05-06-2018 12:51 PM
بقلم : بسام الكساسبة
يمر الأردن بظروف اقتصادية صعبة غير مسبوقة، تراكمت نتائجها على مدار أكثر من عقدين من الزمن، التي تستدعي تحديد أسبابها بدقة وموضوعية، بعيداً عن قيام بعض النخب الأردنية بتوزيع إتهاماتها يميناً وشمالا بلا تروي، في الوقت الذي تتطلب حساسية الظرف أن تتحلى مواقف هذه النخب بالحكمة، وبما لا يبخس الأشقاء مواقفهم الداعمة للأردن، فالمعروف يقابل بالمعرف وليس بنكرانه.
في الأيام الماضية ومع تصاعد وإتساع المطالبات الشعبية كرد على الصعوبات المعيشية، أخذت بعض النخب خلط الأوراق دونما تمعن وتدبر بأبعاد وحقائق المشهد، حينما ربط بعضهم بطريقة قسرية ظروف الأردن الاقتصادية بمزاعم وقف السعودية مساعداتها عن الأردن كرد على مواقفه الوطنية إزاء القدس وقضاياه الوطنية، وكأن أزمات الأردن الاقتصادية قد نشأت فجأة بسبب هذه المواقف ومنها رفضه نقل السفارة الأمريكية إلى القدس، هذه التحليلات التي تفتقر للصوابية والدقة، منها ما ذكره أكاديمي أردني متخصص في العلاقات الدولية بإحدى أشهر الجامعات الرسمية الأردنية في مقابلة أجرتها معه فضائية الجزيرة المناوئة للسعودية، حينماعلل أسباب الظروف الاقتصادية الصعبة التي يمر بها الأردن: (بأن هناك دولاً من بينها السعودية تريد إخضاع عمان وأن الأردن يدفع ثمن مواقفه تجاه القدس والقضايا الوطنية)، وبعد يومين أي في 3/6/2018 ظهرت إحدى النائبات في البرلمان الأردني على ذات الفضائية حيث قالت: (بأن ما يمر به الأردن من أزمة اقتصادية جاء كثمن يدفعه لمواقفه السياسية، كل هذا الأمر لم يعجب من يسمونهم الحلفاء، وعلينا أن نعيد النظر في علاقاتنا الخارجية وبمن يعبثون بأمن الأردن)، هذه نماذج من الطروحات السياسية لبعض النخب الأردنية، التي تحمل مسؤولية الصعوبات الاقتصادية التي يواجهها الأردن لدول منها السعودية ، ولا تُعرَف أسباب هذه الحملة المتشنجة.
على أية حال؛ تبقى المملكة العربية السعودية الدولة الشقيقة الرئيسية الداعمة والمانحة للأردن، فقد وقفت مع قضاياه منذ ستينات القرن الماضي عسكرياً وسياسياً ومالياً، فقد أرسلت وحدات من جيشها لترابط طيلة عقد من الزمن على حدود الأردن الجنوبية مع الكيان الصهيوني، بهدف تعزيز صمود الأردن في أعقاب حرب حزيران 1967، وهي الداعم الرئيسي لاقتصادنا الوطني في مجالات عديدة، كونها المشغل الأكبر بين دول العالم للأيدي العاملة الأردنية من مختلف المستويات العلمية والفنية، الذين بتشغيلهم حققوا مردودات إيجابية ونافعة للاقتصاد الأردني، منها التخفيف من مشكلة البطالة في سوق العمل الأردني، وتحويلاتهم الضخمة من العملات الأجنبية التي ساهمت بدعم ميزان المدفوعات، وزيادة الإدخار الوطني، وتنمية الإستثمار في القطاعات العقارية والتجارية والخدمية وغيرها، كما تعد السعودية السوق الأول عربياً للصادرات الأردنية، والثاني عالمياً بعد الولايات المتحدة الأمريكية، فقد إستوعبت أسواق السعودية صادرات أردنية في عام 2017 بقيمة 572 مليون دينار، مما يظهر أهمية هذا السوق للمنتجات الأردنية الصناعية والزراعية، كما تعتبر السعودية الداعم الرئيسي للأردن مالياً من خلال ما قدمته ولا تزال من منح نقدية ضخمة للحكومة الأردنية، ومنح عينية ضخمة على هيئة تمويل مشاريع رأسمالية كمساهمتها في المنحة الخليجية بقيمة 1.25 مليار دولار، ومنح تطوير طرق دولية في المملكة منها، منحة تطوير وتوسعة طريق المطار، ومنحة تطوير وتعبيد الطريق الصحراوي من عمان إلى العقبة.
كما تحاول بعض النخب إظهار أن الأردن يتعرض لإبتزاز سياسي بسبب مواقفه الوطنية في مواجهة العدو الصهيوني، لإرغامه على القبول بالتعامل مع هذا الكيان، مع إن الأردن ومصر والسلطة الفلسطينية دخلت بمسار السلام والتعامل مع الكيان الصهيوني منذ أواخر القرن الماضي، وأن قرار نقل السفارة الإسرائيلية من تل أبيب إلى القدس السيء الذكر إتخذه الكونغرس عام 1996، الذي جاء كأحد تداعيات إتفاقيات السلام التي وقعتها مصر والسلطة الفلسطينية والأردن مع الكيان الصهيوني، وأن القرار المشؤوم الذي إتخذه ترمب بنقل السفارة الأمريكية إلى القدس في 6/12/2018، كان تنفيذاً لقرار الكونغرس السيء الصيت الذي إتخذه عام 1996.
