26-03-2018 12:26 PM
بقلم : محمد فؤاد زيد الكيلاني
بني آدم مخلوق معجز وتباهى الله فيه أمام الملائكة وكرمه وميزه عن باقي المخلوقات ومهما بحثنا وحللنا ودققنا في هذا المخلوق لا نهاية لهذا التحليل والتدقيق، لأنه دائماً إعجاز مبهر ، وأنا عمالي اقرأ وأتأمل خلق الله وخلق بني آدم تحديداً توقفت عند عقل الإنسان وذاكرته وجدت أن بني آدم له ذاكرتين ذاكرة أزلية وأخرى مؤقتة .
وبالرجوع إلى الآيات في القرآن الكريم وجدت انه فعلاً يوجد ذاكرتين للإنسان أزلية وأخرى ومؤقتة قال تعالى : "وَلَقَدْ عَلِمْتُمُ النَّشْأَةَ الْأُولَى فَلَوْلَا تَذَكَّرُونَ" . (الواقعة : 62) إذاً نحن لا نتذكر النشأة الأولى لان ذاكرتنا مغلقة وهذا كلام الله أننا لا نتذكر ابدأ ، ولو تذكرنا –وهذا لا يمكن بكلام الله – لتذكرنا كيف خلق الله بني آدم ، قال تعالى : "أَوَلَا يَذْكُرُ الْإِنْسَانُ أَنَّا خَلَقْنَاهُ مِنْ قَبْلُ وَلَمْ يَكُ شَيْئًا". (مريم : 67)، وهذا كلام الله لا يذكر الإنسان إنا خلقناه لان ذاكرتنا محدودة . والذاكرة الوقتية هي التي نعيش بها الآن منذ أن خلقنا الله تنمو معانا حتى آخر أيامنا وهي التي سمح الله لنا بها أن تكون ذاكرتنا وتوصلنا إلى ما هو نحن عليه الآن من علوم .
ولو تمعنا في هذه الآية، قال تعالى : "قَالَ فَبِعِزَّتِكَ لَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ * إِلَّا عِبَادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ". (ص : 82-83) لوجدنا أن إبليس يغوي الإنسان إلا عباد الله المخلصين، وسيدنا يوسف كان من عباد الله المخلصين .
ولو قارنا هذه الآية بالآية السابقة، قال تعالى : "كَذَلِكَ لِنَصْرِفَ عَنْهُ السُّوءَ وَالْفَحْشَاءَ إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُخْلَصِينَ". (يوسف : 24) لوجدنا أن سيدنا يوسف مستثنى من هذا الإغواء لأنه من المخلصين ، وكما عرفنا عن سيدنا يوسف انه كان يُأول ولا يفسر والتأويل يأتي من الذاكرة الأزلية ، وهو الذي سيتحقق في المستقبل ، قال تعالى: "وَدَخَلَ مَعَهُ السِّجْنَ فَتَيَانِ قَالَ أَحَدُهُمَا إِنِّي أَرَانِي أَعْصِرُ خَمْرًا وَقَالَ الْآخَرُ إِنِّي أَرَانِي أَحْمِلُ فَوْقَ رَأْسِي خُبْزًا تَأْكُلُ الطَّيْرُ مِنْهُ نَبِّئْنَا بِتَأْوِيلِهِ إِنَّا نَرَاكَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ" (يوسف : 36) ، هنا طلبوا من تأويل وليس تفسير لأنه من عباد الله المُخلصين والذاكرة الأزلية مفتوحة عنده.
طبّعَّاً علينا أن لا ننسى قصة سيدنا عيسى ، قال تعالى : "وَأُنَبِّئُكُمْ بِمَا تَأْكُلُونَ وَمَا تَدَّخِرُونَ فِي بُيُوتِكُمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ". (آل عمران : 49). كان يعرف ما يدخرون في بيوتهم لان الذاكرة الأزلية مفتوحة عنده كما هو واضح في الآية السابقة ، وهناك أيضاً قصة سيدنا الخضر المعروفة إن ذاكرته الأزلية مفتوحة عنده عندما كان يقرأ الماضي والحاضر والمستقبل والقصة المذكورة في القرآن معرفة للجميع .
علينا أن ندرك أن الذاكرة الأزلية تفتح عند الأشخاص الذي لم يغويهم إبليس ، والذاكرة الوقتية موجودة عند الجميع ، اللهم اجعلنا من عبادك المُخلصين .