15-07-2018 11:32 AM
بقلم : بسام الكساسبة
تمثل مشكلة الطاقة أحد أبرز التحديات التي تواجه الأردن، ليس بسبب أنه غير منتج للنفط والغاز، بل بسبب ما ألحقه نمط الإدارة التقليدية الذي تدير به هذا القطاع الإستراتيجي، من أضرار بالغة بالاقتصاد الوطني وبالمواطنين على حد سواء، الذي أحد مخرجاته الخطأ في تسعير المشتقات النفطية في السوق المحلية، التي تتناقض مع: أولاً إنخفاض فاتورة المحروقات التي يستوردها الأردن بما فيها النفط الخام ومشتقاته خلال السنوات الأخيرة من 4.4 مليار دينار في عام 2014 إلى 2.5 مليار دينار للفترة من عام 2015 إلى 2017 نتيجة لإنخفاض أسعار النفط الخام في الأسواق العالمية، وثانياً إنخفاض نسبة مستوردات الأردن من المحروقات إلى إجمالي مستورداته من 27% في عام 2014 إلى 17% كمعدل للفترة من عام 2015 إلى 2017، وثالثاً إنخفاض أسعار المشتقات النفطية المكررة Refined products في مراكز تجارة النفط العالمية كسنغافورة وميناء روتردام الهولندي، وموانيء الولايات المتحدة الأمريكية.
في غياب السياسات الاقتصادية الصحيحة، أصبحت مشكلة الطاقة في الأردن من أبرز العوائق أمام تطور الاقتصاد الوطني، فقناعة المسؤولين في الأردن إما أن تكون الدولة منتجة للنفط ، فتحصل على موارد مالية ضخمة، فتصبح ثرية، أو دولة غير نفطية فقيرة باحثة عن المنح والمساعدات والديون الداخلية والخارجية، بل وفوق ذلك يستغل هؤلاء المسؤولون ما لديهم من سلطة لفرض أكبر قدر ممكن من الضرائب والرسوم على المشتقات النفطية ورفع أسعارها أعلى من مستوياتها العالمية، لتصبح من أبرز العوائق أمام تطور الإستثمار، فتشجيع الإستثمار ليس مجرد سرعة الحكومة بإصدار رخصة للمشروع الإستثماري، بل مدى قدرة السلطات على صناعة قرارات رشيدة وصحيحة، ومنها ما يتعلق بتسعير الطاقة والمشتقات النفطية، التي يؤثر إرتفاعها سلبياً على نشاط المستثمرين وعلى قراراتهم وتكاليف إنتاجهم، وطالما أن المستثمرين الخارجيين يجدون دولاً أخرى توفر لهم طاقة كهربائية ومشتقات نفطية بأسعار تقل كثيراً عن مستواها في الأردن، إذاً ما الذي سيشجعهم على الإستثمار في الأردن؟! ونفس الشيء بالنسبة للمستثمرون الأردنيين الذين ليس باستطاعة منتجاتهم منافسة السلع والخدمات المستوردة من الخارج بسبب تأثير إرتفاع أسعار الطاقة في الأردن.
