05-06-2018 02:43 PM
بقلم : رقية القضاة
خرج المسلمون من مكّة مهاجرين إلى الله ورسول،مخلّفين وراءهم الذراري والأموال ،والبيوت والاوطان،في رحلة انخلعوا فيها من ربقة الشّرك،وتابعوا نبيّ الله صلى الله عليه وسلم،في رحلته من البعثة إلى الهجرة ،وقد عقدوا العزم على الاّ يألوا جهدا في سبيل نصرة الله ورسوله ،وألاّ تقعدنّهم الدنيا بما فيهاعن دعوة الله ،وحلّوا بين إخوانهم أنصار الله ورسوله يتقاسمون الرزق والمصير والعمل ،ورسول الله بينهم يستشعر ودّهم ويبادلهم إيّاه ،يربّيهم ويعلّمهم ويزكّيهم،ويمتنّ الله عليهم بفريضة تزكّي القلوب وترتقي بالمشاعر وتزيدهم نقاء واستعلاء على شهوات الدنيا ومهالكها ،فريضة الصّيام [ياأيها الذين آمنوا كتب عليكم الصّيام كما كتب على الذين من قبلكم لعلكم تتقون] فيهلّ عليهم شهر رمضان من السنة الثانية للهجرة وهم صوّم قوّم،عبادا مخبتين يرتقون مراقي الفلاح ساعة بعد ساعة ويوما بعد يوم.
والرسول الحكيم المشفق يدرك مافيه أصحابه من ضيق ذات اليد،وهو يعلم أنهم خرجوا من مكّة صفر اليدين،فلم يكد يسمع بقافلة لقريش يقودها أبو سفيان،عائدة من الشام إلّاويقول لأصحابه :{ هذه عير قريش فيها أموالهم فاخرجوا إليها فلعل الله أن ينفلكموها} ويتنادى المسلمون طاعة لنبيهم ،ويتخلف بعضهم ظنا منهم ان رسول الله صلى الله عليه وسلم لن يلقى حربا مع القافلة ،وهي لا تضم إلاّ ثلاثين أو أربعين رجلا،وخرج الرسول صلى الله عليه وسلم ومعه ثلاثمائة واربعة عشر رجلا،وينجو ابو سفيان بقافلته ،وتسمع قريش بتعرض النبي وأصحابه للقافلة ،وتعلم أنّها قد نجت من المسلمين ،ولكن فراعنة الجهل يأبون إلاّ المسير إلى المدينة المنوّرة ،وقد منّاهم شيطانهم بالحرب والنصر على محمد وأتباعه،وتخرج مكة شياطينها ،وتبعث إلى الحرب كبراؤها ،وتصحبهم القيان ،ليعزفن لهم لحن النّصر الموعود ،وما درى عتاة الشّرك بأن قيانهم ستنوح عليهم ،وأن الرحلة التي ظنّوها فاصلة قاضية على عدوّهم ستجعل منهم نزلاء {قليب بدر} جثثا متبورة،ولكنّهاعقلية الاستعلاء ،ونظرية البقاء للأقوى حين تغفل عن قوّة الله القادر القاهر.
وحين تصل أخبار قريش إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم،ويعرف أنّ الحرب واقعة لا محالة وقد بعدت به الطريق عن مدينته الحصينة ،يستشير أصحابه الذين خرجوا معه،{أشيروا عليّ ايها النّاس} ذلك هو القائد الفذ،وهو يعلم قادة الأمم إلى يوم الدين،كيف تساس الشعوب وتحترم آراء الأفراد ،وكيف يتشاور الحاكم مع شعبه دون ان يغفل رأيا أو يستهين بصاحب مشورة ،فالأمة بحاكمها ومحكومها، بقادتها وجندها ، تخضع لمصير واحد ،ومخاطر مشتركة ،والقادة الذين ينعزلون عن شعوبهم اويسيرون فيها بمشورة غيرها ،إنما يقودونها وأنفسهم إلى الهلاك والعثرات والتراجع ،بكل معانيه ،ويقوم الصدّيق ومن بعده الفاروق فيقولان ويحسنان القول ،ويقف المقداد فيقول: {لا نقول كما قال قوم موسى لموسى إذهب أنت وربك فقاتلا إنّا ها هنا قاعدون،ولكن نقاتل عن يمينك وعن شمالك وبين يديك ومن خلفك} ويسرّالمصطفى صلى الله عليه وسلم ويدعو له بخير.
