21-04-2018 09:06 AM
بقلم : أحمد محمود سعيد
إن رسالة السيد أحمد حسين السامرائي وزير خارجية جمهورية العراق (1991-1992) الى رئيس مجلس الأمن في 6/4/1991 بشأن قبول العراق بالقرار 687 (حيث نص على تكوين لجنة للتفتيش على أسلحة العراق للدمار الشامل والعمل على تدميرها)، هي درس مهم حيث كانت الأيام الأولى من نيسان 1991 بالغة الصعوبة على العراقيين وحكومتهم ، فطائرات وصواريخ التحالف الذي قادته أمريكا القت على العراق ما يعادل سبعة قنابل نووية، وكانت الخدمات معطلة والجسور مدمرة والإيرانيون غدروا ونشروا ضباط مخابراتهم في جنوب العراق لقيادة تمرد ضد الحكومة ، والجيش العراقي يعاني من حجم الخسائر الهائل ومن مرارة الإنسحاب، لكن العراقيون ردوا على القرار 687 بالقول إنه جائر ومجحف ومخالف لمباديء ميثاق الأمم المتحدة ومزدوج المعايير وهدفه حماية عدوانية إسرائيل ويقبلوه لإن العراق يجد نفسه أمام خيار واحد لا غير وهو القبول به وهكذا بدأت مهزلة سلاح الدمار الشامل هناك.
وبعد اقل من ربع قرن بدأت الحلقة الأخرى من المهزلة بإخنراع اكاذيب اخرى لدمار سوريا الا وهي السلاح الكيماوي , ففي نيسان من عام 2013 أشارت صحيفة ذي إندبندنت إلى مشاعر القلق في الأوساط السياسية البريطانية إثر الكشف عن أدلة تثبت أن قوات النظام ربما استخدمت أسلحة كيماوية في الحرب الأهلية التي تعصف بالبلاد، وأوضحت أن وزير الخارجية البريطاني وليام هيغ صرح أمام مجلس العموم البريطاني بالقول إنه يجب التحقيق على وجه السرعة بشأن استخدام السلاح الكيماوي في سوريا.
وأضافت أن هيغ دعا إلى ضرورة التعاون الكثيف مع لجان التحقيق الدولية، وأن يُسمح للجان التحقيق التابعة للأمم المتحدة بالوصول جميع أنحاء سوريا دون أي قيود، مضيفا أنه يجب على النظام أن يعلم أن العالم يراقب تطور الأزمة في سوريا ويراقب أولئك الذين يأمرون باستخدام الأسلحة الكيميائية، وذلك من أجل مساءلتهم وتقديمهم للمحاكمة.
وقالت الصحيفة إن تحذير وزير الخارجية البريطانية جاء بعد فحص عينات من التربة تم تهريبها إلى بريطانيا من مناطق في سوريا، وأن الفحوص المخبرية البريطانية أثبتت استخدام أسلحة كيمائية سامة محرمة دوليا، مشيرة إلى مقتل أكثر من سبعين ألفا وتشريد الملايين في الأزمة السورية المتفاقمة منذ أكثر من عامين.
وهل العرب هم وحدهم كما يزعم الأمريكان وحلفاؤهم من يملكون اسلحة الدمار الشامل والكيماوي وهل نسي الأمريكان إستخدامهم لغاز الديوكسين والغاز البرتقالي في فيتنام بقتل الفيتناميين وثوار الفيتكونغ ام تسوا استخدامهم للقنابل الذرية لقتل اليابانيين في هيروشيما ونكازاغي الا تستحق امريكا ان توضع تحت البند السابع ويُعدم زعماؤها حسب معاييرهم هم أم ان جبروت الأمريكان وغطرستهم جعلوا التصرف بمكيالين هو الشائع والمقبول في هذا الزمن ولكن من استطاع ان يقسِّم اوروبا ويقسم العالم العربي بخبث اليهود وخاصّة الصهاينة منهم يستطيع ان يقسِّم الولايات المتحدة الأمريكيّة الى ولايات متناحرة في يوم من الأيّام
وقد شهد القرن العشرين من بدايته تطوراً هاماً للإسلحة الكيماويّة في إتقانها وتوسيع مدى آثارها، ومع حلول الحرب العالمية الأولى انتشر استخدام الغازات السامة التي لجأت إليها كافة الأطراف المشاركة فيها, ولقد أدت الأسلحة الكيماوية إلى وقوع ما يتراوح بين 800 ألف ومليون إصابة في صفوف قوات روسيا وفرنسا وإنكلترا وألمانيا والولايات المتحدة إبان تلك الحرب, و قد استخدمتها الولايات المتحدة إبان حرب فيتنام وخاصة في مجال تخريب المحاصيل وتدمير الغابات .
