14-04-2018 08:50 AM
بقلم : رقية القضاة
عام الحزن يلقي بظلاله على حياة الرسول صلى الله عليه وسلم حزن يتلوه حزن
حزن، وخذلان يتبعه خذلان وهجرة تتلوها هجرة، وفراق يتبعه فراق ، أبوطالب يرحل تاركاً ابن أخيه الذي ظلّ يبسط عليه جناح حمايته لسنين، وخديجة تودّع زوجها ونبيّها وقد حانت لحظة الرّحيل قسراً، وهي مشفقة عليه ، وحانية القلب، كما ظلت طوال حياتها معه، والرسول صلى الله عليه وسلّم ، يؤلمه رحيلها. ولكنّ الرسول الأمين القويّ بربّه، يتعالى على الجراحات، ويرضى بالقدر، ويمضي مصرّا على إبلاغ الرسالة وأداء الأمانة.
و يشكو همه إلى الله وحده، ويقصد بابه وحده ، وهو الكريم اللطيف المتفضل ، فيفيض على رسوله من الخير والعطاء في ليلة تجلّت فيها عظمته سبحانه لنبيه صلى الله عليه وسلّم، فأوحى فيها الى عبده المجتبى ما أوحى من الخير والبركات والفضل العظيم.
أيها المبلغ الأمين، والداعي الشفيق، والرحمة المهداة من الله للعالمين، أكرم بها ليلة دعاك فيها سبحانه إليه، في رحلة طوفت فيها بين أقدس بقعتين على وجه المعمورة ، وعرجت من قدسها إلى السماء ، حتى وصلت مكانة لم تكن لأحد قبلك من العالمين.
يا صاحب الإسراء والمعراج، يا سراج الأمة المنير، وهاديها ومن هو بهارؤوف رحيم
سريت كما سرى البدر ماحيا أمواج الظلام، مشرقاً به الصبح ندياً معطر النسائم ، ممزوجاً رواؤه بأريج الود الذي فاض به قلبك الطاهر، وكما سرى البدر في ليل الحزانى والمكلومين فاطل بشعاعه الباسم عليهم يملا مآقيهم بدموع الرجاء وكما سرى البدر لحناً مسبحاً يوحي بالغد القادم وفي ألقه وهج الحلم البديع ، وعلى أجنحته النورانية الشفيفة قطرات الرهام الواعد بسقيا رحمة ، تحيي الموات ، وتبعث الدفء في العروق التي أيبست حياة الضنك فيها دماء الحياة ،فأحالتها يبابا خواء.
أيها البشير المبشر، أي عزاء لمكلوم، وأي راحة لمتعب ، وأي مكافأة لمخلص محبوب أرفع وأبهج مما آتاك ربك وأعطاك ، أي رحلة تسرية وحنو وتشريع ورحمة ،أجل من رحلتك من حرم الله الآمن إلى المسجد الأقصى المبارك بأمر الله، من مكة المسرى ،ومن القدس المعراج، وفي الأقصى سلم إليك لواء الإمامة بالأنبياء عليهم صلوات الله، فأنت الإمام والشهيد وأمتك شهيدة على الناس ، فأي فخر نلته وأية منزلة أوتيت وأي مرقا عزيز كريم ارتقيت.
جبريل يطوّف برسول الله صلى الله عليه وسلّم أرجاء الجنّات ، لتبتهج نفسه ويزداد يقينه برحمة الله وحسن جزاءه ، ويرى منازل الصالحين ويشاهد نماذج من سكان الفردوس ،
وفي السماوات يلتقي إخوانه أنبياء الله عليهم صلوات الله " ابراهيم الخليل " الذي سمّانا المسلمين من قبل، فيحمله السلام لأمتة { يا محمد أقريْ أمتك منّي السّلام، وأخبرهم ان الجنّة طيّبة التربة،عذبة الماء وأنها قيعان،وأنّ غراسها، سبحان الله والحمد لله ولا إله إلّا الله والله أكبر} .
وينتهي به التكريم [عند سدرة المنتهى، عندها جنّة المأوى] وهي في السماء السادسة، إليها ينتهي ما يعرج به من الأرض، فيقبض منها،وإليها ينتهي ما يهبط من فوقهافيقبض منها، فأعطي رسول الله صلى الله عليه وسلم ثلاثاً{اعطي الصلوات الخمس، وأعطي خواتيم سورة البقرة، وغفر لمن لم يشرك بالله من أمّته شيئاً } .
ويرضى عنه مولاه فوق الرضى ،ويريه من آ ياته الكبرى، ويطوف به الوحي الأمين ضفاف أنهار الجنة ووارف أفياءها، ويريه منازلها ونعيمها لتزداد رجاء ان تكون لامته أعلى منازلها، ويريه مقاعد أهل النّار وصروف عذابها ،وليبين لأمته موارد الهلكة فيها ،وليزداد حرصاً على ردّهم عنها ، وانقاذهم من صلاها، ويفيض عليه ربه من آياته الكبرى ، فأوحى إليه ما أوحى، من خير وبر ورشاد وسداد، وحمله لخلقه الصلوات والطيبات والبركات.
ويعود من ليلته تلك وقد جلت عنه همّه ، ما رأى من آيات ربه الكبرى، وسرّى عن ما شهدته عيناه من حفاوة الأنبياء عليهم السلام به، وعرف بأن رسالته خالدة أبد الدهر، ومنصورة بإذن ربّها،وأنها للناس كافّة، فتقرّعينه، ويزول غمّه، ويقبل على ما أمر به.
ويباشر قومه بالخبر حال عودته من مسراه: أن قد أسري بي إلى بيت المقدس ثم عرج بي إلى السماء، وتنكر عليه صحة ذلك تلك القلوب المقفلة والعقول الصدئة ، وتهرع إلى أبي بكر الصدّيق رجاء ان يكذّبه ( هل لك إلى صاحبك يزعم أنّه أسري به الليلة إلى بيت المقدس، فيقول أو قال ذلك؟ قالوا: نعم ، قال: لئن كان قاله ذلك فقد صدق، قالوا: أو تصدّقه أنه ذهب الليلة إلى بيت المقدس وجاء قبل أن يصبح؟ قال: نعم. إنّي لأصدقه في أبعد من ذلك أصدقه بخبر السماء في غدوة أوروحة ).
فحمل أبو بكر وساماً ما منح لغيره من أمة محمد أن سمّي " الصدّيق " وتكون بشارة وأمانة للرسول صلى الله عليه وسلم، ولأمته من بعده ، بأن الأقصى إرثهم الرباني المحمدي ، وأنّه معراج نبي الأمة إلى السماء، وأن الصلوات الخمس أمانة الله لدى أمته، وهديته الكريمة إليها ويتنزل القرآن مؤيدا ومثبتا لتلك المكرمة الالهية لمحمد صلى الله عليه وسلم ، إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها.
(( سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا إِنَّه هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ ))[الإسراء:1] .