10-02-2011 07:11 AM
بقلم : هاشم الخالدي
بعد المقال السابق عن حكومة سمير الرفاعي التي احب ان القبها بحكومة الاضطهاد الصحفي تلقيت العديد من الاتصالات سواء من مواطنين او صحفيين او سياسيين تفاجئوا حينها من هذا الانقلاب الذي ظهر به الرفاعي بعد تشكيل حكومته بعد ان كان قد خدعنا – نحن معشر الصحفيين – واوهمنا بان قدومه هو انقاذ للحريات الاعلامية ، فاذا به ينقلب علينا وينكل بنا ابشع تنكيل حتى وصل الامر حد التهديد والتهجير .
سأروي لكم حكاية اغرب من الخيال ... اطرافها ما زالوا احياء ويمكنهم تأكيد كلامي وكل تفصيل اذكره .
ابان حكومة الرفاعي بدء الاخير يسير باتجاه الانتقام من الصحفيين الذين كانوا حتى وقت قريب من تشكيل حكومته من اعز اصدقاءه وهم كاتب هذه السطور اضافة للزملاء احمد الطيب وجمال المحتسب وجهاد ابو بيدر وغيرهم حيث قام الرفاعي وبالتنسيق مع جهاز الامن العام بالايعاز لدائرة التنفيذ القضائي بالقاء القبض علينا ومطاردتنا حتى بيوتنا ، فقد فوجئ الزميل المحتسب حين عاد لمكتبه بوجود قوة امنية من التنفيذ القضائي تقتحم مكتبه وكذلك الزميل ابو بيدر الذي كان قد تلقى اتصالات من الادعاء العام للمثول امامه وامكانية توقيفه، بينما اضطر الزميل الطيب الى المبيت خارج منزله لاكثر من ثلاثة ايام بسبب مطاردة الاجهزة الامنية له في الشوارع والازقة والحارات ، فيما نكل بي الرفاعي بكل اصناف التنكيل الامني والقضائي والتلويح بقصقصة اجنحتي التي لم اعرف انها اصبحت بذلك الطول المزعج لدولته .
بعدها...انتقل الرفاعي لسياسة التجويع ، فامر جميع اجهزة الدولة بوقف جميع الاعلانات والاشتراكات في الصحف الاسبوعية والمواقع الالكترونية وتحديدا مواقعنا، وزاد ان اوعز لشركته السابقة دبي كابيتال بوقف اعلاناتها في سرايا وعدد كبير من المواقع الالكترونية التي قالت لدولته ( لا ) وبالصوت العالي . استشعرت انا شخصيا وعدد من الزملاء بالخطر القادم نحونا... فخصمنا هو رئيس وزراء الاردن – تسانده جهات اعلامية نافذة في الديوان الملكي وجزء من اجهزة الامن مما يعني ان قصفنا وتجويعنا وربما تشويه سمعتنا بفضيحة مفترضة اصبح قاب قوسين او ادنى .
اجتمعنا في مكتبي ... كنت وعدد من الزملاء نتشاور حول هذه الهجمة الشرسة فاقترحت عليهم تسجيل مواقعنا خارج الاردن ، والتجهز للهجرة خارج الوطن حتى ترحل هذه الحكومة بقدها وقديدها لان بقاءها اصبح يهدد حياتنا وحياة عائلاتنا .
اجمع الزملاء على هذه الفكرة واصدرنا بيانا يوضح ان عددا كبيرا من المواقع الالكترونية تنوي الهجرة خارج البلاد وتحديدا الى لبنان فتسبب هذا الخبر بهزة سياسية كبيرة حتى ان الزملاء احمد الوكيل وانس قطاطشة كانا من المتحمسين للهجرة فتم انتدابي والزميل الطيب للسفر الى بيروت لتوكيل محامين متخصصين بالاعلام الالكتروني لتسجيل مواقعنا هناك بصفة رسمية خوفا من ان يقوم الرفاعي بتحريض جهات عديدة لمقاضاتنا واغلاق مواقعنا من خلال الغرامات الماليه الهائله او التوقيف والسجن.
