22-04-2018 07:22 PM
سرايا -
قام مستكشف القمر المداري Lunar Reconnaissance Orbiter التابع لوكالة ناسا مؤخراً بالتقاط صورة نادرة واستثنائية لكوكب الأرض أثناء تواجده في مدارٍ حول القمر.
وفي وصف الصورة يقول نوح بيترو Noah Petro، أحد علماء المشروع بالإنابة العاملين على مشروع مهمة مستكشف القمر المداري في مركز غودارد لرحلات الفضاء Goddard Space Flight Center في غرينبيلت، ماريلاند: "الصورة مُذهلة بحق! تُعيد هذه الصورة إلى الذاكرة الصورة التي التقطها رائد الفضاء هاريسون شميت Harrison Schmitt للأرض خلال رحلة أبولو 17 قبل حوالي 43 عاماً. سُمّيت تلك الصورة بـ "الجوهرة الزرقاء" (Blue Marble) وتظهر قارة إفريقيا بوضوح في كلتا الصورتين."
في هذه الصورة المُركّبة يمكننا رؤية كوكب الأرض وهو يُشرق فوق الأُفق القمري من منظور المركبة الفضائية التي التقطت الصورة.
يقع مركز الكوكب في هذه الصورة عند ساحل ليبيريا ( تحديداً عند 4.04 درجة شمالاً، و12.44 درجة غرباً) أما المنطقة الكبيرة ذات اللون المائل للسُمرة الواقعة في الجهة العلوية اليُمنى فهي الصحراء الكُبرى، وبعدها قليلاً يُمكن رؤية المملكة العربية السعودية. أيضاً يُمكن رؤية سواحل الهادئ وسواحل قارة أمريكا الجنوبية إلى يسار الصورة.
أما على القمر فنرى جُزءاً من فوهة كومبتون crater Compton الواقعة وراء الطرف الشرقي للقمر، أي في الجانب البعيد منه. أُطلِق مستكشف القمر المداري في 18 يونيو، 2009، ومنذ ذلك الوقت جمع كنزاً من المعلومات والبيانات لا يُقدّر بثمن باستخدام أدواته السبع القوية، ما أسهم بشكل كبير في زيادة معرفتنا بالقمر. بسبب مداره حول القمر، يحظى مستكشف القمر المداري بفرصة رؤية شروق الأرض 12 مرة في اليوم الواحد، لكن المركبة تكون في أغلب الأحيان مشغولة بتصوير سطح القمر، لذا فمن النادر جداً أن تقوم معدات المركبة بتصوير الأرض بهذه الطريقة.
في بعض الأحيان، تقوم المركبة بتوجيه معداتها باتجاه الفضاء الخارجي بهدف رصد الغلاف الجوي القمري الرقيق للغاية وتنفيذ عمليات معايرة المعدات، وخلال هذه العمليات قد تقع الأرض (أو بعض الكواكب الأخرى) في نطاق رؤية المركبة وبالتالي يتم التقاط صورٍ دراماتيكية كالتي ترونها هنا. تم إعداد الصورة من خلال تركيب سلسلة من الصور التي التُقطت بتاريخ 12 أكتوبر/تشرين الأول عندما كانت مركبة مستكشف القمر المداري على بُعد 83 ميلاً (134 كيلومتراً) فوق فوهة كومبتون الواقعة في الجانب البعيد من القمر.
إن التقاط صورة للأرض والقمر بواسطة كاميرا مستكشف القمر المداري هي مهمة مُعقدة، إذ على المركبة أولاً أن تُحلّق بشكل جانبي (في هذه الحالة تكون درجة ميلانها 67 درجة)، ثم تقوم المركبة بالانزلاق جانبياً على طول مسار رحلتها حول القمر من أجل زيادة عرض الأفق القمري في الصورة التي ستلتقطها الكاميرا ضيقة الزاوية Narrow Angle Camera الموجودة على متنها. كل هذه التعديلات تتم أثناء تحليق المركبة فوق القمر بسرعة تزيد عن 3,580 ميلاً في الساعة (أي أكثر من 1,600 متراً في الثانية).
تلتقط الكاميرا ضيقة الزاوية الموجودة على متن مستكشف القمر المداري الصور باللونين الأبيض والأسود، في حين تلتقط الكاميرا واسعة الزاوية Wide Angle Camera ذات الدقة الأقل صوراً بالألوان، لذا قد تتساءلون كيف حصلنا على صورة عالية الدقة للأرض وبالألوان. الجواب: لأن الأرض، والقمر، والمركبة الفضائية تتحرك معاً في الفضاء، فقد كان علينا تنفيذ بعض عمليات المعالجة الخاصة من أجل تشكيل صورة تُمثّل مشهد الأرض والقمر في لحظة زمنية معينة. تحتوي الصورة النهائية للأرض على كلّ من بيانات الكاميرا ضيقة الزاوية والكاميرا واسعة الزاوية معاً، حيث تُوفّر الكاميرا واسعة الزاوية الألوان، في حين تمنح الكاميرا ضيقة الزاوية الدقة العالية والتفاصيل للصورة النهائية. وفي هذا الصدد يقول مارك روبنسون Mark Robinson من جامعة ولاية أريزونا في تيمبي والباحث الرئيسي العامل على بعثة مستكشف القمر المداري: "لطالما كانت مشاهد شروق وغروب القمر من الأرض من المشاهد المُلهمة والجميلة. لكن رواد الفضاء على القمر سيرون مشهداً مُختلفاً تماماً، فحين النظر إليها من سطح القمر تظهر الأرض ثابتة في نقطة معينة فوق الأفق، فهي لا تُشرق ولا تغرُب، والسبب هو أن القمر مُقيّد مدارياً حول الأرض (أي أنه لا يُظهر سوى وجه واحدٍ منه للأرض) لذا لن تتحرك الأرض حوله.
سيكون بإمكان رواد الفضاء في المستقبل رؤية دوران الأرض حول نفسها وكذلك رؤية حركة الغيوم وتشكّلها بأشكال مختلفة. من ناحية أخرى، لا يمكن رؤية الأرض من الجانب البعيد من القمر لأنه، كما قلنا، القمر مُقيّد مدارياً بالأرض.
لكم أن تتخيّلوا سماءً من دون أرض أو قمر – تُرى ماذا سيكون شعور رواد الفضاء عندما يكونوا في الجانب البعيد من القمر ولا يرون الأرض في السماء فوقهم؟ التقطت ناسا أول صورة لشروق الأرض من سطح القمر باستخدام المركبة الفضائية القمرية المدارية 1 Lunar Orbiter عام 1966، لكن الصورة الأكثر شُهرة كانت تلك التي التقطها طاقم بعثة أبولو 8 التابعة لوكالة ناسا لشروق الأرض عندما دخلت مركبتهم المدار حول القمر في ليلة عيد الميلاد في الـ 24 من شهر ديسمبر عام 1968.
في ذلك المساء قام رواد الفضاء – القائد فرانك بورمان Frank Borman، وطيّار وحدة القيادة جيم لوفيل Jim Lovell، وطيّار الوحدة القمرية ويليام أنديرس William Anders – بنقل بثٍ حيٍّ من المدار القمر التقطوا فيه صوراً مباشرة للأرض والقمر كما رأوها من مركبتهم الفضائية. وحول ذلك اليوم يقول لوفيل: "تلك الوحدة الشاسعة والفراغ تُثير الدهشة والعجب وتجعلك تُدرك الأمور التي عرفتها هناك على الأرض".