13-08-2018 08:57 AM
بقلم : هيثم المومني
تركيا هذا البلد المسلم العريق الذي استطاع خلال فترة بسيطة بعد استلام حزب العدالة والتنمية بقيادة أردوغان الحكم من أن يفرض نفسه على الخارطة الدولية كدولة قوية يُحسب لها ألف حساب بعد ان أصبح لديها شبه اكتفاء ذاتي، واصبح يُصنّع اسلحته بنفسه، ولديه اقتصاد من اقوى اقتصادات العالم، وبعد أن خلعت العباءة الأمريكية الإسرائيلية بعد أكثر من نصف قرن من التحالفات بينهما، لذلك يعتبر اليوم الذي استلم فيه حزب العدالة والتنمية الحكم في تركيا، هو يوم استقلالها الفعلي، حيث أن تركيا اليوم بقيادة رجب طيب أردوغان لم تعد خاضعة لأوامر واشنطن وتل أبيب كما كانت أيام العلمانيين.
إن العلمانية القومية في تركيا والتي كانت مرتبطة ارتباطا وثيقا مع الجيش، والتي أنشئت في عام 1923 أثبتت انها غير قادرة على حل مشاكل المجتمع التركي في القرن الحادي والعشرين. ولكن لم يستبدلها الشعب التركي بالليبراليين الأشد ميلا إلى الغرب، والذين يعتمدون على أمريكا والغرب منذ ما يزيد عن ثمانية عقود، وإنما اختار الشعب التركي حزب اسلامي وهو حزب العدالة والتنمية، وهذا الاختيار جاء ثمرة لعمل الجماعات والتيارات الاسلامية على مدى عشرات السنوات على ترسيخ المبادئ والأخلاق الإسلامية بخطىً ثابتة بين أبناء الشعب التركي، عن طريق انتشار الطرق الصوفية المحظورة من العلمانيين ودورات القرآن شبه السرية في بداية الأمر، ومن ثم إنشاء الجامعات والمدارس والصحف والقنوات التلفزيونية.. الخ، وعملت الجماعات والتيارات الاسلامية كذلك على ترسيخ الحلم في أذهان الأتراك بإعادة أمجاد الإمبراطورية العثمانية.
لقد كانت تركيا قبل استلام حزب العدالة والتنمية الحكم عام 2002 بلداً علمانياً متخلفاً والحياة السياسية فيها غير مستقرة, وقد حدثت فيها انقلابات عسكرية متكررة من ضباط الجيش، وكانت تركيا تعاني من معدل تضخم عالٍ وفساد أسطوري, وديون خارجية كبيرة، وكان الأتراك يخافون قراءة القرآن بالعربية, لأن الدولة العلمانية التركية في ذلك الوقت كانت تحظر على الشعب التركي أن يقوم بأية شعائر إسلامية باللغة العربية, حتى الأذان كان باللغة التركية, الأتراك في زمن العلمانيين كانوا يغرقون بالجهل بتعاليم الإسلام, فمثلاً كانوا يصلّون بشكل مختلط, أي الذكر بجانب الأنثى. وحتى وقت قريب في تركيا العلمانية كانت الفتيات لا يستطعن دخول المدارس والجامعات بالحجاب، حتى ان ابنة الرئيس الحالي رجب طيب أردوغان، الذي لم يكن وقتها رئيساً بعد، عندما تخرجت من المدرسة بمعدل عالٍ لم تستطع دخول الجامعة، لأنها أصرَّت على ارتداء الحجاب مما دفع والدها (أردوغان) إلى إرسالها خارج تركيا لتكمل دراستها. ورجب طيب أردوغان نفسه لم يَسْلَم من أذى العلمانيين, فقد قاموا بسجنه عندما كان رئيس بلدية اسطنبول, وذلك لأنه قام بقراءة مقاطع من الشعر تمدح العرب والإسلام, وبقي في السجن أربعة أشهر ونصف, وكان العشرات من أبناء الشعب التركي غير الراضين عن الحكم العلماني يزورونه في سجنه يومياً.
