جدا, أما الوجه الثاني, فبعدما كان الناس يشتروا بكثرة وشغف دون عمل حساب لأي شيء, حيث كثرة السلع والبضائع وتوفر السيولة المادية, فقد أصبح هؤلاء الناس يقننوا مشترياتهم حيث قلة السلع والبضائع وعدم توفر السيولة المادية, بقي أن نقول: نتمنى أن يعود وسط البلد كما كان سابقا بمحاله وأسواقه وناسه, ونتمنى أن تعود السلع والبضائع والسيولة المادية كما كانت عليه سابقا, ونتمنى أيضا أن يتسوق(يتبضع) الناس بقدر دون إسراف أو تبذير, فالكيلو اخو الرطل, والوقية أخت الكيلو, والربطة جارت الحزمة, نعم مؤشرات هذا التقنين قد بدأت ظاهرة على ارض الواقع, كيف لا ووجه وسط البلد قد تغير, ووجوه الناس كذلك.















طباعة
  • المشاهدات: 10681
لا يمكنك التصويت او مشاهدة النتائج

الأكثر مشاهدة خلال اليوم

إقرأ أيـضـاَ

أخبار فنية

رياضـة

منوعات من العالم