حرية سقفها السماء

وكالة سرايا الإخبارية

إبحــث في ســــرايا
الثلاثاء ,24 ديسمبر, 2024 م
طباعة
  • المشاهدات: 15092

نريد عدلا .. لا تعديلا

نريد عدلا .. لا تعديلا

نريد عدلا ..  لا تعديلا

18-09-2018 10:29 AM

تعديل حجم الخط:

بقلم : أ.د رشيد عبّاس
في الصف الخامس الابتدائي (ب) كما اذكر, والذاكرة جميلة هنا, كان معلم مادة اللغة العربية رحمه الله, كان لديه تمييز وتحيز واضح تجاه احد طلاب الصف والذي ما زلتُ اذكر اسمه..«يوسف», كان المعلم يطلب من يوسف فقط احضار الطباشير الملونة والمساحة من ادارة المدرسة, وكان يطلب منه فقط حمل دفاتر الانشاء لجميع الطلبة بعد خروجه من الحصة متوجها الى غرفة المعلمين, واكثر من ذلك وصل حد تمييز وتحيز المعلم ليوسف حيث قام المعلم بتعيين يوسف عريفا للصف اثناء استراحة الخمسة دقائق بين الحصص,..كنا بكل صراحة نبحث باستمرار عن اسباب تمييز وتحيز المعلم ليوسف, في الوقت الذي كانت مشاركة بعض الطلبة لا تقل عن مشاركة يوسف داخل الصف, وكانت علامات كثير من الطلبة بفروع اللغة العربية بالمجمل لا تقل عن علامات يوسف.
مرت الايام وتبين لنا ان والد «يوسف» ايضا يمارس نفس الدور الذي يمارسه المعلم مع يوسف داخل الاسرة,..فقد كان ليوسف داخل الاسرة نصيب الاسد في كل شيء, مصروف يوسف اكثر من مصروف باقي اخوته, لباس يوسف مميز عن لباس اخوته, حتى ان والدة يوسف كما سمعنا كانت تمارس تمييزا اشد لصالح هذا الـ«يوسف», فقد كانت تصطحبه معها في زيارة اهلها خلال العطلة الصيفية دون اخوته علما ان ترتيبه كان الاوسط بين اخوته,..لا احد ينكر على يوسف انه كان (حربوك), لكن المعلم ووالد يوسف وحتى والدته قد اضاعوا (حربكت) يوسف بسوء التصرف وعدم اخفاء حبهم له, نعم اضاعوا كل ذلك بتمييزه عن غيره وعلى المكشوف, حتى تولد عند الطلبة الاخرين في غرفة الصف وعند اخوته داخل الاسرة تولد شيء من الحقد والحسد والبغضاء ليوسف.
وأتساءل هنا, الم يقرأ هذا المعلم نظرات زملاء يوسف داخل غرفة الصف, ثم الم يقرأ والد ووالدة «يوسف» تنهدات باقي ابناءهم في الاسرة, كيف لا وعدل المعلم اثناء التعامل مع الطلبة داخل الغرف الصفية مسألة في غاية الاهمية, وكذلك عدل الاباء اثناء التعامل مع الابناء داخل الاسرة مسألة ايضا في غاية الخطورة, وإن التمييز بين الطلبة داخل الغرف الصفية, والتمييز بين الاخوة داخل الاسرة يؤدي إلى الشحناء والبغضاء والغيرة والحقد وحب الانتقام, فالعدل مطلوب لدى الجميع وان يكون الجميع على نفس المسافة من المربين ومن الاباء, وخلاف ذلك يؤدي الى اختلال نظام التعليم داخل الغرف الصفية, واختلال في نظام الاسرة, واختلال في العلاقات التي تربط اعضاء الاسرة بعضهم ببعض, الامر الذي يؤدي الى ما يكدر الصفو, ويعكر طعم العمل والحياة.
اعتقد ان المشكلة ليست بـشخص «يوسف» على الاطلاق, انما المشكلة تقع على عاتق بعض المعلمين وعلى عاتق بعض الاباء في التعامل مع امثال «يوسف», ولا غرابة اليوم ان نجد نماذج حية في اظهار تعميق مبدأ التمييز والتحيز تجاه البعض في مجتمعنا,..وقد نبّهت لذلك المفكرة «فيوليتا نوباور» ذات يوم حول خطورة التمييز في المدرسة او البيت حيث قالت: (تمييز فرد واحد في مكان ما يعني تشكيل فريق كامل من الحاقدين والحاسدين والبغضين مقابل له), وهذا يعني ان امام «يوسف» في يوم من الايام كان فريق كامل من الحاقدين والحاسدين والبغضين مقابل له في الصف وفي الاسرة وربما في المجتمع.
الحكومة.., هذه الحكومة نشهد لها بحق انه ليس لديها «يوسف» حتى الان,.. يكفينا يوسف الغرف الصفية, ويكفينا يوسف الاسرة,..هناك تشوهات في المجتمع سببها التمييز والتحيز للبعض دون البعض الاخر, بقي ان نقول ينبغي ان نعلق صورة (الميزان) ذو الكفتين في كل مكان تقع عليه اعيننا,..في بيوتنا وفي جميع مؤسساتنا, في الشوارع العامة وفي الطرقات وفي الممرات وفي قلوبنا وفي عقولنا, ففي الوقت الذي صنعنا فيه موازين بأشكال مختلفة غير (الميزان) ذو الكفتين اختل العدل لدينا, ولأهمية الميزان في حياتنا اليومية والمعيشية فقد ذُكرت كلمة (الميزان) في القران الكريم في سبع سور وتكررت تسع مرات, ومن هنا فإننا نريد عدلا لا تعديلا.








طباعة
  • المشاهدات: 15092
لا يمكنك التصويت او مشاهدة النتائج

الأكثر مشاهدة خلال اليوم

إقرأ أيـضـاَ

أخبار فنية

رياضـة

منوعات من العالم