01-05-2018 09:53 AM
بقلم : أ.د رشيد عبّاس
نتيجة لأسباب عديدة وطارئة منها اعتصام المعلمين غير المبرر وغير ذلك من اسباب واقعية فقد يدفع بعض الاوساط التربوية تعليق جزئي او كلي للدراسة ليوم او لأكثر من يوم فيما يتسبب عن ذلك ما يسمى بــ(الدروس الضائعة) للطلبة, وان العمل على تعويضها هو حق مشروع من حقوق الطلبة, ومثل هذه الدروس الضائعة في الانظمة التربوية الواعية والمدركة لأهميتها لا يمكن باي شكل من الاشكال ان تهمل او تترك هكذا انما تحسب بدقة متناهية اما عن طريق عدد الحصص الضائعة او عن طريق عدد الايام الضائعة, وتُبرمج بالدقيقة وبالثانية ليتم متابعتها وتعويضها فعليا بطريقة مثلى عن طريق برامج محددة ومعلنة للطلبة وللمجتمع المحلي للمدرسة,..مع مراعاة ان لكل منطقة تعليمية او لكل مدرسة خصوصيتها في حصر هذه الدروس الضائعة وتعويضها.
للأسف الشديد مثل هذه الآليات غائبة تماما عن واقعنا التربوي ويفتقر لها ميداننا التربوي, وان اول خطوة من هذه الآليات هو اصلا غير موجودة في ثقافتنا التعليمية والمتمثلة في حصر الدروس الضائعة اثناء الفصل الدراسي من خلال عدد الحصص او عدد الايام الضائعة, وبالتالي غياب فكرة برامج التعويض نهائيا, ويمكن الكشف عن ذلك ببساطة عن طريق زيارة اية مدرسة والطلب من ادارتها احضار ملف حصر الدروس الضائعة الغير موجود اصلا وبرامج تعويضها, الامر الذي قد يثير تساؤلات حول مدى متابعة مركز الوزارة لمثل هذه القضايا في نظامنا التربوي بشكل عام,..ان غياب المتابعة في هذا الشأن يترتب عليه ضررا مباشر لأبنائنا الطلبة, والسؤال المطروح هنا هو ما مصير مجموعة الدروس الضائعة اثناء الفصل الدراسي لسبب او لآخر لدى ابناءنا الطلبة في مدارسنا المنتشرة في كافة ارجاء الوطن, ثم هل تم حصرها بالحصة او باليوم, ثم هل تم وضع برنامج لتنفيذ تعويضها, وهل اولياء الامور والمجتمع المحلي للمدرسة بصورة الامر, والسؤال الاهم هو هل لدى وزارة التربية والتعليم المجموع الكلي للدروس الضائعة على مستوى الوطن اثناء الفصل الدراسي, من اجل تحليل هذا الوضع ومن ثم وضع خطط الاصلاح التربوي في هذا الجانب.
وبلغة الاحصاء وعلى سبيل المثال لا للحصر,..وللأسف الشديد كان يوم الخميس الموافق 26 / 4/ 2018م يوم تعليق جزئي للدراسة دعت له نقابة المعلمين للأسف الشديد وبالذات بعد الحصة الثالثة, والسؤال هنا هل لدينا كوزارة احصائية لجميع مدارس المملكة بعدد الدروس الضائعة نتيجة هذا التعليق, وهل تم معرفة الدروس الضائعة مفصلة كمواد وكمباحث دراسية, وهل تم وضع برامج لتعويضها, ومن سيتابع تنفيذ ذلك على ارض الواقع,..اعتقد ان الاجابات على مثل هذه الاسئلة ليس سهلا, ويحتاج الامر منا العمل الجاد والدؤوب, ولكم ان تسحبوا ذلك على اسباب اخرى مؤدية الى ضياع الدروس, وبحسبه بسيطة يكون قد ضاع يوم الخميس الموافق 26 / 4/ 2018م ما لا يقل عن(9000) حصة صفية في جميع مدارس المملكة, وهذا يعني ان هناك ما لا يقل عن (400000) دقيقة قد ضاعت, وهذا يشكل ما لا يقل عن (6000) ساعة قد ذهبت مع ادراج الرياح بعد الحصة الثالثة من يوم الخميس الموافق 26 / 4/ 2018, وهذا الحجم من الساعات يمكن ان نحل من خلاله(40000) مسألة رياضية تتعلق بالسرعة والتسارع في الفضاء, وهنا يجب ان نقول من المسؤول عن هذا الهدر؟
على وزارة التربية والتعليم بشكل عام وعلى نقابة المعلمين وعلى المعلمين انفسهم ان يعوا ان اضراب المعلم واعتصامه الجزئي في شكله والكلي في مضمونه سينتج عنه عدد كبير جدا من (الدروس الضائعة) على مستوى وطننا العزيز وهذا ليس من مصلحة الجميع, في الوقت الذي لا يوجد فيه لدى وزارة التربية والتعليم ولا ادارات المدارس وهيئاتها التدريسية ولا حتى لجان المجتمع المحلي لا يوجد برامج وآليات واضحة المعالم لحصر مثل هذه الدروس الضائعة وتعويضها على الاطلاق, وان كان هناك بعض الشيء الذي لا يذكر من تقديم تعويضا للدروس الضائعة بشكل عشوائي بهدف إسكات بعض اصوات الطلبة اللّحوحين في بعض الغرف الصفية, فإنها تتسم بالحشو والتسرع للمعلومات والذي سيكون له نتائج سلبية على الطلبة وبهذا نكون قد انقصنا حق من حقوق الطلبة الموجودة في اعناقنا.
وبعد.., فان منظومة التعليم هي كل متكامل, تأخذ في حسابها حتى القضايا البسيطة في شكلها, والعميقة في مضمونها كـ(الدروس الضائعة) من خلال حصرها وتعويضها ومتابعة ذلك اولا بأول, كي نُكسب هذا الجيل جيل المستقبل الواعد من خلال منظومة التعليم ثقافة المحافظة على كل شيء وعدم التفريط باي شيء, وهذا يحتاج الى فكر تربوي يتبنى منظومة تعليم متكاملة لغرس قيم الولاء والانتماء, والعمل على التخلي عن مقولة هذه مسؤولية من كان قبيلي, او مسؤولية من هو غيري, او مسؤولية من سيأتي بعدي, فالمسؤولية في منظومة التعليم هي مسؤولية الجميع, مسؤولية من هم قبل ومن هم اثناء ومن هم بعد, وان الدرس الضائع هو وقت ضائع واذا ضاع الوقت ضاع كل شيء معه,..لقد اكد جلالة الملك عبد الله الثاني المعظم بأوراقه النقاشية التي طرحها مؤخرا وبالذات في الورقة النقاشية السابعة اكد ان اصلاح التعليم يتم من خلال منظومة تعليم حديثة متكاملة تتناول جميع الابعاد وهي مسؤولية وامانة من اجل إعداد أجيال الغد, اجيال لا تفرط بشيء مهما كان صغيرا, نعم كل جيل قوي خلفه منظومة تعليم قوية, وكل منظومة تعليم قوية خلفها فكر تربوي شامل فيه رائحة العمق والنضوج والمسؤولية, وهذا هو المطلوب باختصار, لنحقق من خلال ذلك الاصلاح التربوي رؤية ورسالة جلالة الملك عبد الله الثاني المعظم والتي نادى بها جلالته عبر الورقة النقاشية السابعة.