20-08-2018 12:18 PM
بقلم : أ.د رشيد عبّاس
لو كنتُ دبلوماسيا معروفا في الشرق الاوسط لبعثتُ «نملة» سليمان عليه السلام لعقد تفاهم سريع بين تركيا وامريكا لحل الازمة الدائرة بينهما هذه الايام, ازمة القس برانسون وما صاحب ذلك من تداعيات حول الليرة التركية,..واسمحوا لي هنا ان اُعرّفكم يا معشر القوم بــ«نملة» سليمان, «نملة» سليمان ليست حشرة صغير فحسب, و«نملة» سليمان ليست كباقي النمل لها بطن وخصر وجذع ورأس وارجل وفكين.., انما هي «نملة» جعلت سيدنا سليمان عليه السلام على عظمته ومكانته بين الملوك في لحظة معينة جعلته يتبسمُ لها ضاحكا من دون جنوده من الجن والانس والطير والدواب.., نعم «نملة» سليمان صغيرة في حجمها سمراء في لونها سعت مع قومها في وادي النمل لطلب الرزق, صغيرة في حجمها لكنها كبيرة في قدرتها على حل المشاكل وادارة الازمات, قدرتها على حوار الاخرين, «نملة» سليمان مدرسة بِلا اسوار في التفاوض, وينبغي ان نتعلم منها نحن معشر البشر ادب التفاوض والتخاطب مع الاخرين, كيف لا وقد نزلت بها من فوق سبع سموات سورة من اعظم سور القرآن, لنأخذ عنـ(ه)ـا والهاء تعود على «نملة» سليمان اجمل الاستراتيجيات في ادارة الازمات وحلها.
«نملة» سليمان لم تقرأ ابدا في كتاب كيف نواجه المشكلات للمؤلف «ويمبي», ولم تأخذ شهادة الدكتوراة الفخرية في حل المشكلات من جامعة اكسفورد, ولم تأخذ في معاهد التدريب دورة بواقع (140) ساعة تدريبية تحت عنوان كيف نخاطب الاخرين بأدب,..انما وبكل بساطة لديها فطرة فطرها الله سبحانه وتعالى عليها في مهارات التخاطب والتفاوض مع الاخرين, فملكت في هذه الفطرة الإلهية قوة لا تتسع لها صفحات الكتب ولا تستوعبها جميع لغات الاتصال والتواصل العالمية في وقتنا الحاضر,..لقد انحاز لها سيدنا سليمان عليه السلام في قوتها على ادارة المخاطر بأبسط الوسائل حين قالت: (وهم لا يشعرون) وخصها سيدنا سليمان عليه السلام ببسمة ليجمع بها الصدقات انتهت بضحكة صادقة غير مصطنعة (صفراء), لم ينالها ذلك «الهدهد» الذي غاب طويلا وجاء بنبأ عظيم, ولا الملكة «بلقيس» بكبريائها المستعار حين ملكت قومها, وحين أوتيت من كل شيء, وحين نَكّروا لها عرشها العظيم.
يبدو ان الازمة بين تركيا وامريكا حاليا هي ازمة (وهم لا يشعرون) فقط,..امريكا همها الاكبر هنا اخلاء سبيل القس برانسون وما ادراكم ما هي افعال هذا القس, وتركيا همها الاكبر هنا مستقبل الليرة التركية وما ادراكم ما قوة هذه الليرة, والبقية الباقية من(المشجعين) على مدرجات مسرح الاحداث همهم تحطيم الزجاج الذي يشبه الزجاج الذي مشت عليه الملكة «بلقيس» وحَسِبَتهُ انه لُجّةً,..نعم تركيا كشفت عن ساق امريكا بماضي برانسون الخطير في الداخل التركي, وامريكيا كشفت عن ساق تركيا بخطورة مستقبل الليرة التركية في المنطقة كل المنطقة, وخرج كلا الطرفين تركيا وامريكا من مساكنهم بدلا من ان يدخلوها كما طلبة «نملة» سليمان من بقية النمل لتحل المشكلة, وما زال الهدهد(*) بين انقرة وواشنطن يطير ويرفرف بجناحيه ويزيد الموقف تعقيدا ويقول كما قال لسيدنا سليمان عليه السلام: (وجئتك من سبأ بنبأ يقين),..المشكلة ليست مشكلة القس برانسون ولا الليرة التركية, المشكلة في من يقوم مقام «نملة» سليمان بين تركيا وامريكا الآن, المشكلة هي بالضبط عدم فهم جميع الاطراف قول الله تعالى: (حتى اذا اتوا على وادي النمل قالت نملة يا ايها النمل ادخلوا مساكنكم لا يحطمنكم سليمان وجنوده وهم لا يشعرون),..المشكلة تنحصر في ادب التخاطب في البر والبحر بين بنو البشر والتي ينبغي ان نتعلمها من تلك «النملة» رحمها الله, ليس إلا.
(*) ملاحظة لأمثال «بلقيس» من الدول العظمى: يقال ان ريش رأس (تاج) طائر الهدهد يجلب الحظ الجيد.., فقد كان الهدهد سببا في انقاذ بلقيس من الكفر ومن الكبرياء ومن العنوسة, وهذا ما تعيشه امريكا هذه الايام كفر وكبرياء وعنوسة فكرية, والبقية عند «نملة» سليمان.