29-08-2018 02:12 PM
بقلم : رولا نصراوين
إن عدالة القضية لا تعني أبداً عدالة المدافعين عنها..! فُربَّ مدافعين يتذرعون باستخدام طرق غير شرعية للوصول إلى أهداف نبيلة تحقق إنجازاً للقضية ! ورُبَّ مشرعين ومحركين للرأي العام يمتلكون مصالح أو منافع شخصية من ورائها...! فكم من مدافعٍ تحول إلى خائن ! وكم من خائن صار رمزاً للقضية ! وكم من قضية فقدت بوصلتها ذلك أن محاميها فاشلين أو طُغاتها قضاة !
ربما أصبحت العدالة في هذا العصر المتضاد حلماً عزيزاً علينا وربما يُسلِّم البعض منّا باستحالة تحقيق العدل، لكن ذلك لا يمنع أبداً أن قضيتنا الأسمى التي نحارب من أجلها قضية عادلة؛ ذلك أننا نعيش في صراع دائم ومرير ما بين إحقاق الحق والإمتثال لقوة القانون للوصول للعدالة.
في الشريعة الإنسانية العدالة تعني وجود قانون وعندما لا تكون هناك عدالة لا يكون هناك قانون، وعندما لا يكون هناك قانون تصبح القوة هي القانون، ويصبح الأقوياء هم القضاة الذين يحكمون بقانون القوة. وقد أثبتت الأنظمة العميلة عبر تاريخنا العربي أنها لا تقف بالعادة إلى جانب القضية إلا لتحاصر مقاوميها والداعين لأسباب استمرارها وتحبطهم ذلك أن كفّة المصلحة تكون في الغالب إلى جانب العدو وهي بالمحصلة تنتهي إلى تشويه صورتهم والتشكك في نواياهم وتضفي عليهم صورة لا تشبههم ولا تتفق ومبادئهم التي لطالما كانوا ينادوا بها.
المحزن بالأمر؛ أننا خسرنا النضال في الشارع حينما اعتقد شبابنا أن الإصلاح يبدأ من الفتات الساقط من موائد صناع القرار وأصحاب الياقات المخملية وافترضنا أن تغيير الإستراتيجيات وتبديل العناوين وأدوار الشخوص المُعلنة للملاء ستُخرج القضيه من عُنق الزجاجة، وخسرنا المجتمع عندما تجاهلنا العقد الإجتماعي على حساب المناطقية والعشائرية والقبلية، وخسرنا الخزينة عندما سلّمنا أموال مؤسساتنا للعابثين وأصحاب السيادة والحصانة، وخسرنا الخطاب الديني عندما سمحنا لأصحاب العمامات بشتى أنواعها وأشكالها أن تتصدر المشهد الديني بالتشريع والتحليل والتحريم كما يحلو لها لا كما تحكمه الكتب والشرائع السماوية، وخسرنا الثقافة عندما دخل المال الأسود على حساب الكلمة الحرة، وخسرنا المنطق عندما تملّك الجنون زمام الأمور !
إن المتأمل في حالة المحاربين أو المتذرعين بالدفاع عن القضية اليوم من أصحاب الأصوات المرتفعة في عالمنا العربي يستطيع وبكل سهولة أن يدرك الفرق بين الصوت الناعق والصوت العالي؛ يستطيع أن يفهم الفرق بين من يمثل ويعتاش على القضية وبين من يدافع بكل جوارحه دون مقابل، بين من يعمل لإرضاء نرجسيته الفارغة وحُب الظهور أمام الكاميرات والرأي العام ليحصل على مركز مرموق أو منصب سيادي وبين من يرغب أن يحقق تقدماً حقيقياً في دفاعه على أرض الواقع.
إن صناعة القضية وظروف نشوئها جميعها تلعب دوراً هاماً في جذب الجمهور وتوسيع القاعدة الشعبية وترميز الشخوص الذين يعشقون لعب دور الضحية بشكل مطلق، وفي كثير من الأحيان يفرحون بتأليه بعضهم كنوع من الثقافة السائدة في مجتمع يتورط فيه الكثيرون من الأتباع في الأنغماس في حبالها لأسباب عاطفية أو منافعية.
لا أعلم لماذا نخسر جميع قضايانا في النهاية حينما نريد الإنتصار؟ ولماذا نرجع خطوات للخلف كلما تحركنا خطوة واحدة للأمام ؟! ولماذا نلوث قدسية القضية بنجاسة المصالح؟! صحيح أن الطريق إلى الجحيم مرصوف بالنوايا الطيبة، لكن في آخرها نار مستعرة وظلم وظلام ! إن من يستخدم قضيّة عادلة في تبرير ظلم القاعدة الشعبية على حساب مصالحه الشخصية ومصالح أصحاب القرار والسيادة والسطوة؛ إنما يمسُّ بعدالة هذه القضية وينفّر الناس منها جميعاً ويبعد المتحالفين عنه ويحبط الولاءات والإنتماء للقضية ويزرع الشك في قلوب الجماهير ويفتح الباب على مصراعيه للتخوين وبالتالي يوقف جدية العمل ويقف عثرة في طريق انتصارها... وكم من رمز للقضية أصبح حجر عثرة لقاعدته الشعبية...
وكم من قاعدة شعبية فقدت بوصلتها بسبب قائد طموح!!