14-07-2018 09:43 AM
بقلم : أ.د رشيد عبّاس
المباني والمنشآت الخرسانية المُسّلحة مثلها مثل اية سلعة او اية منتج غذائي نتناوله كل يوم, فالسلع والمنتجات الغذائية لها تاريخ انتاج ولها تاريخ انتهاء,..وكذلك المباني والمنشآت الخرسانية المُسّلحة لها تاريخ بداية ولها تاريخ نهاية وهذا ما يسمى بلغة البناء بـ(العمر الافتراضي) للبناء او المنشأة, والسؤال المطروح هنا هل لدينا في الاردن ما يشير الى العمر الافتراضي للمباني والمنشآت الخرسانية المُسّلحة التي نسكن فيها او نعمل بها؟..في الوقت الذي تهتم فيه كثير من الدول في هذا الامر حفاظا على ارواح مواطنيها وسلامتهم,..اعتقدُ جازما ان كثير منا يجهلُ قضيتين بالنسبة للمباني والمنشآت الخرسانية المُسّلحة التي نسكن فيها او نعمل بها, القضية الاولى هي جودة وكفاءة البناء الذي نسكن فيه او نعمل به, والقضية الثانية تتمثل في العمر الافتراضي للبناء الذي نسكن فيه او نعمل به.
واحدة من نظريات الهندسة المعمارية تنص على ان (العمر الافتراضي) للمباني والمنشآت الخرسانية المُسّلحة التي نسكن فيها او نعمل بها يتناقص يوم بعد يوم حتى يصل الى نقطة الصفر, وهذا يعني اننا بعد فترة من الزمن سنكون امام مباني ومنشآت خرسانية مُسّلحة آيلة للسقوط مالم يتم معالجة ذلك إما بالإزالة أو بالترميم او غير ذلك من معالجات هندسية يعرفها اصحاب الاختصاص,..لقد تنبّهت كثير من الدول المتقدمة لمثل هذه القضية من خلال كتابة وتوثيق العمر الافتراضي للمباني الجديدة في لوائح خاصة, والعمل على حصر المباني والمنشآت القديمة والتي تعذر معها معرفة تاريخ بناءها او انشائها, من اجل تحديد العمر الافتراضي لها.
يُقّدرُ اصحاب الاختصاص (العمر الافتراضي) للمباني والمنشآت بــ(50) عاما تقريبا,..مع اخذ بعين الاعتبار انه يمكن ان يزيد او ينقص هذا الرقم قليلا, شريطة ان يتم بناء وتشّييد المباني والمنشآت بطريقة تراعي جودة وصلاحية كل من المواد الانشائية وغيرها من المواد الداخلة فيه, وبالإضافة لمطابقة البناء والمنشأة للشروط والمواصفات المعيارية العالمية, مع مراعاة عدم اجراء اصلاحات رئيسية طول هذه الفترة, ويستثنى من ذلك تنفيذ اعمال الصيانة الدورية والوقائية اللازمة لهذه المباني والمنشآت,..ويؤكد اصحاب الاختصاص ان العمر الافتراضي للمبني يختلف من دولة الى اخرى وذلك حسب اللوائح والنظم بتلك الدول كما ان العمر الافتراضي للمباني والمنشآت العامة يختلف عن العمر الافتراضي للمباني والمنشآت الخاصة لأن العمر الافتراضي يعتمد علي ضرورة عمل الصيانة الدورية اللازمة وعدم المساس بالتعديلات الجوهرية بالمنشأ كعمل تكسير بالخرسانات او اضافة احمال كبيرة غير محسوبة من قبل وعدم التعرض لأي ظواهر طبيعية خطيرة مثل الزلازل أو الرياح او الفيضانات الخ.
بقي ان نقول على المعنيين بهذا الشأن ان يضعوا خطط وآليات عمل واضحة المعالم للقيام بأعمال الكشف الميداني وكتابة تقارير فنية موضوعية وعمل محاضر مبدئية لمعاينة المباني المتهالكة والآيلة للسقوط واتخاذ القرار المناسبة إما بالإزالة أو بالترميم حفاظا على ارواح المواطنين وسلامتهم, ووضع خطط لمسح جميع المباني الموجودة داخل المحافظات ورصد كل المباني المخالفة والقديمة أو المتهالكة والآيلة للسقوط والتأكد من مطابقتها للمواصفات من عدمه واتباع الإجراءات اللازمة لمنع وقوع حوادث سقوط او ما شابه ذلك لا قدر الله.
كيف لا, في الوقت الذي ينبغي علينا ان نخرج من قضية (العمر الافتراضي) للمباني والمنشآت كي نصل للقرن القادم بكل امان الى ما يسمى بـ(المباني الذكية), وهي مباني ذات أداء عالي من حيث أنظمة البناء والخدمات كالراحة والتدفئة والتهوية وتكييف الهواء والإضاءة وشبكة الأسلاك وأنظمة التحكم والأتمتة والصوت والبيانات والاتصال بالفيديو والسلامة والحرائق والأمن, واكثر من ذلك المباني الذكية مباني فعالة من حيث هيكل وإدارة البناء مع مراعاة استخدام المساحة والمرونة والتجهيزات والصيانة والطاقة والعمل بفاعلية,..نعم المباني الذكية مباني مزودة بشبكة اتصالات ذكية وأنظمة توليد ذكية التي يمكن أن تستخدم مصادر للطاقة المتجددة عن طريق التقنيات المبتكرة (التخزين والتحكم) وتتمتع بالقدرة والملائمة من أجل التحديثات المستقبلية وذات الاهمية.
حتى العناكب - ولله في خلقه شؤون- لديها آليات في ترك بيوتها بعد انتهاء العمر الافتراضي لمثل هذه البيوت! لكن وللأسف الشديد نحن لا نريد ان نصل الى فكرة (العمر الافتراضي) للبناء والمنشآت ولم نقم بمعالجة ما ينبغي معالجته, في الوقت الذي فيه غيرنا تجاوز هذه الفكرة ووصل الى فكرة (المباني الذكية), لينطبق علينا قول ما جاء في كتاب نظرية المعرفة في ضوء المنهج العلمي لــ« كارل بوبر», حيث قال: (الجهل الحقيقي ليس في غياب المعرفة بل في رفض اكتسابها),...والبقية عندكم يا اولي الالباب.