28-05-2018 02:33 PM
بقلم : أ.د رشيد عبّاس
جدتي «فاطمة» رحمها الله لم تكن مطربة مشهورة على خشية المسرح, ولم تلبس ثوب الفراشة الشفاف زهري اللون يوما من الايام,..وليس لجدتي فاطمة مديرا لأعمالها الفنية,..نعم جدتي لم تدخل معهد الموسيقى العالي لتتعلم النوته الموسيقية او السلّم الموسيقي ودرجاته النغمية, اذكر انه في احد الايام وبالتحديد عندما كنت في الصف الخامس قرأت لجدتي رحمها الله درجات السلم الموسيقي بصعوبة بالغة وبسرعة فائقة (دو- ري- مي - فا- صول - لا- سي) فكأنها سمعت وكانت تعاني من ضعف شديد في حاسة السمع انني قلت لها: (رموا صحن الفاصوليا على رأسي), حتى انها انتفضت واستنفرت واستدعت والدتي على الفور للتحقيق معها ولتستفسر عن وضع الفاصوليا وقتها وكيف وقعت الحادثة, ومن قام بها ؟ واردفت قائلة : وشّو صار بالصحن.
جدتي «فاطمة» غنّت للمطر حين نزل على سهول اربد, وحين نزل على سهول الكرك, وحين نزل على سهول مرج بني عامر/ حيفا وغنّت لسنابل القمح في مأدبا وفي السلط وفي جنين, جدتي فاطمة غنّت للأرض كل الارض الواقعة ما بين القدس وعمان, غنّت في الحقل وهي تحصد وبيدها المنجل, وغنّت في الطابون وهي تخبز وبيدها رغيف الخبز,..وغنّت وغنّت وغنّت, والمتفحص لأغاني جدتي فاطمة يجد دون ادنى شك ان اغانيها تدور حول التمسك بالأرض وحب الارض, كيف لا وقد غنت للسهول وللسنابل وللخبز, نعم غنّت وبيدها المنجل,..جدتي فاطمة غنّت بصوت خافت كقنديل غرفتها القديمة غنّت اغنية اردن الجبهات السمراء, وغنّت اغنية وين على رام الله, غنّت كل ذلك على صوت )المزاريب), وعلى صوت (بابور الكاز) نمرة (4).
في المقابل هناك سيدة اسرائيلية متقدمة في السن تدعى «راعوث» قبل فترة من الزمن رددت اغنية متداولة لنشطاء إسرائيليين يهود هاربين من اسرائيل كهجرة معاكسة كانت الاغنية بعنوان (شالوم شالوم,..وداعاً أرض العسل)، وتقول كلمات الأغنية: وداعاً وداعاً أرض العسل، ها نحن نغادرك، فنحن لم نجد فيك سوى الحزن، ففي رحابك لم نجد سوى الموت، لا لا لم نأت هنا لكي نموت، فنحن خلقنا من أجل أن نحيا، ونحن نغادرك من أجل أن نحيا، نقول لأرض العسل بعسلك يا نحلة لا تقرصيني، نغادرك للنجاة لأن الدم والقتل يغمرانك, وداعا أرض العسل ها نحن نغادرك للنجاة لأن القتل والدم يغمرك,..نحن لم نجد فيك غير الحزن,..نغادرك من أجل أن نحيا.
السيدة «فيروز» المبدعة وبالرغم من تقدمها في السن مازالت تردد (وسقط العدل على المداخل حين هوت مدينة القدس), ..قبل ايام وبعد نحو (50) عاما تقريبا على اغنية (زهرة المدائن) الأغنية الشهيرة لفيروز والتي غنتها للقدس عقب هزيمة حزيران 1967م,..غنّت فيروز اغنية جديدة للقدس بعنوان (إلى متى يا رب), غنتها بأسلوب الترانيم الدينية, وظهرت السيدة فيروز وهي تغني الأغنية مرتدية ثوبا أسود طويل.
بقي ان نقول: ان السيدات الثلاثة فاطمة وفيروز وراعوث تربطهن روابط عدة منها رابط تقدم السن, ورابط الغناء للارض,..جدتي فاطمة وفيروز غنّتا معاً حبا وتمسكا بالأرض, في حين ان راعوث غنّت هروبا وخوفا من الارض, وشتان ما بين حب الارض والخوف من الارض.