بقلم :
قبل عامين نشر وزير الداخلية السابق نذير رشيد مذكراته في كتاب أسماه " حساب السرايا والقرايا " وللأسف منع الكتاب تاركا خلفه مجموعة من الإشاعات التي تناقلتها الأوساط الإعلامية، والسياسية، لرفض مذكرات أحد أهم المحافظين والحراس التقليدين ، وحرفت وموهت أسبابا عديدة حول المنع الذي صار هزيلا وليس مستهجنا بعد أن كتب عنه صحافيون وقدموا ملخصات طويلة ظهر بعضهم في بيت الباشا نفسه أثناء بث حلقة من برنامج " زيارة خاصة" الذي يقدمه المبدع سامي كليب على قناة الجزيرة. تألمت كثيرا لعدم حصولي على الكتاب الذي كان يباع في مكتبة مدبولي المصرية ، وذلك لشغفي الشديد جدا بكتب المذكرات وخاصة التي تهم تاريخ الأردن الذي أجد دوما أن حقه هضم ، وعندما عرض برنامج"نذير رشيد" شاهد على العصر في قناة الجزيرة وددت لو أن هذا البرنامج كان أردنيا خالصا فنحن أولى من الجزيرة بمناقشة المفاصل التاريخية لبلدنا وعدم تركها لمن يحرفها ويزاود عليها من السياسيين المترامين في العواصم العربية ، كان من الممكن أن يستضيف تلفزيون الأردن الباشا ونستمع لحوارات أردنية ويناقش في أرائه ونستمع لوجهة نظر لمن منع الكتاب بدل أن يظهر هذا من غيرنا وهذا ما يجعل الجزيرة دوما تحصد الشعبية الأكبر عند المشاهدين العرب. سعت أن الكتاب سيعاد طبعه ونشره في الأردن ، وهذا سيترك للقراء متابعة التفاصيل بعد أن فهمنا مجمل المواقف واطلعنا عليها . فقد ظهر الباشا مثله مثل غيره من المحافظين محتدا ضد قوى المعارضة ومتمسكا بسياسة الدولة في التاريخ الماضي ، فمن المؤكد أن كثيرين أوذوا وسجنوا وطردوا ، ولكننا حافظنا على الأردن ، ولم يكن الوطن غرفة عمليات للأفكار المستوردة والمواقف السياسية الطارئة ويكفينا شرفا أننا لم نعدم معارضا سياسيا . قد يكون الباشا تعنت عند بعض القضايا وحاول التنصل من بعضها كقضية الضباط الأحرار أو النفي الكامل لدور الفصائل الفلسطينية في معركة الكرامة، إلا أنه قدم شهادة حقيقية كبيرة ورد على من زور الدور الحقيقي للأردن بعد أن استفردت بعض القوى لتحريف مواقف الأردن وتاريخه البطولي ودفاعه عن أمنه وأمن الشعب ، وهذا ما يتجلى بأحد برامج الجزيرة المسمى بحكاية ثورة . نحن الآن لسنا في ستينات وسبعينات القرن الماضي بل نعيش مرحلة ظهرت فيها الكثير من الحقائق ، وكشفت نوايا وآثام تلك الأحزاب التي حمتها الحكومات الأردنية قبل أن تحمي الناس منها ولن أستعرض هنا ما حصل لزملائهم في دول الجوار وكيف يعيشون هنا وكأنهم متقاعدون من الجيش وليس من أحزاب انقلابية عندما كانت تتغطى تحت مسميات التحرر والتقدم والثورة والبعث . وكلها حركات شخصية قمعية شاهدنا بأم أعيننا كيف حولت بعض الدول إلى شعوب تتحكم بها عصابات وحركات جاهلة وشتائم . ما لم تركز عليه قناة الجزيرة ولا المهتمين لسياسية الأردن في نصف القرن الماضي الآن كيف تسامح الأردن مع الضباط الأحرار وعاشوا بعدها بأمان بعدما جربوا حنظلة الحركات الثورية القمعية التي لم تحرر شبرا ، وكيف أنقذ الأردن من ثورة لا تحمل سوى تناقضات ممتلئة لا يمكن أن تصنع مسمى ثورة بل بارونية عند من سلم بنادق لمراهقين وتركهم يدورون بين مدن السكان الأمنيين وليس قرب حدود المستعمرات . نعيش في أكثر البلاد العربية حرية. نكتب براحة ، ونتحدث براحة،و تقف الأجهزة الأمنية والنظام الحاكم بعين الأب المراقب وليس الجلاد المحاسب ، صحيح أننا نطمع بكثير من الحريات وخاصة قوانيين الانتخاب وضبطها ، ولكنني أشعر بفخر أننا الأردن بقي وكلهم ذاهبون ومن يشاهد بعين صادقة إلى الدائرة الجغرافية المحيطة بنا يدرك أن الأردن كان على حق فمن يقارن عمان بغيرها يعرف أننا كنا نحارب متطفلين على أمننا ولم نقمع أو نحارب أنظمة تحررية أو ثورية حقا بل أنقذنا شعبنا منهم ، وليس ما يحدث في سجون الجوار وشوارعها ومدنها المخربة عنا ببعيد. تخيلوا كيف تطورت عمان وكيف تحتضن الطرود والمساكن الهاشمية فقراءنا بينما الأحزاب تعيش أقسى حالات التسول الفكري والشعبي والجماهري وحتى المالي فحقا كم هو مضحك أن يطلب حزب دعم الحكومة لتعارضه !!! إن الأردن ونظامها الأمني وشعبه الوفي المخلص والمنتمي نعمة كبيرة نشكر الله عليهم وأظن أن نذير رشيد هو من حاكم وليس من حوكم مع عزائي لكل الشرفاء الذين سجنوا وجروا وما زالوا في أقبية الأنظمة الثورجية أو لنقل مايحافظون على تصفية بعضهم باسم الثورة .
Omar_shaheen78@yahoo.com