18-01-2011 05:02 PM
أصبح الذهاب إلى قاعة مراقبة التوجيهي أمرا مملا وسمجا، ومعروفة هي الدقائق التي نقضيها في قاعة التوجيهي ما الذي يحدث فيها، فجيوب الطلبة تمتلئ بالقصاصات و(البرشامات)، ولا يجرؤ أحد على القيام بتفتيشهم أو حتى الاعتراض عليهم، فأنت ستلاحق باللعنات والمسبات ، بل وربما بالمقذوفات إن تجرأت على الاعتراض على هذا الوضع المخزي، بل إن بعض زملائك سيطلبون منك عدم تكليف نفسك مجرد التعب في هذا الأمر، والعديد من رؤساء القاعات في التوجيهي هم الذين يتدخلون لحماية الطلبة والإبقاء على هذا الوضع، بل والطلب منك أن تقوم بــ (التخفيف شوي).
يبدأ اليوم الأول من مراقبة التوجيهي قويا يحمل نفسا عنفوانيا ، فالكل في حالة تأهب ، والطلاب يتسمون بداية بالخجل والتردد، يقيسون أمزجة المراقبين ، ويختبرون درجة (حرارة الجو)، ثم تبدأ الجرأة والتحدي ترتفع وتيرتها تدريجيا، حيث يعتبر الطلاب الغش أمرا طبيعيا وحقا من حقوقهم يمارسونه، بل ويعتبرونه من باب الفهلوة والبطولة والشطارة، أو هو من باب مساعدة الآخرين حين يحتاجونك، وإلا فستكون أنانيا قليل الوجدان ! ،
وأمام هذه النظرة ليس لك أيها المراقب التدخل ، وإلا فإنك ستعتبر عدوا واقفا ومعترضا سبيل مستقبله ونجاحه، وأمام هذا الطوفان الهائل من الرغبة الجامحة في الغش، والتخجيل أحيانا من قبل بعض رؤساء القاعات (فهم أولادنا أولا وأخيرا ، ونحن كنا مثلهم في يوم من الأيام، وقد أكل أهلوهم وجوهنا).. لا تملك إلا أن تلقي بأسلحتك أنت أيضا وتضع رأسك بين الرؤوس وتقول في نفسك: هل أنا الوحيد الذي سيقيم الدين في مالطا؟؟! هل مسؤولية إصلاح الكون تقع على عاتقي ؟ رؤساء القاعات يراقبون الشخصيات التي تأتي من المديرية أو الوزارة، أو يكلفون أحدا بالمراقبة، فما إن تطأ قدم أحدهم داخل المدرسة للاطلاع على سير الاختبار حتى يعمم الأمر على الجميع بضرورة الظهور بمظهر الحزم ، والوقوف جيدا ، والإيعاز للطلبة أن (احترموا الظرف قليلا!) ، ويكمل هذا القادم زيارته الباردة الباهتة الجافة، التي لا تسمن ولا تغني من جوع، ولا تفرح صديقا ولا تنكأ عدوا، ثم يغادر كما جاء، فيعود الجميع إلى سيرتهم الأولى.
لابد يا وزارة التربية من دق ناقوس الخطر، فيعلم الجميع ما للغش من آثار سيئة على المجتمع في المستقبل، فهو يقضي على مصداقية الامتحان ويحرم الجهة التربوية أو التعليمية من فرصة تقييم الطالب تقييماً عادلاً ومنصفاً، إلى جانب مخاطر شيوع الغش الامتحاني على صعيد المجتمع، إذ تسود لدى الطالب قناعة بأنه قد يستطيع تجاوز كل العقبات التي تقف في طريقه عبر الغش، كما تسود لديه مشاعر اللامبالاة بالدراسة والتحصيل العلمي، لأنه سيتمكن من النجاح عبر الغش ، كما يساهم في إخراج أجيال جاهلة ومزيفة تمتهن شتى المهن دون التمرس بها، فيظهر بيننا الأطباء الجهلة، والمهندسون ذوو الكفاءات الضحلة، وأنصاف المتعلمين وأشباه المثقفين!
يجب أن تقوم وزارة التربية والتعليم - إن أرادات تعديل المسار الحالي لمراقبة التوجيهي ومنع الغش – بإدخال آليات جديدة والبحث عن وسائل وطرق أخرى لضبط حالات الغش وإشاعة مبدأ الاعتماد على الذات وتحمل المسؤولية ، ومن هذا المنطلق أقترح قيام وزارة التربية بإدخال كاميرات مراقبة داخل قاعات التوجيهي، وهو اقتراح لا أعلم مدى إمكانية تحقيقه، أو أي وسيلة أخرى قد يتحفنا بها خبراء التربية ومستشاروها وما أكثرهم! فالأمر وصل حدا لم يعد بالإمكان السكوت عليه ، بل أصبح من الغريب أن نرى طالبا يعتمد اعتمادا كليا على قدراته الذاتية دون اللجوء إلى الغش والنقل من غيره أو من هذه القصاصات الورقية. فهل آن أوان التغيير يا وزير التربية والتعليم؟
1 - |
ترحب "سرايا" بتعليقاتكم الإيجابية في هذه الزاوية ، ونتمنى أن تبتعد تعليقاتكم الكريمة عن الشخصنة لتحقيق الهدف منها وهو التفاعل الهادف مع ما يتم نشره في زاويتكم هذه.
|
18-01-2011 05:02 PM
سرايا |
لا يوجد تعليقات |