صحيح أن الأردن ليس منتجاً للنفط، لكن كان ولا يزال بإمكانه تحويل التحديات في مجال تجارة وصناعة النفط إلى فرص للنجاح بحكم موقعه الإستراتيجي في وسط إقليم منتج للنفط، مما يعطيه ميزة إستيراده وشحنه وتكريره وبيع مشتقاته بأسعار تنافسية أقل مما تباع بها في الدول الأخرى المستوردة له، لكن ما يحدث العكس، فقد أخفق الأردن في هذا المجال، بينما نجحت العديد من الدول كسنغافورة وهولندا مع أنهما غير منتجتين للنفط، و ليس لديها من مقومات النجاح في مجال تجارة وصناعة النفط أكثر مما لدى الأردن من حيث الموارد البشرية والأمن والإستقرار والموقع الإستراتيجي، فقد إستأثرت سنغافورة بمركز عالمي متطور جداً في تجارة وصناعة وتكريرالنفط وإعادة تصديره إلى مختلف أسواق العالم بأسعار منافسة وبجودة عالية، حتى أصبحت منظمة الأقطار المصدرة للنفط أوبك OPEC تعتبر أسعار النفط المكرر في هاتين الدولتين معياراً لأسعاره على الصعيد العالمي، فقد استوردت سنغافورة نفط خام في عام 2016 بقيمة 48 مليار دولار، وبعد تكريره وتغطية حاجة أسواقها المحلية الضخمة من مشتقاته، صدرت مشتقات نفطية إلى الأسواق الخارجية بقيمة 36 مليار دولار، كما إستوردت هولندا خلال نفس العام نفط بقيمة 48 مليار دولار وصدرت مشتقات نفطية بقيمة 38 مليار دولار، مما يقدم صورة واضحة عن كيفية إستغلال الدول الأخرى للفرص والقدرة على تحويل التحديات في مجال الطاقة والنفط الخام ومشتقاته إلى مكتسبات ومنافع، بينما أخفق الأردن في هذا المجال إخفاقا ذريعاً.
وللدلالة على ما سبق ، ولأن الأمثلة لا تحصى في مجال الإرتفاع الشديد في أسعار المشتقات النفطية في الأردن عن مستواها في الأسواق العالمية المتطورة، ولأن المقام لا يتسع لذكر العديد منها، فسأكتفي بعرض حالتين: الأولى مقارنة الأسعار في شهر شباط من عام 2016 الذي إنخفضت فيه أسعار النفط الخام في الأسواق العالمية حسب بيانات منظمة الأقطار المصدرة للنفط أوبك إلى أدنى مستوى لها في السنوات الأخيرة حيث بلغ سعر برميل سلة أوبكOPEC Reference Basket price معدل 28.7 دولار للبرميل، وعند هذا المستوى بلغ سعر برميل البنزين 95 في موانيء سنغافورة Singapore (Cargoes FOB) خلال نفس الشهر 44.33 دولار للبرميل، أي ما يعادل 3.95 دينار أردني للتنكة، أما في الأردن فقد بلغ سعر البنزين 95 خلال نفس الشهر 13 دينار للتنكة، كما بلغ سعر برميل البنزين 92 في موانيء سنغافورة 41.29 دولار للبرميل، أي ما يعادل 3.68 دينار أردني للتنكة، بينما بلغ سعر بنزين 90 في الأردن 9.9 دينار للتنكة، أما في ميناء روتردام الهولندي فقد بلغ سعر برميل البنزين 98 Rotterdam (Cargoes FOB) نحو 49.48 دولار للبرميل، أي ما يعادل 4.4 دينار أردني للتنكة، كما بلغ سعر برميل بنزين 93 في موانيء الولايات المتحدة الأمريكيةUS Gulf (Cargoes FOB) معدل47.32 دولار، أي ما يعادل 4.2 دينار أردني للتنكة.
أما الثانية ففي شهر أيار من عام 2018 الذي إرتفعت فيه أسعار النفط في الأسواق العالمية، وبحسب بيانات منظمة الأقطار المصدرة للنفط أوبك بلغ مزيج أوبك للنفط خلال هذا الشهر OPEC Reference Basket معدل 74 دولار للبرميل، وعند هذا المستوى بلغ سعر برميل البنزين 95 في موانيء سنغافورة 87.6 دولار للبرميل، أي ما يعادل 7.8 دينار أردني للتنكة، أما في الأردن فقد بلغ سعر البزين 95 خلال نفس الشهر 21 دينار للتنكة، كما بلغ سعر برميل البنزين 92 في موانيء سنغافورة 85.2 دولار للبرميل، أي ما يعادل 7.6 دينار للتنكة، بينما بلغ سعر تنكة بنزين 90 في الأردن 16.30 دينار، علماً بأن بنزين 92 المنتج في سنغافورة هو أجود وأفضل بكثير من بنزين 90 في الأردن، أما في ميناء روتردام الهولندي فقد بلغ سعر برميل البنزين 98 خلال نفس الشهر 96.6 دولار للبرميل، أي ما يعادل 8.6 دينار أردني للتنكة، بينما بلغ سعر التنكة في الأردن 24 دينار، كما بلغ سعر برميل بنزين 93 في موانيء الولايات المتحدة الأمريكية 96.6 دولار، أي ما يعادل 8.6 دينار أردني للتنكة.
