19-02-2018 08:38 AM
بقلم : أحمد محمود سعيد
لا شكّ ان أولويّات اي مواطن في وطنه هو الأمن والأمان والإستقرار الوظيفي والعدالة والمساواة وتكافؤ الفرص وبحصول المواطن على ذلك يفكر بعدها بالديموقراطيّة وتوفر حريّات التعبير والرأي وغيرها , ولكن الظروف الانيّة على المستوى الوطني والإقليمي والدولي قد تلعب دورا رئيسا في تغيير هذه الأولويّات .
وبالنسبة للوطن الأغلى الأردن فقد مرّت عليه ظروف صعبة للغاية إحتملها المواطنون سابقا واهمها تداعيات الإحتلال الإسرائيلي لفلسطين في الحربين 1948 و1967 وكذلك تداعيات إحتلال العراق للكويت وبعدها فشل محادثات السلام الإسرائيلية العربية بالرغم من توقيعها اتفاقيتين مع كل من مصر والأردن واخيرا تداعيات الربيع العربي ودمار بعض الدول العربية وما مرّ على المستوى الوطني من أزمة إنخفاض سعر تعادل الدينار الأردني بالنسبة للدولار الأمريكي عام 1989 وما يمرُّ به اليوم من ضنك عيش المواطن الأردني في ظل إرتفاع حجم المديونيّة الأردنيّة الداخلي والخارجي وتحرير الدعم عن بعض المواد وإرتفاع الأسعار لبعض المواد وتعديل اسعار كثير من المواد الأساسيّة والخدمات المقدّمة للمواطن وتعديل قوانين الضرائب والغرامات وغيرها إضافة لتداعيات إغلاق الحدود الشمالية والشرقية وإنغلاق بعض الأسواق التسويقية امام البضائع الأردنية وعدم العدالة والمساواة بين شرائح المجتمع ممّا أدّى الى مسح الطبقة الوسطى عن الوجود وكذلك تشكّل فجوة هائلة بين الموظف العادي واصحاب الوظائف العليا وقد تكون الكثير من تلك الظروف بسبب قرارات خاطئة للحكومات المتعاقبة او ضعف تلك الحكومات او عدم قدرة الوزراء على إتخاذ القرارات المناسبة في الوقت المناسب بالرغم من توفُّر الإرادة السياسية او القدرة الماليّة لذلك .
والأخطر من كل ذلك هو تراجع الحس الوطني بالإنتماء للوطن ترابا وشعبا وراية وخاصّة عند جيل الشباب ذكورا وأناثا واصبح همُّ الشاب او الفتاة هو الحصول على شهادة جامعيّة للبحث عن فرصة عمل في إحدى دول الخليج العربي بالرغم من صعوبة إيجاد فرصة هناك في الوقت الحالي والظروف غير الواضحة او اللجوء للبحث عن ملجأ يهاجر اليه بقصد الحصول على فرصة للحياة او العثورعلى امنية حياته بالتجنُّس في امريكا او كندا او استراليا او إحدى الدول الأوروبيّة تيمُّنا بما يفعله كبار البلد من وزراء ونوّاب واعيان وغيرهم الذين يبذلون اقصى جهدهم للحصول هم وابناؤهم على جنسيّات ثانية وكأن الوطن في مهبِّ الريح وليكونوا جاهزون لركوب الطائرة والإقلاع لتلك الدولة التي قبلتهم عندها لتكتشف لاحقا انّ من يهون عليه ان يبيع وطنه ويتركه للمجهول يهون عليه اي وطن او اي مكان إقامة آخر .
وحيث ان الشباب العربي في مختلف ارجاء العالم العربي يشعرون بالإحباط لثلاثة عوامل رئيسة اولها غياب العدالة والمساواة وثانيها تغييب حكوماته له وعدم وضعه بالصورة وقد يكون ذلك لعدم معرفة مسؤولي حكوماتهم بحقيقة ما يجري في العالم او العالم العربي وقد يون ذلك لأمر مُغيّب ام لشأن مرتّب , وثالثها ان ما يشاهده من تطورات وتبعيّات للظروف الحالية والتحولات التي تجري فيه بشكل عفوي وعشوائي وما يرافق ذلك من سلبيات على بنية تلك المجتمعات وتربية اطفالها يجعل الرغبة لدى اولئك الشباب بالهجرة والإغتراب هي في قمّة اولوياتهم وطموحاتهم.
وتقارن الشعوب العربية بين تصرفات وسلوك الزعماء والمسؤولين في الدول المتحضِّرة والمتقدِّمة السلوك الإعتيادي الذي ينعكس على تلك الشعوب رجالا ونساء واطفالا ويكون المسؤولون قدوة لشعوبهم وليسوا عالة عليهم كما في عالمنا العربي الذي يعتبر المسؤول نفسه ربكم الأعلى والعياذ بالله ويتبجّح بأنّه من سلالة والده أو قريبه عظّم الله سرّه , وحيث ان مجتمعاتنا تعرف بعضها قتستطيع الشعوب ان تسلسل المسؤول إن كان قبل ان يصبح وزيرا كان شخصا عاديا ام غفيرا وتحوّل بقدرة قادر ليصبح وزيرا وبعد ان كان معدما وفقيرا اصبح ثريّا وماله وفيرا إن ّ درجة الإحباط التي ملئت نفوس الشباب والقهر الذي ظلّل على عقولهم وعمى ابصرتهم جعل الحقد يملأ قلوبهم والكراهية للمسؤولين أهم ابجديّاتهم ويعبِّرون عن ذلك بالسنتهم مستخدمين اقسى العبارات غير خائفين من الأجهزة الأمنيّة وإجراءاتها لأنهم باتوا متأكدون ان الموت بكرامة افضل من العيش بذُلْ واصبحت العبارات والخطابات الإعلاميّة لا تنطوي عليهم وكذب المسؤولين ووعودهم ليس لها آذان صاغية وبات غضب الشباب يكون قريبا من حصول بلبلة ومشاكل كبرى للمجتمعات العربية التي استطاعت ان تنجوا بنفسها عن تداعيات ما يسمى بالربيع الأسود وان تنئى بنفسها عن مخططات الدول الكبرى التي تلعب ببعض الدول العربيّة ومقدّراتها .
ولكن وكأنّ القدر الأسود قادم حيث لن يبقى احد في مأمن من ويلاته سواء بقي مزروعا في ارض وطنه او كان هاربا في هذا العالم الواسع لذلك قيل كرامة المرء في وطنه ولعلّ قول رسول الله عليه الصلاة والسلام يوم فتح مكّة عندما كان في اوج قوّته وقريش في أذلِّ اوقاتها حين قال لهم (من دخل دار أبي سفيان فهو آمن، ومن أغلق عليه بابه فهو آمن، ومن دخل المسجد الحرام فهو آمن) اي انّ من هو في ارضه وداخل بيته له الأمن والامان وأعزّ من كان عزيزا بين قومه .
إنّ ما نراه في عالمنا العربي خاصة إعتداء المسؤولين وذوي الشأن على عامّة الناس إستعلاء وتكبُّرا لهو نوع من النهاية لكي نرى ان رحمة الله هي الواسعة وهي اكبر من كلِّ تجبُر وظلم بني البشر .
إرحمنا برحمتك يا الله وإغفر لنا ما فعل السفهاء منّا واحفظ بلدنا ارضا وشعبا وقيادة من أي مكروه واكرم شبابنا وصبايانا في وطننا الغالي والأعزبالكرامة وراحة البال.
ambanr@hotmail.com