أما من الناحية الاقتصادية، ففي دراسة اقتصادية أنجزتها في شهر أيلول/2017 بعنوان: "الاقتصاد الأردني 2000 – 2016 الأزمات، الإستنتاجات، الأسباب، التوصيات"، وهي مجلد يقع في 207 صفحات، أظهرت هذه الدراسة أن الأردن يعاني من أوضاع اقتصادية خطيرة جداً منذ اكثر من عقدين من الزمن، والتي تطورت بمرور السنوات إلى أن وصلت حد الإنفجار في السنوات الأخيرة وقبل قرار نقل السفارة الأمريكية إلى القدس، ومن النتائج الخطيرة التي توصلت اليها هذه الدراسة على سبيل المثال لا الحصر التراجع الخطير في أداء الاقتصاد الأردني الذي يعكسه تراجع ترتيب الأردن التنافسي على المستوى العالمي في مؤشر حصة الفرد من الناتج المحلي الإجمالي من المرتبة 93 من بين 186 دولة من دول العالم في عام 2000 إلى المرتبة 108 في عام 2016، فبينما الدول تتقدم اقتصادياً إلى الأمام يتراجع الأردن إلى الخلف، لكن ما السبب وراء هذه النتائج الاقتصادية السيئة جداً التي كان على نخب الأردن إدراكها ومعرفتها بدلاً من قيامهم بتوزيع إتهاماتهم يميناً وشمالاً على الدول الأخرى؟ السبب بكل تأكيد هو أن أزمة إدارة حادة تجتاح شؤون الأردن الاقتصادية والتنظيمية، فهي أزمة أسبابها داخلية لا علاقة للدول الأخرى بها، ولو أديرت شؤون الأردن الاقتصادية بشكل صحيح لحقق تنمية اقتصادية راسخة وقوية، ولما إحتاج إلى منح ومساعدات الدول الأخرى، بل لأصبح الأردن دولة مانحة للدول الأخرى، ومثال على ذلك سنغافورة التي ليس لديها نفط وغاز، وليس لديها موارد طبيعية وزراعية مثلما تتوفر للأردن، لكنها نجحت بفعل إدارة شؤونها الاقتصادية على نحو صحيح، بتطوير حصة الفرد السنغافوري من ناتجها المحلي الإجمالي من 5 آلاف دولار في عام 1980 إلى 52 ألف دولار في عام 2016، بينما إرتفعت هذه الحصة في الأردن خلال نفس الفترة بقيمة هزيلة جداً من 1.8 ألف دولار إلى 3.9 ألف دولار، مما جعل الأردن من أفقر دول العالم، والفارق في الأرقام بين الأردن وسنغافورة يقابله فارق مماثل بينهما في جودة صناعة القرار الاقتصادي، وهو ما يرتب علينا في الأردن أن نحاسب أنفسنا على هذه النتائج الرديئة قبل أن نحاسب الأشقاء ونلقي عليهم جزافاً مسؤولية حدوث أزماتنا الاقتصادية والسياسية.
هناك علامات إستفهام حول إنخراط بعض النخب بمهاجمة السعودية والتشكيك بمواقفها، في وقت تتعرض فيه هذه الدولة الشقيقة لمؤامرة خطيرة من قبل الإيرانيين وأعوانهم وأتباعهم، فقد سبق لي أن عملت مستشاراً اقتصاديا في سفارتنا في صنعاء لمدة أربع سنوات، أتاحت لي الإطلاع عن كثب على تركيبة المجتمع اليمني السياسية والإجتماعية والاقتصادية والقبلية والثقافية، مما جعلني أجزم أن إيران تخوض حرباً ضد السعودية إنطلاقاً من الأراضي اليمنية بواسطة وكلائها وأتباعها الحوثيين، لذلك فمثلما لدينا أزمة اقتصادية خانقة، أيضا لدى الأشقاء في السعودية واجباتهم الوطنية الضخمة المتمثلة بتصديهم لمشروع التوسع الإيراني في منطقتنا العربية عموماً، وعلى حدودهم مع اليمن خصوصاً، هذا التصدي الذي يستلزم مؤزارة عربية قوية للسعودية وليس شن الحملات الإعلامية عليها والتشكيك بمواقفها.
Email: kasasbehb@gmail.com
1 - |
ترحب "سرايا" بتعليقاتكم الإيجابية في هذه الزاوية ، ونتمنى أن تبتعد تعليقاتكم الكريمة عن الشخصنة لتحقيق الهدف منها وهو التفاعل الهادف مع ما يتم نشره في زاويتكم هذه.
|
05-06-2018 12:51 PM
سرايا |
2 - |
مقال جميل جدا و كلام موزون
|
09-06-2018 11:52 PM
مراد العساف التبليغ عن إساءة |