13-09-2018 12:09 PM
بقلم : بسام الكساسبة
بسام الكساسبة
تتميز الدول المتطورة اقتصادياً برسوخ وثبات تشريعاتها، وفي مقدمتها تشريعاتها الاقتصادية والضريبية، فكلما نمت اقتصاداتها بقوة ورسوخ زادات إيراداتها الضريبة بفعل المبدأ التصاعدي للضريبة، أما في الأردن فقد أصبحت كثرة تعديل وتغيير القوانين الاقتصادية وفي مقدمتها قانون الضريبة مشكلة مستدامة للحكومة والمواطنين وللاقتصاد الوطني على حد سواء، حتى غدا تعديل أو تغيير قانون الضريبة هو الشغل الشاغل للحكومات الأردنية المتعاقبة بلا إستثناء، وهذا ناجم عن إفتقار الحكومات المتعاقبة للفرق الاقتصادية الحقيقية القادرة على إدارة شؤون الأردن الاقتصادية، فقد أدى عجز هذه الفرق إلى مجموعة من الأزمات التي يعاني منها اقتصادنا الوطني، وفي مقدمتها ضعف وتواضع حجم الاقتصاد الوطني، قياساً بما حققته الدول الأخرى، فنتيجة لضعف الاقتصاد الوطني إتسمت موارد الحكومة المالية بالضعف الشديد أيضاً، وضعف الاقتصاد لا يمكن الحكومة الأردنية من زيادة إيراداتها الضريبية بشكل واضح مهما أدخلت على قانون الضريبة من تعديلات تتضمن زيادة نسبة الإقتطاعات الضريبية من مداخيل الشركات والمؤسسات والأفراد، فالاقتصاد الهزيل يقدم عوائد ضريبية هزيلة، والعكس صحيح ، حيث الاقتصاد القوي والمزدهر يقدم ضرائب عالية بمرونة عالية.
لجأت الحكومات المتعاقبة بما فيها هذه الحكومة إلى أكثر الحلول فشلاً وخطئاً في مواجهة عجز موازناتها السنوية، وهو الإفراط بزيادة الأعباء المالية على المواطنين، من ضريبة دخل وضريبة مبيعات ورسوم ومخالفات وغرامات وغيرها، مع أن إفراط الحكومة في إستخدام هذا النهج الخاطيء لن يحقق لها سوى زيادة متواضعة جداً في مواردها المالية، فقد أعلن نائب رئيس الوزراء الدكتور رجائي المعشر قبل أيام بأن التعديلات على قانون الضريبة ستحقق للأردن زيادة في الإيرادات الضريبية بمقدار 180 مليون دينار، وهي زيادة هزيلة جداً مقابل أضرارها البالغة على دافعي الضرائب من شركات ومؤسسات فردية وأفراد، الذين تآكلت دخولهم، وتعثرت مشاريعهم واستثماراتهم وأعمالهم بفعل السياسات المالية الفاشلة وغير الرشيدة التي إعتمدتها الحكومات الأردنية المتعاقبة على مدار العقدين الأخيرين.
لقد تمكنت الدول الأخرى من تطوير إيراداتها المالية لأنها إتجهت لبناء اقتصادات قوية وراسخة، ففي سنغافورة التي لا تتجاوز نسبة إيراداتها العامة المحلية إلى ناتجها المحلي الإجمالي 18% مع ذلك حققت هذه النسبة المنخفضة إيرادات مالية بقيمة 54 مليار دولار، أي ستة أضعاف الإيرادات المحلية الأردنية لعام 2017، والسبب في ذلك أن لدى سنغافورة اقتصاد متطور وضخم يعكسه ناتجها المحلي الإجمالي البالغ 304 مليارات دولار إمريكي، مما يمكن حكومة سنغافورة من الحصول على ايرادات عالية بمرونية عالية، وفي اليابان تبلغ نسبة الإيرادات العامة المحلية إلى الناتج المحلي الإجمالي 12% وهي من أقل النسب العالمية، مع ذلك حققت هذه النسبة المنخفضة إيرادات مالية مرتفعة لحكومة اليابان بقيمة 611 مليار دولار، والسبب في ذلك وجود اقتصاد ياباني متطور وضخم يعكسه الناتج المحلي الإجمالي البالغ 4850 مليار دولار أمريكي، أما في الأردن فمع أن نسبة الإيرادات المحلية إلى الناتج المحلي الإجمالي الأردني 23.5% ، ومع ذلك لم توفر هذه النسبة المرتفعة سوى حصيلة هزيلة من الإيرادات المحلية بلغت في عام 2017 ما يعادل 9.5 مليار دولار، والسبب في ذلك ضعف الاقتصاد الأردني الذي يعكسه الناتج المحلي الإجمالي الذي لا يتجاوز 40 مليار دولار، فمشكلة الحكومة الأردنية أنها قامت بدور الجابي "جامع الضرائب" ، ولم تقم بدور راسم وواضع السياسات المالية والاقتصادية الصحيحة والناجعة، ولم تقم بدورها الأساسي المتمثل بتنمية الاقتصاد الوطني وتطويره وتشجيع إستثمارات وأعمال المواطنين وتوفير البيئة الآمنة اقتصاديا لهم، التي تنمو فيها الاستثمارات والأعمال بقوة، مما يمكن المستثمرين من الحصول على عوائد مرتفعة على إستثماراتهم، وحصول الموظفين والعمال على رواتب وأجور مجزية تمكنهم من دفع كمية أكبر من الضرائب والرسوم للحكومة.
مواجهة عجز الموازنة الأردنية لا يتم بإثقال كاهل الشركات والمؤسسات الفردية والأفراد بالضرائب والرسوم والمخالفات ورفع أسعار المنتجات التي تقدمها الحكومة كأسعار المياه والكهرباء والمشتقات النفطية، بل بإزالة جميع أوجه الإنفاق البذخية من قائمة نفقاتها العامة، (وفي مقدمتها نفقات كبار المسؤولين التي لا حصر لها) والتخلص من الكثير من المؤسسات والهيئات العامة المستقلة، التي تشكل حالة طفيلية على المال العام وعلى الاقتصاد الوطني، وإدارة المنح بطريقة صحيحة ونزيهة ورشيدة لإعادة ثقة المانحين بإدارة هذه المنح، كي يتمكن الأردن من إستقطاب المزيد منها.