15-10-2018 03:45 PM
بقلم : د. سعود فلاح الحربي
د. سعود فلاح الحربي
يراهن كثير من الاردنيين على فشل تجربة مجالس المحافظات (اللامركزية) في ظل التحديات المالية الراهنة, وما زلت اذكر حديثاً للدكتور محمد المانسي في لقاء جمعنا به مع نخبة من العاملين العرب في الادارة المحلية في مجلس الشعب التونسي تموز الماضي, حين قال ان اللامركزية ثقافة مجتمعية, واهم ركائز نجاحها الثقة وكان يقصد ثقة المركز في اللامركز.
نحن في الاردن, نمارس اللامركزية كاسلوب ادارة عامة منذ خمسينيات القرن المنصرم عبر البلديات, واعتقد انه تكوّنت لدى العقل الجمعي ثقافة لامركزية لا باس بها, اما مسالة الثقة فهذا يعتمد بشكل اساسي على مخرجات التجربة الحديثة في اللامركزية عبر مجالس المحافظات, لكن لعل التحدي الرئيس في هذه المرحلة هو تحد الامكانات المادية, ومقدار الحاجة لهذه التجربة, وهل ستكون قيمة مضافة على تجربة البلديات اللامركزية؟ ام ستكون عبئا اضافيا نحمله في الوقت الغير مناسب؟ وهل ستسهم هذه التجربة في الاصلاح السياسي عبر البوابة الادارية لمشاريع تنموية وحيوية؟ ام ستراوح مكانها؟ ان في الاجابة عن هذه الاسئلة كلها يكمن تقييم التجربة واسشراف المراحل القادمة.
مما لا شك فيه ان مجالس المحافظات عنوان عريض من عناوين اللامركزية الادارية, ولكن مع وجود التحديات المادية الحالية وغيرها من التحديات كتأهيل الكوادر البشرية التي تشرف وتعمل في المنظومة اللامركزية الجديدة, هل من الممكن المحافظة على هذه التجربة الوليدة والاستمرار بها وتطوير مكناتها والياتها من دون ان نضيف عبئاً مالياً على الخزينة العامة التي تعاني ما تعاني؟, ساحاول في هذا المقال ان اضع تصورات شخصية تضمن المحافظة على التجربة باقل التكاليف المادية, والّا فالرجوع عن التجربة برمتها اسلم وهو اقرب ما يكون الى عقلانية رشيدة ولا يعد عيباً.
من المفيد ان نعيد النظر في العملية اللامركزية بجوانبها كافة, تحت اطار الحوكمة المحلية والتي يتعدد مفهومها بحسب الابعاد السياسية والاقتصادية والاجتماعية, لكن ما يهمنا هنا الحوكمة المحلية التي تهدف الى تحقيق مصلحة عموم الافراد القائمة على المساءلة والشفافية والمشاركة المجتمعية بصنع القرار, وببداهة لابد ان نلتفت اولا الى التشريعات الناظمة للعمل اللامركزي وهي الاطار القانوني الذي يرسم ملامح هذا الجهد الاردني المتراكم عبر السنين, ومن يستعرض هذه التشريعات يجد ان العمل اللامركزي يسير بخطين متقاطعين متكاملين هما خط وزاة البلديات (قانون البلديات) وخط وزارة الداخلية (قانون اللامركزية) والحاجة الواقعية الان هي دمج هاذين الخطين بخط واحد وجعل العمل اللامركزي يمر بقناة واحدة لغايات التنسيق الموحد نحو الوصول الى الاهداف المنشودة, لكن كيف يتحقق ذلك؟
للاجابة عن هذا السؤال وحتى نحتفظ بتجربة مجالس المحافظات من دون تحمل الخزينة العامة اية اعباء مالية اضافية او على الاقل التخفيف من الكلفة المالية المصروفة على مجالس المحافظات, فقد كان حرياً الاخذ بالامور الاتية:
1.دمج قانوني اللامركزية والبلديات بقانون واحد يسمى قانون مجالس المحافظات والبلديات.
2.اعتماد الانتخابات البلدية كاساس تتشكل منه مجالس المحافظات.
3.اعتبار رؤساء البلديات ورؤساء المجالس المحلية او عدد من اعضاءالمجالس البلدية اعضاء في مجلس المحافظة الجديد عن منطقة البلدية, وبذلك يتشكل مجلس محافظة منتخب من دون صرف رواتب لهؤلاء الاعضاء كونهم يتقاضونها اساسا من بلدياتهم.
4.يضاف لتشكيل المجلس الجديد العدد اللازم من اصحاب الخبرة من داخل المحافظة الواحدة عن طريق التعيين.
5.يقوم اعضاء مجلس المحافظة الجديد في كل بلدية بالتنسيق مع الحاكم الاداري الذي تتبع البلدية لحدود اختصاصه للخروج بعمل موحد يرفع لمجلس المحافظة الجديد.
هذه التصورات خطوة تمهيدية يتبعها كلام كثير واي كان فأن من المهم ان نلتفت للتجربة اللامركزية في مجالس المحافظات بعد مضي اكثر من عام على تطبيقها تقييما ونقدا والاستفادة من الاخطاء لتصويبها باتجاهها الصحيح, والله الموفق.