26-10-2018 07:57 PM
سرايا - يعيش الأردنيون تحت وقع فاجعة حادثة البحر الميت التي أودت بحياة 21 مواطنا وإصابة العشرات، أغلبهم أطفال في عمر الزهور. وما يزال هذا الحادث المأساوي يسيطر على مشاعر الجميع ويشكل محور أحاديثهم، في حين أخذت الجهات ذات العلاقة تتبادل الإتهامات وتحاول أن تنأى بنفسها عن تحمل مسؤولية ما حدث! وهو ما وضع المتابع في حيرة كبيرة، كما دفع جلالة الملك لإطلاق تصريحات تعبر عن غضب شديد وأمر بإجراء تحقيقات شفافة لتحديد المسؤول، وبالتالي اتخاذ الإجراءات القانونية وربما التأديبية بحقه!
بداية لا شك أن هناك مسؤولية أخلاقية تتحملها وزارة التربية والتعليم والمدرسة التي نظمت الرحلة في ظل تحذيرات متكررة من احتمالية تشكل السيول ونصائح للجميع بالابتعاد عن المناطق التي قد تشهد مثل هذه الحالات! فلا الوزارة ولا المدرسة أخذت هذه التحذيرات بعين الاعتبار، وكأن الأمر لا يعنيها من بعيد أو قريب! وهذا يقود المتابع للحديث حول المراسلات التي بدأت تنتشر على المواقع الإخبارية ووسائل التواصل الإجتماعي؛ فمن جهة يشير الكتاب الصادر من وزارة التربية والتعليم إلى أن الموافقة قد صدرت على رحلة مدرسية إلى منطقة "الأزرق"، في حين يشير الكتاب الذي أرسلته المدرسة إلى أولياء الأمور أن الرحلة ستكون إلى "وادي زرقاء ماعين" إلى جانب جدول يبين الهدف من الرحلة والنشاطات التي سيتم القيام بها! وهنا فإن السؤال الذي يطرح نفسه هو: هل قامت المدرسة فعلا بأخذ الموافقة من الوزارة على رحلة إلى الأزرق أم أن الوزارة لم تفرق بين الموقعين، فأصدرت الموافقة إلى الأزرق وليس إلى منطقة البحر الميت؟! والجواب على هذا السؤال لا يحتاج إلى عناء شديد؛ إذا أن المطلوب من الوزارة أو المدرسة إبراز الكتاب الصادر من الأخيرة للحصول على موافقة الوزارة؛ علما بأن رقم الكتاب وتاريخه موضح في كتاب الوزارة الذي تم نشره على نطاق واسع! فأين المراسة التي تمت بين المدرسة والوزارة والتي تم بناءا عليها إصدار الموافقة؟ ولماذا لم تبادر الوزارة و/أو المدرسة لنشر تلك المراسلة التي أصبحت بالغة الأهمية لحل الأحجية المذكورة!
من جهة أخرى فإن الصور ومقاطع الفيديو التي تم نشرها تشير إلى أن البنية التحتية للجسر المنشأ في المنطقة المنكوبة كان يعاني من تصدعات واضحة، وقد كان ذلك، على ما يبدو، نتيجة تأثره من سيول مماثلة في العام الماضي! والسؤال الذي يطرح نفسه هنا هو لماذا لم تبادر وزارة الأشغال العامة لتصحيح الوضع في حينه، خصوصا وأنها تعلم كما تعلم وزارة السياحة والمواطنون أن المنطقة المذكورة تشكل منطقة جذب دائم للسائحين بسبب تواجد الينابيع الساخنة! فأين كانت أولويات وزارة الأشغال العامة في حينه؟ ولماذا لم تعطي ذلك الموقع ما يستحقه من العناية، في الوقت الذي كانت تنفق فيه الملايين على مشاريع أقل أهمية؛ مثل ما سمي بعطاءات تنظيف الطرق الصحراوي، على سبيل المثال وليس الحصر! فهل يتحمل وزير الأشغال العامة الأسبق جانبا من المسؤولية، خاصة وأنه كان قد أمضى وقتا طويلا في الميدان، ومن المفروض أنه قد اطلع على الواقع المتهالك للبنية التحتية في المنطقة المنكوبة؟!
من جانب آخر، وعلى الرغم من الهبة التي قامت بها الأجهزة المختصة والجهود التي نقلتها وسائل الإعلام، في ظل تواجد رئيس الوزراء وعدد من كبار المسؤولين في موقع الحدث، فقد اطلعت كا اطلع غيري من المواطنين على مقاطع فيديويتحدث فيها بعض المواطنين عن تأخر بعض الجهات المختصة في التعامل مع الحادث المؤلم، مما دفع بعض المواطنين للقيام ببعض عمليات الإنقاذ بوسائل بدائية، بل وقدم بعض هؤلاء المواطنين أرواحهم خلال محاولتهم انقاذ من يمكن انقاذه من المصابين! ولا شك أن هذه الروايات تتطلب من الجهات المختصة، وخاصة المديرية العامة للدفاع المدني، توضيح الحقائق وإجلاء الصورة بتقديم شرح مسهب ومحدد يبين كيفية تجاوبها مع الكارثة؛ انطلاقا من الوصول إلى منطقة الحادث والشروع باتخاذ الإجراءات اللازمة!
أخيرا فإننا ونحن نشاطر المواطنين تقديم العزاء الصادق لذوي الشهداء الذين ذهبوا غرقا ونتمنى الشفاء العاجل للمصابين، فإن الأمل يحدونا أن تنفذ الجهات المعنية توجيهات الملك وتقوم بإجراء تحقيق مفصل وشفاف لتجلية الحقائق، ومن ثم اتخاذ الإجراءات اللازمة لمن يثبت تحمله جانبا من المسؤولية، مادية كانت أم أخلاقية، خصوصا وأن رئيس الوزراء قد أكد مرارا وتكرارا على أنه سيعمل على مكافأة المنجز ومعاقبة المقصر، فهل سنرى تطبيقا عمليا لذلك، بعد أن تعودنا على أن الإجراءات تتخذ فقط بحق "ذوي الوزن الخفيف"!
بقلم: د. تيسير رضوان الصمادي