بعد ساعة من اصدار البيان فوجئت بان مرجعية كبرى تتصل بي وتطلب لقاءا عاجلا... لم اتوانى عنه لحظة وحين استفسرت تلك المرجعية عما كتب حول من نية الهجرة من البلد اكدت صحة ما كتب واعلمت تلك المرجعيه انني انوي السفر صباح السبت الى بيروت للبدء باجراءات النقل والهجرة.
اذكر تماما ان ذلك اليوم كان يوم خميس.. حاولت تلك المرجعية المحترمة ثنيي عن هجرة بلدي وسعدت حين قال لي ( هاي بلدكم مش بلد سمير الرفاعي لحاله وما بيصير ابناء البلد يهجروها .
كادت دمعتي تخونني بالقفز من مكانها بعد هذه الكلمات الرائعة.. ثم قلت له: هذا قدرنا.... ثم خرجت لتجهيز حقيبة السفر بعد ان تكالبت علينا كل القوى النافذة في البلد لتصفيتنا.
في اليوم التالي كانت سيارة الزميل احمد الطيب تصطف امام منزلي وصعدنا باتجاه بيروت في بداية هجرة صحفية لم يشهدها العالم العربي حتى الان ، اذ كنا موكلين من اكثر من خمسون موقعا الكترونيا للهجرة خارج البلاد وترك الوطن لسنوات حتى ترحل الحكومة .
حين وصلنا الى مركز جابر الحدودي توقعنا- انا واحمد- من ضمن التوقعات ان يتم القاء القبض علينا واعتقالنا باي تهمة خوفا من وصولنا الى بيروت وفضح نوايا الحكومة بسجننا وتصفيتنا ...بعد دقائق من الانتظار الموجع تم ختم جوازاتنا لكننا لم نكد نتجاوز الحدود الاردنية حتى اصابتنا غصة في القلب ووجدتني انا وزميلي احمد نذرف الدموع حبا لهذا الوطن الذي سيجبرنا رئيس وزراءه على ان نهجر وطننا .
قلت لاحمد ما حرفه ( علينا ان نصبر ، فنحن اخترنا طريقا صعبا للعيش وكان يمكننا ان نصفق للسمير الرفاعي فننال عطاياه واعطياته ، لكننا رفضنا ان نكون اهزوجة ومصفقين ومطبلين له ولحكومته التي ما زلت اصر انها اقترفت ابشع الجرائم الصحفيه.. لكنني وبكل امانه رغم محاولة صمودي لم استطع ان اوقف دموعي عندما بدء احمد يصرخ داخل السيارة بطريقة هستيريه قائلا : ول .... الله اكبر ... بلدنا وبده يشردنا منها .
اثناء الطريق الصاخب بالدموع والقهر خططنا كيف ستكون ايامنا القادمة واتفقنا على استئجار شقة في بيروت لمدة عامين على الاكثر لحين رحيل حكومة سمير الرفاعي التي سيؤهلنا رحيلها للعودة الى اوطاننا وقدرنا مبلغ خسائرنا الاجمالية من خلال هذه الهجرة القسرية ، لكننا كنا مؤمنين بان ما يجري في الاردن مجرد سحابة صيف .
وصلنا بيروت.....التقينا هناك باصدقاء اوفياء يقطنون منطقة "جونيا" اتاحوا لنا المجال للجلوس مع محامين اتفقنا معهم على المبادئ الاولى لبدء هجرة المواقع الالكترونية الاردنيه الى لبنان هربا من التنكيل الذي اصابنا ، وبدءنا البحث عن مكان سكن ننطلق به ليكون مقرنا الدائم عبر العامين القادمين اللذان سيكونان الاقسى في حياتنا بسبب بعدنا عن الوطن والاهل وعن اطفالنا الذين سنعجز ان نشرح لهم سبب بعدنا عنهم لسنوات قد نحرم من طلتهم الصباحيه الزاكيه ومتابعة امور دراستهم ونيل قبلة المساء قبل النوم ... يا الله كم ان هذا الظلم ثقيل.
