بقلم :
حين كنا تنطلق من قريتنا باتجاه (الربة) نسير غربا في طريق ترابي، وبعد أقل من كيلو متر واحد عند نقطة مثلثة تنقسم الطريق إلى مفترق من طريقين تتجه إحداهما إلى (الربة) والأخرى إلى (راكين).. وتسمى تلك النقطة باللهجة المحلية (مفرق الدروب) وبالفصحى (مفترق طرق) وتلك النقطة تحديدا أخذت في الموروث الشعبي لدينا بعدا خرافيا عجيبا.. فمثلا.. إذا نبت في يدك (ثؤلول) .
. وفي العامية (ثالول) فما عليك إلا أن تحضر حبة (باذنجان) وتغرز بها مجموعة من حبات الشعير ثم تدفنها في (مفرق الدروب) لتشفى من الثالول.. ولا أعرف مرجعية طبية أو ميثولوجية لهذا النوع من العلاج العجيب.. ولا طبيعة علاقة (مفترق الطرق) بشفاء (الثواليل) والحياة كلها (على بعضها) مفترق طرق .. بل والآخرة أيضا حيث قسم الله سبحانه وتعالى الناس إلى فريقين بقوله تعالى.. (فريق في الجنة وفريق في السعير) صدق الله العظيم..
هذه الآية الكريمة تجعلني دائما أتخيل أهل (الأعراف) وهي منطقة بين الجنة والنار حسب التفسير..يقابلها في الإنجيل (أرض الينبوس) أتخيلهم جالسين في منطقة (مفترق طرق) لكنهم في النهاية سيغادرونها حتما .. لينتقلوا إلى جنة الخلد (حسب التفسير أيضا) أما نحن الذين كنا نجلس في (مفرق الدروب) ونمارس هواية (دفن الباذنجان المخزّق بالشعير) فقد أطلنا المكوث هناك دون أن يشفى أي (ثالول) من أيدينا وأرجلنا وجلودنا.. وعندما دخلنا المدرسة الابتدائية قيل لنا أنتم الآن على (مفترق طرق)، إما أن تبدعوا فتلتحقوا بالمراحل الأخرى حتى تأخذوا (توجيهي) ييسر لكم سبل العيش.. وإما أن (تطلعوا تيوس) في المدرسة فتتركوها وتحترفوا الرعي .. (بوصفنا رعاة هواة فقط أثناء سنوات الدراسة)
عندما اقتربنا من امتحان الثانوية قالوا لنا: أنتم الآن على (مفترق طرق) فإما أن تحصلوا على معدل عال كي تحصلوا على (بعثة) ـ باعتبار أن التعليم على حساب الأهل أساسا غير مطروح ـ أو تكتفوا بالتوجيهي وتشتغلون عليه .. طبعا ـ بالنسبة للكثيرين منا ـ التوجيهي كان له معنى واحد هو (شريطتان) أو (أمباشي) أو (عريف) .. وحتى هذه زالت فيما بعد وتساوى الناجح والراسب في الرتبة. عندما دخلنا الجامعات ثم تخرجنا قيل لنا: أنتم الآن على (مفترق طرق).. إما أن تجدوا عملا أو تنضموا إلى (معهد أبو العبد) ومعهد أبو العبد هذا كان الاسم الحركي لمقهى في منتصف عمان يجتمع عليه الطلبة الخارجون من بيوت أهلهم بحجة أنهم في درس خصوصي (درس في الطرنيب طبعا عند الأستاذ جرسون )
عندما احتلت الأرض قالوا لنا: أنتم الآن على مفترق طرق... إما ... وإما... ومنذ ذهبوا إلى مؤتمر السلام وحتى الآن لم نغادر (المفترق). وكلما رفعوا الضرائب والكاز والخبز والزبل.. قالوا لنا : أنتم الآن على مفترق طرق.. (يا إما بنشد حيلنا وبنسد ديون البلد الخارجية... أو ..الخ) دون أن يخبرونا عن ديون البلد (وين راحت )؟
عندما (يتسلى) بنا مسؤول يريد أن يحارب الفساد.. يقول لنا : نحن الآن على (مفترق طرق).. إما ... أو.. الخ عندما نتحدث عن الديموقراطية يقولون لنا: نحن الآن على مفترق طرق.. إما... أو...الخ ألف مرة.. في ألف موضوع للإصلاح والتغيير وتطوير كل شيء من الفن والأخبار والإعلام والسياسة والبناء ومحاربة الفقر والبطالة والرشوة والمحسوبية و...الخ وصولا إلى (ترميم طابون جدتي) .. دائما نحن على (مفترق طرق) ويبدو أن السكن على مفترق الطرق أعجبنا .. فبقينا جالسين عليه .. أعني (مفترق الطرق) ما غيره.. هذه كانت سرحتي التي قطعها علي (خميس بن جمعة) حين دخل ولم يطرح السلام، بل بادرني بالسؤال: فيم أنت سارح؟ قلت: في (مفرق الدروب.. وجلوسنا عليه وكميات هائلة من الباذنجان المخزّق بحبات الشعير تراكمت عبر سنين طويلة...) قال خميس: ولكن (الثواليل) تزداد ولا تنقص.. تنبت وتشرش في الأرض وتتمدد .. وتتوارث وتبرطع في كل أنحاء البلاد .. (ثواليل) بلا ضفاف..ثواليل بأيدي وأرجل ولها أفواه تمتص الدم وتأكل اللحم ولا تقنع بالباذنجان وأطنان من الشعير.. (ثواليل )يحتاج استئصالها إلى عمليات جراحية كثيرة جدا.. وكبيرة جدا، (ثواليل) لها جذور لامتصاص الغذاء من الدم.. وكل ثالول بحجم فيل.
(لو وفرنا الشعير والباذنجان أحسن لنا)
http://atefamal.maktoobblog.com
/