06-05-2018 11:18 AM
بقلم : أ.د.عدنان مساعده
بعد صدور قانوني التعليم العالي رقم (17) والجامعات الاردنية رقم (18) لسنة 2018 في العدد 5513 بالجريدة الرسمية حيث أكد قانون الجامعات الاردنية في المادة 3 أن الجامعة الرسمية تتمتع بشخصية اعتبارية ذات إستقلال مالي وإداري الأمر الذي يعطي إدارة الجامعات لتنطلق نحو بناء منظومة تعليمية قائمة على الالتزام بالأنظمة والقوانين وحفظ هيبتها ومكانتها وعدم السماح بتجاوز هذه التعليمات والإستقواء عليها والقفز فوق أسوارها دون رادع كل ذلك بسبب المجاملات الإدارية وسياسات الإسترضاء من جهة والتذرع بالحرية الأكاديمية التي يساء استخدامها من قبل البعض من جهة أخرى وعدم المساءلة من جهة ثالثة حيث انعكس ذلك على منظومة التعليم التي من اؤلوياتها تحقيق غايات التعليم العالي والبحث العلمي الأصيل واخلاقياته وغرس قيم تربوية وسلوكية إيجابية راسخة لدى عضو هيئة التدريس أولا الذي يفترض أن يكون القدوة للطالب قولا وسلوكا وتصرفات. ولندرك أن نجاح أية جامعة أو مؤسسة لا يرتبط بشخص رئيسها وحده وإن كان سلامة الاختيار مهما وضروريا، فالنجاح لا يتحقق لأية مؤسسة الا بإدارة وإرادة فاعليتين يحيط بهما فريق منتم للعمل المؤسسي البعيد عن المصالح الذاتية والشلليلية التي تمارس للأسف من قبل البعض. والأمل المرتبط بالعمل معقود على ادارة الجامعات أن يتم البناء على كل تجربة ناجحة ومراجعة التشريعات بازالة التشوهات واستبدالها بتشريعات تنهض بالمسيرة التعليمية التي تسد كل الفراغات والثغرات وغلق الأبواب التي كان يستغلها المستغلون لمصالحهم تحت عناوين براقة خالية من المحتوى والمضمون.
إن القانون الجديد للجامعات الأردنية يضع جميع العاملين في الجامعات أمام مسؤولياتهم بأمانة مترفعين عن ظاهرة الإستقطاب السلبي والمناكفة المدمرة والتقوقع حول المصالح الخاصة على حساب المؤسسة الأمر الذي يضر بالعمل المؤسسي مما يستدعي إعادة الأمور إلى سكتها الصحيحة والمساءلة والجرأة في معالجة الأخطاء انى وجدت إستنادا إلى التعليمات والأنظمة والقوانين والأعراف الأكاديمية كي تؤدي الجامعات رسالتها الحقة في إعداد أجيال سوية قوية منتمية لها هوية واضحة تكون قادرة على خدمة مجتمعاتها.
لا يختلف اثنان أن السنوات الماضية شهدت عدم إستقرار في التشريعات الناظمة للتعليم العالي، وكانت خاضعة لأمزجة او ربما لاجتهادات بعض أصحاب القرار دون مراعاة لدراسة متأنية تسهم في وضع تشريعات تتسم بالإستقرار، فبعض وزراء التعليم العالي خلال الفترة الماضية وضعوا تصورات لم تخدم مسيرة التعليم العالي في أردننا الغالي، وكانت الأطر التي تشكل من خلالها مجالس التعليم العالي ومجالس الأمناء يعتريها بعض السلبيات إضافة الى تعد واضح على صلاحيات مجالس الأمناء من قبل مجلس التعليم العالي الامر الذي أضعف أداء مجالس الأمناء التي تقوم بدور شكلي وصوري لم نلحظ إنعكاساتها على جامعاتنا الممتدة في كافة أرجاء المملكة، فضاعت بوصلة التعليم العالي وتراجعت المخرجات، ولم يراع في تشكيل هذه المجالس أحيانا إختيار الأساتذة المؤهلين من بيوت الخبرة والحكمة القادرين على العطاء.
ولنكن اكثر جرأة في الطرح حيث إتخذ البعض من اصحاب القرار التعليم العالي تجارة وما زال ينظر على الوطن والمواطن بمحاضراته التي ملها الناس واكتشف زيفها ومراميها لتحقيق المزيد من التجارة على حساب مخرجات التنمية بمفهومها الشمولي والهام. وأتساءل كما يتساءل غيري من الزملاء الأكاديميين لماذا لا يكون تمثيل لعدد من رؤساء الجامعات الحكومية في مجلس التعليم العالي ليساهموا في القرارات الصادرة ولماذا لا يتم ضخ دماء جديدة من أساتذة الجامعات المشهود لهم بالخبرة والإنجاز والذين ليس لهم إستثمارات في التعليم ممن يحرصون على التطوير الحقيقي البعيد عن التنظير وقوالب المفردات المتكررة التي ملها الوسط الأكاديمي ولم تترك أثرا ملموسا إيجابيا إنعكس على مستوى جامعاتنا والنهوض بها؟
ان التجارب السابقة التي أخطأت أحيانا وأصابت أحيانا أخرى التي تناولت محاور الإستثمار في التعليم وضبط الجودة والنهوض بالبحث العلمي والحاكمية الرشيدة واصبحت هذه المترادفات تتردد في جامعاتنا وكل جامعة تغني على ليلاها دون أن يكون هناك نسق موحد يضبط ايقاع هذه الجامعات التي هي جامعات للوطن كله متذرعين بأن لكل جامعة خصوصيتها ودون مراعاة ان بعض هذه الجامعات تكرر بعضها في التخصصات التي تدرسها فهل يعقل أن يكون في جامعات المملكة مايزيد على ثمانية عشر كلية صيدلة على سبيل المثال لا الحصر، وهل يعقل أن يجلس على مقاعد الدرس في جامعاتنا ما يقارب اثنا عشر الف طالب وطالبة في تخصص الهندسة المدنية فقط، وكيف لنا ان نخطط لهذه التخصصات في ايجاد فرص عمل لهم مستقبلا، وهذا ينطبق ايضا على تخصص الطب البشري حيث يوجد على مقاعد الدراسة ما يقارب عشرين الف طالب منهم أربعة عشر ألفا في جامعاتنا الاردنية، واصبح يلوح في الافق أزمة في استيعاب هذه الاعداد في المؤسسات الصحية التي ترتبط بالامكانات المادية لتشغيلهم. ان التعليم العالي ايها السادة بحاجة الى نقلة نوعية حقيقية وعملية وقرارات جرئية لا تخضع لسياسة الإسترضاء التي يعاني منها قطاع التعليم، وأن القادرين على إحداث هذه النقلة هم المؤهلون والمؤمنون بالعمل المؤسسي وترسيخ مفاهيمه في الوسط الأكاديمي رؤية ومتابعة وواقعا وتنفيذا والذين لا يسعون الى شعبية زائفة ويسمون الامور بمسمياتها بوضوح وصدق والمنزهون عن عمل البزنس والتجارة في التعليم على حساب مسارات التنمية.