حين عدنا الى عمان ابلغ كلانا زوجته بنيه الهجرة واذكر ان زوجتي كاد يغمى عليها من الصدمة وكذا فعلت زوجة احمد ، لكن كلاهما امنتا بقدر ان تكون احداهما زوجة لصحفي يمكن ان يقول ( لا ) لاي رئيس وزراء يتجرع من ورائها الويلات والقضايا والمطاردة والسجن احيانا كما حدث لي عندما قلت ( لا ) لرئيس الوزراء الاسبق علي ابو الراغب لاجد نفسي معتقلا في امن الدولة ثم سجينا في الجويدة بتهمة ( المس بهيبة الدولة ) وازعم ان امن الدولة لو كان لديها تهمة باسم ( اغلاق الهاتف بوجه دولته احتجاجا على فرض الضرائب والاسعار) لاسندتها لي على الفور ليتم زجي في السجن لثلاث اعوام بسبب ( طول لساني ) .
بعد ايام تغير الموقف... جرت مباحثات كثيرة ونقاشات مع زملاء في المهنة حاولوا فيه ثنينا عن فكرة الرحيل خوفا من ان نوصف بالجبن .
وجدنا ان نبقى هنا ... نناضل في وجه من حمل لقب ( عدو الحريات الصحفية )
بقينا هنا .. حتى لا يقال باننا كنا اول من اسس معارضة اردنية في الخارج ، لاننا لا نقبل ان نكون معارضة للدولة لكننا نرضى ان نعارض سياسات الحكومة مهما كانت الضغوطات والتحديات والتهديدات .
بقينا هنا ... وبقي هو يتربص بنا .. كنا نحاذر من كل شيء ... فخصمنا ليس سهلا ، وازعم ان عظم الاحتجاجات التي انفجرت في وجه حكومته في ذيبان والكرك والزرقاء ومعان والطفيلة هي من انقذت ارواحنا التي كان يمسكها بين يده ويتحين الفرصة للضغط عليها لتصفيتنا اعلاميا .
هذه الرواية لها شهود ووقائع مؤلمة .. حدثت قبل عام من الان بكل التفاصيل والتحديات التي واجهتنا في الحكومة السابقة ولست هنا اكتب عن سمير الرفاعي لانه رحل ، بل كنت اكتب في حكومة انا وعدد من الزملاء الافاضل ما كان يؤرق ليله ويعكر صفو ايامه .
هذا هو سمير الرفاعي الذي حاول تشريدنا عن وطننا ومطاردتنا ليل نهار من اجل معاقبتنا على ما نكتب ضد حكومته .
هذا هو سمير الرفاعي الذي حاول اسكاتنا وتكميم افواهنا كي لا ننقل نبض الشارع الذي انتفض احتجاجا على زيادة الاسعار وفرض الضرائب وتوريث المناصب الذي ازدهر في عهد حكومته .
هذا هو سمير الرفاعي الذي كنا نمالحه الزاد في بيوتنا حتى قبل اسبوع واحد من تشكيل حكومته لينقلب علينا محاولا تجويعنا بكل ما اوتي من قرارات لكن الله كان اكبر منه ومن سطوته .. الم يقل في كتابه العزيز بعد اعوذ بالله من الشيطان الرجيم (وَلَا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحًا إِنَّكَ لَنْ تَخْرِقَ الْأَرْضَ وَلَنْ تَبْلُغَ الْجِبَالَ طولاً ) .. صدق الله العظيم.
الكاتب : مؤسس موقع سرايا
1 - |
ترحب "سرايا" بتعليقاتكم الإيجابية في هذه الزاوية ، ونتمنى أن تبتعد تعليقاتكم الكريمة عن الشخصنة لتحقيق الهدف منها وهو التفاعل الهادف مع ما يتم نشره في زاويتكم هذه.
|
10-02-2011 07:11 AM
سرايا |
لا يوجد تعليقات |