ويُذكر أنّ التتار كانو يلقون في عام 1743 بالفئران الميتة من الطاعون فوق أسوار المدن التي كانت تحاصرها لإشاعة وباء الطاعون فيها ليستسلم أهلها,كذلك كان الإنكليز والإسبان عند استعمارهم للأمريكتين في أواخر القرن الخامس عشر يقدمون للقبائل الهندية بالشمال والجنوب بطاطين كهدايا وملوثة بفيروسات الجدري للقضاء علي أفرادها, وفي القرن الثامن عشر كان الروس يلقون بجثث الموتى بالطاعون فوق أسوار مدن آسيا الوسطى الإسلامية لحصد شعوبها واستسلامها للغزو الروسي, ونابليون في كل حروبه كان يلقي الحيوانات النافقة من الطاعون والجمرة الخبيثة في مياه الشرب ليقضي على أعدائه, وإبان الحرب العالمية الأولى وضعت بريطانيا بكتيريا الكوليرا في مياه الشرب بإيطاليا لتحالفها مع ألمانيا بينما كانت ألمانيا تلقي قنابل بيولوجية محملة بالطاعون فوق لندن, وكانت مصر عام 1946 قد تعرضت لوباء الكوليرا عندما وضعت العصابات الصهيونية بكتيريا الكوليرا في مياه النيل. وقام الموساد الإسرائيلي بعملية مماثلة في أعقاب حرب 1967 ووقتها كان يطلق على وباء الكوليرا أمراض الصيف.
وكانت اليابان في حربها ضد منشوريا والصين منذ عام 1931 تلقي بالبراغيث الحاملة للطاعون والكوليرا من الطائرات ومعها حبوب القمح التي تقبل عليها الفئران لنشر الأوبئة هناك. فحصدت الآلاف من الجنود والمدنيين, وظلت اليابان تلقي بهذه الجراثيم القاتلة حتي نهاية الحرب العالمية الثانية, وبعد استسلامها استعانت الولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد السوفيتي بالخبرة اليابانية في مجال الحرب الجرثومية. وهذا ما جعل الأمريكان تشن حربا جرثومية ضد الفيتناميين, كما كانت قوات "فيت كونج" الفييْتنامية تستخدم الرماح الملوثة بالجراثيم ضد المحاربين الأمريكان.
وفي عام 1984 قام رجل متدين من الهنود الحمر بوضع بكتريا السالمونيلا في سلاطات بعدة مطاعم أمريكية بدلاس وأورجون, فأصيب بالتسمم الغذائي حوالي 750 شخصاً، 60 منهم دخلوا المستشفيات. وفي عام 1995 قامت جماعة دينية باليابان بنشر الطاعون والكوليرا والإيبولا من رشاشات مزودة بالسيارات والتي أخذت تجوب شوارع طوكيو الرئيسية. وكان اليابانيون وقتها قد إنتابهم الذعر عقب إلقاء مجهول بزجاجة بها غاز الأعصاب سارين في نفق مترو طوكيو أودى بحياة 62 شخص وأصيب 5000 آخرين دخلوا المستشفيات.
في آذار 1988 يُقال بأن الجيش العراقي استخدم غاز الاعصاب وغيرها في الهجوم الكيماوي على مدينة حلبجة وقتل أكثر من 5000 من المدنيين وكانت سببا برحيل النظام لاحقا.
في 21 آب 2013 استخدم غاز الأعصاب في سوريا هجوم كيماوي على غوطة دمشق طال مدن زملكا و كفربطنا و المعضمية و جوبر و عربين و سقبا و حمورية و حرستا و عين ترما, مما أدى إلى إصابة ما لا يقل عن 1300 من المدنيين بينهم نساء و أطفال و أكثر من 6000 مصاب حسب إحصاءات المشافي و النقاط الطبية في المنطقة.
و في تموز 2013 اتهمت المعارضة السورية قوات النظام الحكومية السورية بالقاء سلاح كيميائي من غاز السارين على منطقة الغوطة "غوطة دمشق" في حادثة ادت إلى مقتل ما لا يقل عن 1500 شخص و اصابة المئات في حادثة اسهمت في اشعال الرأي العام العالمي و تهديدات أمريكية بقصف سوريا, فيما لم يعرف بعد المسؤول عن هذه الهجمات.