الشعب التركي كله اليوم يحب أردوغان كثيراً وأكبر دليل على ذلك تصدي الشعب التركي كامل مؤيدين ومعارضين ووقوفه مع أردوغان عندما حاولت جماعة فتح الله قولن الانقلاب عليه عام 2016، وذلك لأن حزب العدالة والتنمية بقيادة أردوغان رسّخ المبادئ والأخلاق الإسلامية في تركيا، ونهضوا بالاقتصاد التركي، واستطاعوا في أقل من عشر سنوات من التخفيف من مشكلتي الفقر والبطالة في تركيا، وتعديل الدستور أكثر من مرة اخرها التعديلات الدستورية التي نقلت تركيا من النظام البرلماني الى النظام الرئاسي. وأصبحت تركيا في عهد أردوغان وحزبه من الدول المتقدمة في العالم سياسياً واقتصادياً، وكذلك يحب الاتراك رئيسهم أردوغان لأنه سمح لهم كمسلمين أن يمارسوا شعائرهم الدينية بحرية، فمثلاً يُسمح الآن للأتراك بتلاوة القرآن بالعربية، وأصبح الأذان باللغة العربية، وسُمح بالحجاب في الجامعات الدوائر الحكومية، ويتم تخريج العشرات من حفظة القرآن من الأطفال سنويا في احتفال بهيج، وقام أردوغان أيضاً بتشجيع الطلاب والمدرسين وإيفادهم إلى الدول العربية ومنها الأردن، لكي يتعلموا اللغة والعادات العربية من منابعها. أضف الى ذلك إن أردوغان يملك شخصية متواضعة جداً، خاصة مع أبناء شعبه، ويقوم أردوغان في رمضان بتناول وجبة الإفطار بين أفراد الطبقة الفقيرة من أبناء شعبه، وهو كذلك يقوم بجولات متكررة على أفراد شعبه، كما كان يفعل الفاروق عمر رضي الله عنه لتفقد أحوالهم، وعندما يجد عائلة فقيرة يأمر بصرف المساعدات لهم، وهو بذلك يكون قد ساعدهم مادياً ومعنوياً بزيارته لهم.
تركيا الإسلامية المستقلة بقيادة أردوغان، غير تركيا العلمانية التابعة لأمريكا واسرائيل سابقاً، وخاصة في التعامل مع السياسة الخارجية، وهناك عدة دلائل على ذلك، فمثلاً تركيا وعلى الرغم من الضغوط الشديدة من الولايات المتحدة، رفضت المشاركة في احتلال العراق، وكذلك قامت وتقوم تركيا اليوم بانتقاد إسرائيل بشدة، والشعب التركي الآن من أكثر البلدان عداء لأمريكا نتيجة للتحيز المستمر من أمريكا لإسرائيل، ولعلّ من أهم الأسباب التي جعلت السياسة التركية تُغيّر أسلوبها وتتجه نحو روسيا وإيران والصين وبعض الدول العربية، هو مماطلة الاتحاد الأوروبي في منح تركيا العضوية الكاملة. بالإضافة إلى العداء الأمريكي لحكام تركيا الحاليين ومحاربتها اقتصادياً وهو ما ادى الى هبوط سعر الليرة التركية ودفع بتركيا بالتهديد بالانجراف بعيداً عن الولايات المتحدة والتوجه لتحالفات جديدة، وأهم أسباب العداء الامريكي الحالي لتركيا هو رفض الرئيس أردوغان الانصياع والركوع للأمريكان ورفضه الإفراج عن القِس الأمريكي المُعتَقل حاليًّا ويُواجِه تُهَمًا بدَعم الإرهاب. وكذلك إصرار الرئيس أردوغان على شِراء صفقة صواريخ “إس 400” الروسيّة المُتطَوِّرة كبَديلٍ عن صَواريخ “الباتريوت” الأمريكيّة. بالإضافة لمُعارضة الرئيس أردوغان لنَقل السِّفارة الأمريكيّة إلى القُدس المُحتلَّة، والاعتراف بالمَدينةِ المُقَدَّسة كعاصِمةً لدَولة إسرائيل، ودَعم الرئيس أردوغان، لحَركة “حماس″، وإدانَتِه للحِصار المَفروض على قِطاعِ غزّة. وإعلان الرئيس أردوغان مُعارَضته للحِصار الأمريكيّ ضِد إيران، وتأكيدِه بعدم الالتزام بِه، انطلاقًا من مَصالِح تركيا، وحِفاظًا على مِيزان تَبادُلٍ تِجاريٍّ بين البَلدين تَصِل قيمته حواليّ عَشرة مِليارات دولار حاليًّا. وكذلك دعم امريكا للأكراد في سوريا والذين تعتبرهم تركيا ارهابيين وخطر عليها. ومن الأسباب الرئيسة التي عمقت الخلافات بين أمريكا وتركيا هو اختلاف رؤية الأتراك للنظام السياسي العالمي المعاصر، تركيا رفضت أن تكون رِجْلَ طاولة في الخطة التي تُحاك لإيجاد نظام سياسي عالمي معاصر، ورفضت كذلك النظام العالمي أحادي القطب بقيادة أمريكا وهو ما أزّم العلاقات التركية الأمريكية.
ختاماً نتمنى أن يحفظ الله تركيا والشعب التركي والقائد أردوغان، ونحن كمسلمين حزنا كثيراً جراء الازمة الاقتصادية التي تمر بها تركيا، ونتمنى لتركيا المزيد من الازدهار والنمو وان تنتهي هذه الازمة الاقتصادية قريباً جداً، لأن تركيا القوية هي فائدة كبيرة للدول العربية والإسلامية.