05-04-2018 03:30 PM
بقلم : المهندس ناجح شنيكات العبادي
المتتبع لتاريخ اوروبا الحديث يلاحظ ان النسيج الشعبي الذي شكل دول اوروبا جمعته وحدة النوع والاصل فشكل بلدانا تحمل صبغات تعود بتاريخها للارث القديم , وبقي هذا التشكيل قويا متماسكا حتى وان دخلت على مكوناته من الهجرات الاسيوية او الافريقية او حتى الامريكية , فعند الانجليز ترى الشعوب يوحدها اللسان والمعتقد والتاريخ وينطبق هذا على الدول الاسكندنافية وشرق اوروبا, بينما المتابع لتكوين الدول العربية بالعصر الحديث يلاحظ كثيرا من المفارقات بطبيعة تكوين هذه الدول , حتى ان اغلب مجالسهم الشعبية تسمى مجالس امن قومية اكثر من تلك التسمية التى تعكس طبيعة حياتهم الوطنية , ففي اوروبا نجحوا بتكوين تحالفات اقليمية قوية وعلى عدة جبهات هامة مثل الاتحاد الاوروبي وحلف الناتو واصبحوا يتعاملون بعملة موحدة اضافة لقوى مشتركة دفاعا عن مصالح شعوبهم الاستراتيجية , بينما في الدول العربية والتي يوحدهم لسان الضاد مازالت التجمعات القومية محدودة جدا وضعيفة ولاتشكل اي قوة كانت بمنطقتهم واقليمهم الملتهب رغم وجود بعض الانظمة الحاكمة والتي استمدت من صبغة القومية كانظمة سياسية تحكم, فبالرغم من التاريخ المشترك وتشابه النوع والاصل الا ان النسق القومي كتجمعات كبرى مازال غائبا وضعيفا جدا ومحاربا لدى البعض, ففي اوروبا بدأت القومية الحديثة بابراز الفرد على انه العصب الرئيسي بقوة الدولة وتكوينها , فبدأ الاهتمام بالمكون الشعبي على ان قوة الفرد وحريته ورفاهيته هي الطريق الامتن لبناء مجتمعات متماسكة قوية يوحدها الهدف وتجمعها العدالة والمساواة, فأصبح مفهوم القومية الاوروبية يبدأ برفعة شأن المواطن الذي لن يرتفع المجتمع الا بوجوده عزيزا قويا, وهذا الاهتمام المتواصل خلق نوعا من التجانس والترابط بين المواطن هناك وطبيعة النظام الشمولي لتلك الدول, حيث اصبحت تلك المجتمعات فيما بعد مجتمعات تقدس تاريخها واوطانها وتحترم وجودها , وما نشاهده اليوم في المانيا وانجلترا وغيرها من الدول بتلك المنطقة من العالم من انتماء حقيقي يربط الفرد بالمجتمع ثم الدولة ويتبعها الاقليم لهو صورة ناصعة لطبيعة التكوين القومي لتلك المجتمعات, فالقومية هناك تعني اطلاق الحريات الفكرية لتمتزج فعاليات الفكر المختلف للافراد والجماعات لتغذي مفهوم التكوين العام للمجتمعات, حتى غدت القومية لديهم سلاح يحمي مجتمعاتهم اقتصاديا ومعيشيا وكذلك عسكريا خارج اسوار وحدود تلك الدول , فأصبح الجنس الغربي يحظى بالرعاية والاهتمام والاوليات القصوى لدى دولهم المختلفة اذا ماقورن بغيرهم ممن يقطنون بلادهم , بينما في بلادنا العربية الامر مختلف تماما , فالنظام القومي هو نظام حكم وليس نظام ترابط شعبي بمفهوم التجمعات الغربية ولعدة اسباب اوردها بما يلي ..
1 . الانظمة القومية العربية الحديثة وجدت من خلال القوة والعمل السري ولم تكن مجرد حاضنة تفاعلية اجتماعية شعبية ولها بعض المبررات مثل استمرار الحلقة الاستعمارية لشعوبنا من قبل الدول الاوروبية وامريكاوالتي تسعى دوما لتجزئة المنطقة العربية واضعافها...
2 . محاربة الفكر الاخر لدينا كعرب ومحاولة الاستئثار بنسق فكري معين على حساب تفاعلات الافكار لدى الغير جعل من بعض الانظمة السياسية القومية تجمعات تتفرد بالسلطة والقوة كوسيلة لادارة البلدان المحكومة , وهذا بالطبع انتج عداءات متنوعة من البعض لمفهوم القومية السلطوي..
3 . ايمان تلك القوى القومية بتوحيد البلدان الاخرى ومحاولة توحيد شعوبهم بالقوة تحت مسمى الارادة الجمعية التي تؤمن فقط بالقوة على اساس التوحيد, وهذا انتج مجتمعات جائعة يشوبها العوز اكثر من مجتمعات باحثة عن الوحدة ...
4 . تسويق الفكر القومي المنفرد على حساب فكر الفرد الخاص واعتباره مضاد للمشروع الشمولي القومي مما خلق الكثير من حالات الاحتقان الشعبي والمجتمعي.
وللعودة لمجابهة الفكر القومي الغربي من خلال انظمة قومية عربية لابد من الاستفادة من الغير لترجمة تطلعاتنا القومية كتطلعات قوية وهذا يعتمد على النقاط التالية .....
1 . نظام قومي عربي قوي لابد ان يستند على دعم الفرد اولا قبل بناء المجتمع دفعة واحدة من خلال الاهتمام المتواصل بتنشأة اقتصادية وفكرية واجتماعية مميزة , فتلبية حاجات الفرد تعني مجتمع قوي يبحث عن التاريخ والمجد والقوة .
2 . على الفكر القومي العربي الحديث ان يربط فلسفة الفكر المجتمعي بتاريخه وعقيدته قدر الامكان وان يؤكد باستمرار على دور الفرد القوي ببناء المجتمع والدولة للانخراط بباقي الدول العربية الاخرى كنتيجة لتجانس الاهداف والغايات ..
3 . على الفكر القومي العربي ان يبنى على العدالة الاجتماعية والمساواة بين الافراد في المجتمعات كوسيلة لخلق حالة من الانسجام العام والتي غالبا ماتؤدي لبناء مجتمعات قوية تؤمن بوحدة الهدف والمصير والانتماء ...
4 . على الفكر القومي العربي ان يؤمن بأن القومية لاتعني بالضرورة نظام سياسي حاكم بقدر ماتعني اتحاد مجتمعات وبلدان تجمعها التاريخ والعقيدة والتطلعات والاهداف عندها تصبح القومية رباط مقدس طوعا لا كرها ....
5 . على القومية العربية الفكرية بالتحديد ان تشرع ببناء منظومتها السياسية ان وجدت على اساس الحريات والديموقراطية من حيث التكوين بعيدا عن التسلط والدكتاتوريات ومحاربة الاديان مهما كانت ...
وفي النهاية علينا كعرب ان نزاوج بين تاريخنا ومعتقداتنا الدينية بنظرة قومية موحدة لاتنكر الاخر بل توحد الجميع نحو الهدف والمصير مبنية على تلبية رغبات المواطن قبل ارضاء الغرور الفكري السياسي ....