22-07-2018 09:08 AM
بقلم : أ.د رشيد عبّاس
سؤال برسم الاجابة موجه الى معالي وزير الاعلام التي نحترمها ونعتز بها, السؤال باختصار ما هي اسباب تراجع الصحافة الورقية لدينا أمام الصحافة الالكترونية,..هذا السؤال اعتقد ان وزير الدولة لشؤون الاعلام والناطق الرسمي باسم الحكومة المحترمة جمانة غنيمات قد اجابت عليه حين قالت (ان الفرصة متوفرة لخلق اعلام دولة ووطن لا اعلام حكومة),..سأحاول هنا تعريف كل من (الصحافة الورقية) و (الصحافة الالكترونية) الموجودة على الساحة الاعلامية لدينا هذه الايام, ومن ثم محاولة تحليل واقع مثل هذه الصحافة الورقية والوقوف على اسباب تراجعها امام الصحافة الالكترونية بجميع اشكالها وصورها في الوقت الحاضر وفي قادم الايام, نعم تراجع واضح ما لم تعيد هذه الصحافة الورقية النظر في منهجها الصحفي وآليات عملها,..الصحافة الورقية هي مطبوعات لها إصدارات تحتوي على مادة إعلامية بصياغة صحافية من أنباء متداولة وآخر أخبار و تحليلات ومقالات وابواب مخصصة لأفرع الكتابة والأدب ويمكن حصرها في هدف النشر والتوزيع,..في حين ان الصحافة الالكترونية هي وسيلة من الوسائل متعددة الوسائط multimedia (غير ورقية) تنشر فيها الأخبار والمقالات وكافة الفنون الصحفية عبر شبكة المعلومات الدولية الأنترنت بشكل دوري وبرقم متسلسل باستخدام تقنيات عرض النصوص والرسوم المتحركة وبعض الميزات التفاعلية ، وتصل إلي القارئ من خلال شاشة الحاسب الآلي، او الهواتف النقالة سواء كان لها أصل مطبوع أو كانت صحيفة الكترونية خالصة.
قبل كل شيء علينا ان نقر ان الصحافة الورقية هي صحافة رسمية الى حد ما, بمعنى انها صحافة حكومة لا صحافة دولة ووطن, وهذا واحد من اسباب ضعفها وتراجعها يوم بعد يوم أمام الصحافة الالكترونية, ومن اجل ان تستعيد عافيتها عليها ان تكون صحافة دولة وصحافة وطن بامتياز, ثم ان الصحافة الورقية والتي هي اقرب ما تكون الى صحافة رسمية او صحافة حكومة لديها (كتّاب) ثابتين لا يتغيروا ابدا وكأن نزلت بكل واحد من هؤلاء الكتّاب الثابتين سورة قرآنية تدعم بقاءهم ككتّاب في الصحيفة الرسمية مع عدم السماح لغيرهم من دخول هذا المضمار,..في الوقت الذي يمّلُ فيه القارئ من اقلام هؤلاء الكتّاب الثابتين كما تمّلُ النحلة من الزهرة حتى لو كانت من النوع الفوّاح, كيف لا والاعلام المتجدد يحتاج الى وجوه جديدة لا وجوه متجددة.
ومن نافلة القول, وعلى سبيل المثال لا للحصر وككاتب وطن لي المئات من المقالات التي تم نشرها في الصحافة الالكترونية, فقد ارسلت يوما الى رئيس تحرير احدى الصحف الرسمية مقالة وطنية تعالج قضية حياتية تتكرر يوميا في وطننا العزيز, فاعتذر رئيس التحرير وقتها للأسف الشديد عن نشرها قائلا بالحرف الواحد: لدينا كتّاب ثابتين! وكأن به يقول لدينا كتّاب موظفين ولدينا صحافة حكومية! وكأن به يقول ايضا لسنا نحن بصحافة دولة او بصحافة وطن! وهنا اطرح جملة من التساؤلات هل المقالة يجب ان تنبع فقط من موظف صحيفة يجلس على مكتب وبساعات دوام معينة, ام هل المقالة يجب ان تنبع من شخص متعاقد مع الصحيفة بشروط معينة, انا افهم ان المقالة ربما تنبع من طبيب اطفال في عيادة خاصة ووافقت شروط النشر, او ربما تنبع من بائع (ترمس) يبيع من على قارعة الطريق ووافقت شروط النشر, او ربما تنبع من رجل مُسّن يجلس على احد الشرفات المطلة على حديقة استضافة عدد من فراشات الصباح ووافقت شروط النشر, فطالما وافقت المقالة شروط النشر, عندها لا يهمنا من هو كاتبها او ما هي طبيعة عمله او من يقف خلفه, فهو ابن دولة ومواطن له وعليه,..والمفارقة الغريبة العجيبة انني وبنفس الوقت ارسلت نفس المقالة الى عدد من الصحف الكترونية المحلية (سرايا, جراسا, كل الاردن, اخبار البلد,...) فتم نشرها في نفس اليوم في كل هذه الصحف الالكترونية في مواقعها دون استثناء, وقد جاءني ردود وتعليقات ايجابية كبيرة جدا حول هذه المقالة ومن منصات مواقع التواصل الاجتماعي, الشاهد هنا ان الانغلاق في الصحافة الورقية في الصحف الرسمية على كتّاب ثابتين سيؤدي دون ادنى شك الى تراجع الصحافة الورقية أمام الصحافة الالكترونية, طبعا مع تأكيدنا دوما على شروط ومواصفات النشر التي يجب ان تراعى في المقالة من اجل نشرها.
اعتقد جازما ان الصحافة الالكترونية هي صحافة دولة ووطن ابوابها مفتوحة ومنضبطة الى حد ما, الامر الذي جعلها تنافس الصحافة الورقية الرسمية والتي ما زالت تراوح مكانها كصحافة حكومة ابوابها مغلقة, هنا الجميع يدعو الى الصحافة المفتوحة والمنضبطة, ونقول على جميع رؤساء تحرير الصحف الورقية دراسة اسباب تراجع الصحافة الورقية أمام الصحافة الالكترونية وقد ارحتهم هنا بتشخيص سببين كما اشرت سابقا الاول كون الصحافة الورقية هي صحافة حكومة لا صحافة دولة ووطن, والثاني كون الصحافة الورقية لديها (كتّاب) ثابتين مع احترامي الشديد لهم,..وبقي عليهم والهاء تعود على رؤساء التحرير البحث عن اسباب اخرى وربما يجدونها هنا وهناك, من اجل الخروج من هذا النفق الضيق, وخلاف ذلك علينا اعادة النظر بمصطلح (رئيس التحرير), كي نصل الى تغيير المنهج الإعلامي بأمن وسلام.