وفي حزيران 2014 أعلنت الامم المتحدة انه قد تم تدمير كل الاسلحة السورية الكيماوية.
وبعد ربع قرن من مهزلة الدمار الشامل في العراق في نيسان 1991 بدأ التنفيذ لمهزلة السلاح الكيماوي في سوريا الذي اعلنت الأمم المتحدة خلو سوريا منه ولكنها بعد عامين نسيت ذلك وبدأ الأمريكان وحلفائها بحياكة مؤامرة لتدمير سوريا إلا انها وجدت امامها حلف آخر من روسيا وإيران وتركيا ووجدت في حادث دوما في الغوطة الشرقية لدمشق (7 نيسان 2018) مناسبة الإنطلاق وبالرغم من رفض مجلس الأمن من تفويض امريكا بالعدوان على سوريا وبالرغم من مناداة دول العالم لفتح تحقيق حيادي في حادث دوما إلاّ ان امريكا وحلفائها لم تنتظر فرق الأمم المتحدة لهيئة حظر الأسلحة الكيماوية لدخول دوما من دمشق وقامت بقصف دمشق في فجر يوم السبت14/4/2018 .
وردًا على تصريحات وزير الخارجية الأمريكي تيلرسون حول استخدام غاز الكلور والسارين في الغوطة الشرقية ، صرح دبلوماسي سوري سابق وخبير في العلاقات الدولية أن هذا دليل على هزيمة كبرى للولايات المتحدة، وقد يؤدي الى احتمال قيام الولايات المتحدة بتنفيذ عدوان أو ضربات عسكرية على أهداف في سوريا.
وحول سبب إصرار الولايات المتحدة على استخدام ذريعة الكيميائي بالرغم من الفشل المتكرر في استثماره، قال إن السبب في إطلاق التصعيد هو التغيرات الميدانية الكبيرة التي حدثت على الساحة السورية، الجزء الأول هو هزيمة تنظيم "داعش" والجزء الثاني هو تنظيم "جبهة النصرة" وهي الذراع الأخرى للولايات المتحدة في سورية، هذا من ناحية، ومن ناحية أخرى هو النجاح الكبير لمؤتمر الحوار السياسي السوري في سوتشي وترحيب أوساط دولية وعلى رأسها الأمين العام للأمم المتحدة بهذه الخطوة الهامة التي كما قال هو عنها بأنها ذات معنى جدي.
وبالتالي وجدت الولايات المتحدة وبعض حلفائها كفرنسا وبريطانيا بأن الأمور تسير بشكل متسارع نحو هزيمة كبرى للولايات المتحدة،والجميع يعلم أن سورية أنهت إلتزاماتها بخصوص هذا الملف وتجاه منظمة حفظ الأسلحة الكيميائية والمنظمة نفسها أعلنت أن سورية أغلقت هذا الملف لكن بقيت عدة قضايا وهي لجان التحقيق التي شكلت ,عبر طريقين اولها الأمم المتحدة وثانيها مجلس حقوق الإنسان لإبقاء هذا الملف مرفوعا بمعنى أن يبقى أداة ضغط وإبتزاز سياسية كما تعتقد الولايات المتحدة الأمريكية.
وقد أشار الخبير نفسه انه فيما يخص المواد الكيمائية السامة توجد تقارير دولية حول كيفية وصولها إلى سورية عبر تركيا، وسورية صرحت مرارا وتكرارا أنه ليس لديها هذه الأسلحة وهي بالأصل لاتحتاج إلى إستخدامها ، هذه أصبحت مهزلة تعتمد عليها الولايات المتحدة للإعتداء على سورية .
وهكذا فيما بين نيسان 1991 ونيسان 2018 هناك سبعة وعشرون عاما من الكذب ومئات الآلاف من القتلى وعشرات المدن من الدمار وإذا كانت إسرائيل وأمريكا إكتفيتا بما حل بالثور الثاني سوريا من الدمار فلا ندري لمن تسنُّ السكاكين ومن هو الثور الثالث يا تُرى ؟؟؟؟
اللهم ابعد عنا الشرور مهما صغرت واحمي بلدنا الأردن ارضا وشعبا وقيادة من أيِّ سوء .
ambanr@hotmail.com