فالموضوع ليس مرتبط أيها السادة بأسماء أشخاص هنا أو هناك ، ولكن الأمر يتعلق بمستقبل أجيال ومستقبل مسارات متعددة تهم الوطن الذي اكبر منا جميعا، وليس من الحكمة الإستمرار في النمط الإداري والتقليدي الذي تسيرّه المصالح الذاتية أحيانا وتحكمّه الأهواء والنزعات الشخصية أحيانا اخرى التي تعتبر أن الإدارة الجامعية فترة مشمشية تقرّب من تريد وتبعد من تريد وفق ما تراه هذه الإدارة او تلك دون مراعاة لمصلحة المؤسسة والنهوض بها مما أدى إلى ظهورعادات غريبة في الحرم الجامعي لم نعهدها من قبل مثل العنف الجامعي والتعصب الأعمى والتطرف من قبل البعض أحيانا، والتقوقع حول الذات والجهوية والشللية وتلاقي المصالح الضيقة فضاعت رسالة الجامعات وفلسفتها في بناء الإنسان المتزن الراقي بفكره وعلمه وتصرفاته بحثا وراء الماديات بإسم الإستثمار في التعليم على حساب بناء الانسان التائه في هذا الزمن المتلاطم الأمواج وسعيا لإستقطاب العناوين المستوردة التي نتغنى بها دون فهم لمعانيها ودون تطبيق لمضامينها أو مقاصدها ودون مراعاة لثقافتنا وبيئة مجتمعاتنا، فأصبح شبابنا مقلدا ولم يعد يعيش واقعه وذابت شخصيته الثقافية في ظل ما يعرف بالعولمة التي لم تنجح جامعاتنا ومدارسنا بل وبيوتنا في كيفية التعامل معها وتوظيفها بما يخدم مستقبل هذه الأجيال.
إنها دعوة لأن تراعي التشريعات كل هذه السلوكيات لنعيد أبناءنا إلى جادة الصواب ولتؤدي الجامعات والمدارس دورها في بناء الإنسان السوي الواعي والمسؤول، لأن بناء الإنسان أفضل وأجدى بكثير من بناء البنيان. وبمنتهى أمانة المسؤولية لم يعد ينطلي على الوسط الأكاديمي تلك العناوين التي تبدو في ظاهرها براقة ومضيئة ولكنها في حقيقىة الأمرجوفاء في مضمونها حيث نجد نفرا من المنظرين الذين جرّبتهم الساحة الأكاديمية يقترحون وبإستمرار في قوالب لغوية جاهزة ويتلونون حسب الموقف وحسب المشهد الذي أمامهم فاذا كانت النتيجة جيدة فيهم ينسبون ذلك الى عبقريتهم التي عز نظيرها، وإذا كانت غير ذلك فيلقون باللائمة على غيرهم ويتنصلون بل ويكذبون ويشوهون صورة الآخر والله يعلم وهم يعلمون أنهم كاذبون وأن ما يقومون به ما هو الا سراب يتلوه سراب يحسبه الظمآن ماء.
نعم، ان الاستفادة من التجارب تدعونا لتأسيس مرحلة قادمة توقف التراجع الذي حل في قطاع التعليم الذي تصرف به البعض كأنه مزرعة خاصة له متجاهلين أن تقدم الوطن مرتبط بالتعليم المدرسي والجامعي، ولتكن أبواب التشريعات واضحة ومفتوحة لكل ما من شأنه النهوض بهذا المرفق الهام الذي يشكل ركنا أساسيا في عملية البناء والتقدم في أردننا الغالي حيث يوجه جلالة الملك دائما لإحداث نقلة حقيقية في التعليم في كل مراحله، فهل نرتقي بذلك ونحقق ما يطمح اليه جلالة الملك بالعمل الصادق والجهد الدؤوب والتفاني من أجل مستقبل الأجيال ومستقبل الوطن الذي يشكل التعليم والتعليم العالي الركن الأساسي للتقدم والنهضة وبناء الإنسان المؤمن بربه والمنتمي لوطنه وقيادته الهاشمية. وحمى الله أردننا إنسانا ومقدرات ومؤسسات، ودام جلالة الملك عبد الله الثاني سيدا وقائدا.