19-03-2018 12:36 PM
بقلم : د. رياض خليف الشديفات
تعلمنا في طفولتنا أن الوطن العربي الكبير يمتد من المحيط إلى الخليج ، وأن بلاد العرب وطن كبير يجمع بين كل أبنائه على اختلاف طوائفهم ومذاهبهم ، وهم أمة واحدة من مشرقهم إلى مغربهم ، ومن شمالهم إلى جنوبهم ، وتعلمنا أن هذه الأوطان على تباعدها يجمعها وحدة اللغة والتاريخ والمصير المشترك ، لكن واقع الحياة يقول غير ذلك ، فجراحات الوطن الكبير لا يتوقف نزيفها ، والألم يعتصر هذه الأوطان ، فهي نهب لكل طامع ، وفرقتها الأهواء ، وعصفت بها ريح الفرقة والخلاف بين الأثنيات البغيضة ، والمذهبية المفرقة ، والجهويات المشتتة ، والطائفيات الممزقة لكيان الأمة ، ولعبت بهم دوائر المستعمر ، وفقر هنا ، وجهل وتخلف هناك ، ومرض هنا وهناك ، وفتن لا تنتهي في كل مكان وجراحات الوطن الكبير لا تندمل ، وآلهاته لا تكاد تتوقف يسمع بها القاصي والداني ، وكأنه لا يوجد في الدنيا ألم إلا في هذا الوطن ، وكأنه لا يوجد في الدنيا مصائب إلا في بلاد العرب ، فضاق هذا الوطن الرحب بأهله حتى غدا أضحوكة لكل متلاعب بمصيره ، فلا قول الشاعر يشفع له إذا يقول :
لعمرك ما ضاقت بلاد بأهلها لكن أخلاق الرجال بما رحبت تضيق
أما جراحات الوطن الصغير في كل قطر فهي لا تكاد تقل خطورة عن جراجات الوطن الكبير ، فتلك من تلك ، وهذا من ذاك والألم في كل ناحية من جسم الوطن، ودعاة الفتنة كُثر ، والمتربصون به يتحينون الفرص للنيل منه وإضعافه ، والأقلام المفرقة تكتب في كل زاوية من زوايا الوطن ، فالفئوية استيقظت من نومها ، والوجه الخاطئ من العشائرية علا صوته ، والطائفية خرجت من مخابئها ، والفتنة أطلت برأسها ، والجهوية فشت ، والمناطقية لها دعاتها ، ولغة التصادم لها عشقاها ومريدوها ، وأصحاب الأجندات استغلوا هذه البيئات لتحقيق مصالحهم ، وصوت العقل خفت في ظل الصراخ والعويل في الفضائيات ووسائل الإعلام ، وقدمت الخلافات على المصالحات ، وقدم المهم على الأهم ، وضعف صوت العقلاء في صخب الضجيج ، فما أكثر الخلافات ! وما أكثر الصراعات بكل صورها ! فكرية ، أيدلوجية ، حزبية ، مناطقية ، جهوية ، طائفية ، عنصرية ، فئوية ، قبلية ، وصراعات جهل وفقر وجوع وحرمان ، وصراعات ناتجة عن الظلم ، وصراعات ناتجة عن غياب العدالة ، وصراعات ناتجة عن غياب الحرية ألخ .......... مما يؤسف له ويدمي القلب .
وإزاء هذه الصورة التي نشاهدها في وطننا الكبير ، وفي وطننا الصغير على اختلاف في هذه الصورة من مكان إلى آخر إلا أنها تشبه الجمر الذي يكاد يكون له تحت الرماد ضرام ، وهذه الجراحات تتطلب عقلاء قوم من كل المستويات السياسية والفكرية والإعلامية ممن يملكوا زمام المبادرة من طراز القادة والعظماء ، فكفى أوطاننا تنظيراً ، وكفي بني أوطاننا سكوتاً على الخرق الذي يتسع يوما فيوما على الراقع ، وكفانا خداعاً للنفس أننا في مأمن من الخطر ، فمن مأمنه يؤتى الحذر ، وسلامة الوطن سلامة للجميع .