07-02-2018 09:26 AM
بقلم : المهندس وصفي عبيدات
لقد فقدت الأعراس رونقها وجمالها ، ففي الماضي كان للعرس بهجة وطقوس خاصة تبدأ من أسبوعين او ثلاثة قبل يوم الزفة ، حيث تبدأ النساء من أهل العريس وأهل العروس بغسل الصوف وتنجيد فرشات ومخدات الاسرة الجديد يصاحب ذلك أهازيج وأغاني جميلة لا يسع سامعها الا ان يقف مسترقا السمع طربا للأصوات الجميلة التي تملئ فضاء المكان ، أكل بسيط مع الشاي المصنوع على الحطب ، خفة دم ورواق مزاج ، فرحة عفوية تسيطر على الأجواء ، رغم صعوبة العمل ، فيكفي تلك المعاناة التي كانت تواجهها النساء في نزع الشوك من الصوف ، يبقى العمل على وتيرة عالية حتى تغرب الشمس ، فترجع النساء الى القرية بالأهازيج والفرح وكانهنّ لم يبذلنّ جهدا ، في اليوم التالي تجتمع النساء ثانية ليذهبنّ للم الحطب من الوديان والسهول لياتين في المساء وقد حملت كل واحدة منهنّ بحمل كبير على رأسها او ظهرها ، وتخيلوا كم كان هذا العمل شاق ومتعب الا ان المتعة كانت ترتسم على وجوه المشاركات ووجوه المستقبلين والمستقبلات الذين كانوا يستقبلون حاملات الحطب بالغناء والزغاريد ، حقاً لقد كانت اجواء فرح حقيقية يسعد بها الصغير والكبير .
ثم وقبل يوم العرس " الزفة " بأسبوع تبدأ التعاليل بمشاركة جميع أهل القرية ، كانت حلقات الدبكة وتكاتف أيدي الجميع فيها تعبر عن الانسجام والأخوة بينهم ، والاجمل من ذلك الشبابة والمجوز التي كان يتراقص عازفها مع ألحانها ليثير الحضور كل الحضور الدبيكة والمشاهدين ، أسبوع كامل من الفرح والتعاليل ، وفي آخر ليلة وبعد مراسم حناء العريس وبعد ان يبدأ الحضور بالعودة آلى بيوتهم تبدأ مراسم اخرى ، وهي مراسم سن السكاكين والسواطير وإحضار الحبال والعقفات لذبح الخراف والذبائح التي جزء كبير منها يكون مساهمة من الجيران والأقرباء للعريس ، يرافق ذلك كله الأغاني الشعبية القديمة حيث يحضر فريقان من النساء المتقدمات في السن وما كان يجمّل هذه الأغاني تواصلها حيث ينهي الفريق الثاني الكلمات الاخيرة مع الفريق الاول للمحافظة على ريتم الاغنية ، ثم يتبع ذلك الطبخ وإعداد الغداء الذي كان يسبق زفة العريس ، والذي كان يقدم بطريقة رائعة عندما كانت النساء يخرجنّ وعلى رؤوسهن المناسف وكل منسف كان يتبعه طلقة من مسدس وزغرودة من سيدة محترمة ،وبعد الانتهاء من الغداء كان يقوم والد العريس بتوزيع الناشد والتوفي على الحضور الذين كانوا يتناولون الحلو بيد ويمدون النقوط باليد الاخرى ، ثم تبدأ المرحلة الأبهى والاجمل وهي الزفة التي كان لهيب لشمس لا يمنع أهل القرية بالمشاركة بالدبكة والغناء ، فكان العرس عرس الجميع والفرح يعم كل بيت في القرية بعدها يقوم العريس بصحبة الأصدقاء والمقربين بالذهاب الى بيت المعزب الذي يكون قد أعد الطعام لهم ، في هذه الأثناء تكون العروس قد عادت من الصالون ، ليصار الى نقلها بأغاني جميلة لبيت العريس ثم يقوم الشباب بإحضار العريس الى العروس الى ان يقترب من البيت فيقوم الجميع بمضايقته ليرغموه على تركهم والذهاب مسرعا الى عروسه ، لن ينتهى هنا العرس بل يمتد لليوم الثاني حيث يقوم أهل العريس بإعداد غداء ما يسمى بضبيحة الشباب ، يدعى اليه شباب الحي او القرية ممن شاركوا العريس مراحل عرسه ، فالفرح قديما كان فرحاً حقيقيا يشعر به كل ابناء القرية والحي فيكون مباركا وتستمر بركته للحياة الزوجية كاملة .
اما اليوم فقد اختلفت مظاهر العرس وأشكال الفرح فتم القضاء على كل العادات الجميلة التي ذكرت وأصبح الشغل الشاغل للعروسين واهلهما الصالة وعدد المدعوين. ، ومن سيحي الحفلة ، فدخلت أشكال غريبة من العادات مثل الموسيقى الشيطانية الصاخبة التي اصبحت مصدر ازعاج للجميع الى ان وصل الحال بيننا ان تكون حفلات الغناء امام مضافات العزاء ، فلا نحترم مشاعر اقاربنا أهل المتوفى ، وفمحق البركة من كل شئ ، والأمّر والاسؤ من هذا وذاك إصرار العروسين على اجراء مراسم الفرح بين اربع جدران في صالات الأفراح ، التي يتراقص بها الشيطان مع بناتنا ونسائنا ليفسد على العروسين البركة وما يتبع ذلك من مسلسل الخلافات وحالات الطلاق التي اصبحت تشكل نسبة غير مألوفة لدى المجتمع ألاردني ، فالفرح اصبح يقتصر على النساء والعروس فقط ، اما الرجال فيقومون بممارسة مهنة السائق الذي لا حول ولا قوة له الا انتظار المدام التي تمص وقت الحفلة الى آخر ثانية ، ليعود الزوجان كل منهم ينظر الى الجهة المعاكسة لان خلافا لا بد ان يقع بين أغلبيتهم لتأخر الست في الصالة وهذا ما يضيف على العرس شؤما لا فرحا .
لقد نزع الله كل مظاهر الفرح والبركة من اعراسنا لأننا خالفناه في كل خطواته ، خاصة في نصف الساعة الاخيرة من الفرح الذي يختلط فيها الحابل بالنابل وتبدأ دبكة ما يسمى " حبل مودع " حيث تتشابك أيادي الرجال بأيادي النساء اللواتي تزينّ بأجمل زينة ، وتعطرنّ بأفخر العطور فيشتم الرجال رائحتها ليتحقق قول الرسول الكريم ، حيث قال : " أيما امرأة استعطرت ثم خرجت فمرت على قوم ليجدوا ريحها فهي زانية ، وكل عين زانية "، فيكون الشيطان بذلك قد وصل ذروة السعادة لما يترتب على ال " حبل مودع " من تلامس وهيجان للرغبات الجنسية بين الطرفين ، والمصيبة العظمى تلك التبريرات التي يصدرها الجميع بان الدابكون هم ابناء العم والقرابة ناسين حديث الرسول عليه السلام " الحمو هو الموت " وفعلا متنا وماتت احاسيسنا وماتت قيمنا ومبادئنا فضعنا وضاعت أسرنا .
فما آن لنا ان نعود لرشدنا ؟؟؟؟؟؟