يستنتج مما سبق الفوارق الشاسعة بين أسعار البنزين في السوق المحلي وأسعاره في الدول الأخرى مثل سنغافورة وروتردام في هولندا وفي موانيء الولايات المتحدة الأمريكية، حيث يزيد سعر تنكة بنزين 95 في الأردن عن بنزين 95 في سنغافورة خلال شهر أيار 2018 بمقدار 13.2 دينار، كما يزيد بنزين 90 في الأردن عن بنزين 92 في سنغافورة خلال نفس الفترة بمقدار 8.7 دينار للتنكة، ويزيد بنزين 98 في الأردن عن مستواه في روتردام بمقدار 15.4 دينار للتنكة، علما بأن تكاليف شحن النفط الخام من موانيء الدول المصدرة للنفط إلى موانيء سنغافورة وتكريره في مصافيها هي أعلى من مستوياته في الأردن، بحكم أن سنغافورة من الدول ذات الدخل المرتفع جداً التي يصل نصيب الفرد فيها من ناتجها المحلي الإجمالي إلى 57 ألف دولار، وفي هولندا 46 ألف دولار للشخص، بينما تبلغ حصة الفرد الأردني من الناتج المحلي الإجمالي 4 آلاف دولار، مع ذلك فأسعار المشتقات النفطية في سنغافورة وهولندا والولايات المتحدة الأمريكيةأقل بكثير مما هي عليه في الأردن.
مما سبق نستنتج أن الإرتفاع الفاحش في أسعار المشتقات النفطية في الأردن عن مستواها في الأسواق العالمية، كسنغافورة وروتردام والموانيء الأمريكية، لا يوجد تفسير اقتصادي ومنطقي وعلمي صحبح له سوى وجود خلل كبير في مجمل عملية إستيراد النفط الخام ومشتقاته من الخارج وشحنه إلى الأردن وتكريره وفرض الرسوم عليه، مما يتطلب إجراء مراجعة شاملة وتفصيلية ودقيقة لهذه العمليات خلال السنوات الخمس الأخيرة، لتحديد مواطن الخلل فيها وتصويبها،وأن تتولى إنجاز هذه المهمة لجنة وطنية موسعة ممن يعرف عنهم الخبرة والمصداقية والنزاهة،كما وأعلن عن إستعدادي للمشاركة بأعمالها خدمة لأردننا الغالي.
أخيراً؛ من الخطأ قيام الجهات الرسمية الأردنية بمصادرة حق المواطنين في الحصول على مشتقات نفطية بأسعار عادلة ومتناسبة مع مستوياتها العالمية، ومن الخطأ إستخفاف هذه الجهات بالحقائق والمعطيات العالمية المتعلقة بتجارة النفط ومشتقاته بين دول العالم، فالأردن ليس منزوياً على جزيرة نائية غير مكتشفة، أو يعيش لوحده في هذا العالم، كي يفرض مسؤولوه تسعيرة فاحشة للمشتقات النفطية، بل الأردن جزء من منظومة تجارة عالمية، تحكمها معطيات ومعايير وحقائق وعمليات محددة وواضحة، تطبقها جميع الدول مع تفاوت بسيط بينها، وهذا يشمل تجارة النفط والمشتقات النفطية، التي يفترض بالجهات الرسمية الأردنية الإلتزام بها، لتكون أسعارها في الأسواق المحلية قريبة جداً من مستوياتها العالمية.
عمان في 14/7/2018
kasasbehb@gmail.com