والرسول يرى شريحة من أصحابه لا يجيبون وهم الأنصار ،فيعيد قوله {اشيروا عليّ ايها النّاس}،ويدرك سعد بن معاذ ان الرسول يقصد الأنصار فيقول:{والله لكأنك تريدنا يارسول الله فيقول: أجل،فقال سعد:فقد آمنا بك وصدقناك،وشهدنا أن ما جئت به هو الحق ،وأعطيناك على ذلك عهودنا ومواثيقنا،على السمع والطاعة لك،فامض يارسول الله لما أردت،فنحن معك،فوالذي بعثك بالحق لو استعرضت بنا هذا البحر فخضته لخضناه معك ،ماتخلف منا رجل واحد،وما نكره أن تلقى بنا عدونا غدا،إنا لصبر عند الحرب صدق عند اللقاء،ولعل الله أن يريك منا ماتقرّ به عينك ،فسر على بركة الله} ويبشرهم رسول الله بالنصر قائلا{لقد وعدني ربي إحدى الطائفتين والله لكأني أنظر إلى مصارع القوم}.
وهناك في بدر وعلى ماءها يشير الحباب بن المنذر على رسول الله صلى الله عليه وسلم بردم الآبار والإبقاء على ماء بدر وحدها في خطة ذكية لمنع الماء عن المشركين ،ويلتف صحابة النبي حوله،وتبدو محبتهم له وخوفهم عليه وسعد يقول له:{يا نبيّ الله ألا نبني لك عريشاتكون فيه ونعد عندك ركائبك،ثمّ نلقى عدوّنا فإن عزّنا الله وأظهرنا على عدوّنا كان ذلك ما أحببنا،وإن كانت الاخرى،جلست على ركائبك ،فلحقت بمن وراءنا من قومنا،فقد تخلّف عنك أقوام ما نحن باشد حبا لك منهم ولو ظنوا أنّك تلاقي حربا ماتخلفوا عنك يمنعك الله بهم ،ويناصحونك ويجاهدون معك} إيه ياسعد! هذه والله هي الاخوة الحقة ،والمحبة الخالصة في الله ،لقد ظننت بإخوانك ما تعرفه في نفسك من حب الله ورسوله، وحق لك أن يهتزّلموتك عرش الرحمن.
وقريش تقبل بخيلها وخيلائها تتعالى على ربّها وتكذّب نبيّها ويراهم الرسول صلى الله عليه وسلم فيدعو ربه قائلا:{اللهم هذه قريش قد أقبلت بخيلائها وفخرها ،تحادّك وتكذّب رسولك ،اللهم فنصرك الذي وعدتني اللهم أحنهم الغداة} ويستغيث الرسول وصحابته بربهم، وهو العالم بهم ،وينزل عليهم الغيث تثبيتا والملائكة مددا ونصرة {وإذيوحي ربك إلى الملائكة أني معكم فثبتوا الذين آمنوا} والصدّيق مشفق على صاحبه وخليله يقول:يارسول الله بعض مناشدتك ربك ،فإنّ الله منجز لك وعدك،ويستبشر وجه الحبيب المصطفى وقد جاءته البشرى من الله القهّار فيقول:أبشر يا ابابكر هذا جبريل آخذ بعنان فرسه يقوده على ثناياه النقع }يعني غبار المعركة،
وتنجلي المعركة عن شهداءعددهم أربعة عشر،{جعل الله أرواحهم في الجنّة في طيور خضر،تسرح في الجنّة ،فبينما هم كذلك إذ اطّلع عليهم ربّهم اطّلاعة فقال:ياعبادي ماذا تشتهون؟فقالوا ربنا هل فوق هذا شيء؟فيقول:يا عبادي ماذا تشتهون:فيقولون بعد الرابعة:تردّ ارواحنا في أبداننا فنقتل كما قتلنا}.
ويقذف العتاة الجبابرة في القليب ويخاطبهم النبيّ الذي كذبوه ،ومكروا به ،وآذوه في نفسه ودينه واصحابه وأخرجوه من بيته وأهله وعشيرته،فأخرجه ربه بالحق ليقتلهم بالحق وينتصر الحق،وهاهو يناديهم{يا أهل القليب هل وجدتم ما وعد ربكم حقا ؟فإنّي وجدت ما وعدني ربي حقا،فيقول الصحابة يارسول الله هل يسمعون ما تقول ،فيقول،ما أنتم بأسمع لما أقول منهم ،ولكنّهم اليوم لا يجيبون}وتسبق البشارة رسول الله صلى الله عليه وسلّم وأصحابه إلى المدينة،ويحلّ الله الغنائم لنبيه والمسلمين وقد كانت محرّمة على الأمم من قبل ،وتتوالى بركات النصر والتضحية الخالصة لله وتتجلّى أنوار الرضى لأولئك الذين قاتلوا عن يمين المصطفى وشماله نوتصدّوا لاعداء الله ولم ينكصوا على اعقابهم فيقول فيهم نبيهم صلى الله عليه وسلم [اطّلع الله على أهل بدر فقال:اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم] ولكنّهم ما عملوا بعدها إلا خيرا لقد مضوا مع نبيهم يحملون بشارتهم في قلوبهم وسيوفهم في أيديهم ومصاحفهم في صدورهم ،يرتقون المعالي ويجوبون الآفاق يعلون ان لا إله إلّا الله وأن محمدا رسول الله