04-02-2018 01:53 PM
بقلم : د. إبراهيم بدران
يبدو أن القناعة لم تتوفر بعد ”للإدارات المتعاقبة“، وأن المبالغة في الانفتاح التجاري، وفتح جميع الابواب لاستيراد كل شيء واي شيء، من شأنه أن يسارع في إضعاف الاقتصاد الوطني، ومن شأنه أن يجعله ً عاجزا عن توليد فرص عمل جديدة؛ وهذا ما انزلقت فيه اليونان مع بداية القرن، واحتاجت 10 سنوات للخروج الأولي من أزمتها. وتنبه منظمة العمل الدولية بأن البطالة و التي وصلت 5.18% مرشحة للإرتفاع في الأردن في حين أن المطلوب 100 الف فرصة عمل سنويا.
وكما يعترف بذلك صندوق النقد الدولي حين يقول مديره في الشرق الأوسط أن النمو الاقتصادي العربي ليس كافيا لخلق فرص العمل المطلوبة.
كيف ستنشأ فرص العمل اذا كان الاقتصاد ينمو بمعدلات ادنى من النمو السكاني؟ واذا كان كل شيء يتم استيراده ً جاهزا؟ و جزء كبير منه معفى من الجمارك بموجب اتفاقيات التجارة الحرة غير المتكافئة التي تم عقدها في السنوات الماضية ؟، في حين تفرض الضرائب والرسوم على مدخلات الإنتاج للصناعة و الزراعة الوطنية؟ المفارقة الملفتة للنظر، أن الملك يضع ”المسألة الإقتصادية“ في قمة أولوياته، والحكومات تضع ”المسألة المالية وليس الإقتصادية“ في قمة أولوياتها.
كيف الاقتصاد والتصنيع... الأحزاب والديموقراطية
ستحل الدولة مشكلاتها المالية دون اقتصاد صناعي انتاجي متقدم؟ كيف سيتمكن المواطن من مواجهة تكاليف المعيشة المتصاعدة سنة بعد سنة نتيجة للضرائب التي تفرضها الحكومة، من دون اقتصاد إنتاجي يرفع من دخله و يوفر له فرصة عمل؟ حتى المساعدات فلا يمكنها أن تغطي سوى جزء محدود من الاحتياجات؛
وهذا يعني أن الحكومات دخلت ”مرحلة ألإدمان الإقتراضي“.
إذ إنها تداوي مشكلاتها المالية بالإقتراض الذي أصبح حالة ذهنية و نفسية تسيطر على تفكير الإدارات و توجهاتها. والإقتراض بعيدا عن الإقتصاد الإنتاجي يؤدي إلى مزيد من الإقتراض والذي يصبح تلقائيا مع المساعدات أكبر المنبهات لإبعاد المستثمر و إخافته من المغامرة برأس ماله في ”بيئة الإدمان الإقتراضي“.
إن النظم الضريبية في المنطقة العربية غير عادلة.
ومن جانب آخر فإن الانتقال إلى الدولة المدنية التي يشارك الناس فيها في صنع القرار والخروج من الحكومة ” الفردانية ” التي تتكون من أفراد قائمين بذواتهم المحترمة وليس الفريق الذي يحمل برنا ً مجا ً سياسيا ً واقتصاديا واجتماعيا ً محددا، هذا الخروج من هذا النوع من الحكومات لا يمكن أن يتحقق دون ديمقراطية حقيقية عمودها الفقري الأحزاب الوطنية والقوى السياسية والاجتماعية المساندة لها.
إن ”العمود الفقري للدولة الحديثة يتمثل في اقتصاد قوي متنام، ونظام سياسي ديمقراطي يحفظ للمجتمع تماسكه، ويعبر عن امكاناته وطموحاته“
. وكل التفاف على هذين المحورين هو إضاعة للوقت واستنزاف للإمكانات وبيئة خصبة للاحباط والتراجع؛ فالمساعدات تضغط باتجاه مزيد من الانفتاح التجاري على حساب المنتج والعامل الوطني، أي تفكيك الاقتصاد، والمساعدات تضغط باتجاه القبول السياسي بمواقف الآخرين، و كما أشار الملك إلى ذلك صراحة في مسألة القدس.
إن الاقتصاد القائم على الريعية والاستيراد والانفراط بالإقتراض والمعونات، يعمل على تفكيك المجتمع، وتخفيض الولاء للوطن، وعدم الاكتراث واللامبالاة، و توليد الثروة لقلة من الناس على حساب الطبقة الوسطى و المحدودة الدخل.
في حين أن الاقتصاد القائم على التصنيع هو الذي يجعل التغيير الاجتماعي ضرورة ً وقابلا للتنفيذ؛
لأن الجميع شركاء في الوطن و صنع مستقبله: العامل وصاحب العمل والدولة والممول والمصنع والجامعة والمدرسة ومنظمة المجتمع المدني.
وهذا من شأنه أن يجعل الأحزاب ضرورة والديمقراطية مصلحة مشتركة للجميع.
إن امكانات الدولة الأردنية كبيرة بما لديها من رأس مال بشري وخبرات متنوعة، وحشود من الشباب الطموح، وبما يتمتع به الأردنيون من ولاء لدولتهم، وجدية في العمل، وخاصة حين يرون القدوة والنموذج والمثال في القيادات الحكومية العليا.
فمتى يتم استثمار هذه الامكانات بالاتجاه الصحيح، والإرادة الصادقة