31-10-2018 09:06 PM
بقلم : علاء الذيب
الف ومئتي كلمة ملكية هل هي بداية خلق رأي عام مؤيد لقانون الجرائم الالكترونية.
بألف ومئتين كلمة خاطب الملك عبدالله الشعب على وسائل التواصل الاجتماعي تحديدا دون غيرهم وهو الامر الذي يؤشر على أن الملك ضاق ذرعا بكثير مما يُكتب .
حيث انشغل البعض بكتابة التحليلات والمقالات بالرد على مقالة الملك التي نشرها يوم أمس ، والتي اختار لها عنواناً مناسباً نحتاج لتحليله عبر عقد من الندوات والمؤتمرات ومن ثم الخوض في المتن الذي حمل ركازّة وبلاغة في إيصال بعض الأفكار التي أصبحت تؤرق الصحفيين والناشطين وعملت ثغرة واضحة في المجتمع الأردني .
بدايةً ، أراد الملك إيصال بعض النقاط والأفكار التي قال أنها أصبحت خطراً يداهم المجتمع وتعمل على خلخلته ، حيث تطرق في بداية مقاله أن النقاش البناء هو أفضل طريقة للتعايش الوطني بعيداً عن الذم والقدح الذي أصبح حليف البعض في كتاباتهم وتعليقاتهم.
وركز أيضا على ضرورة محاربة الشائعات ، التي أصبحت محوراً خطيراً يداهم المجتمع ويعمل على عرقلة انجازاته ، إضافة إلى هدم الثقة بالنفس ، مع تأكيده أن بعض الأخبار المزيفة والغير حقيقية والكاذبة هي من ستدفع إلى وضع أُسس تشريعية جديدة لضبطها ومحاولة إيقافها وتقنينها.
ولفت أيضا في مقالته إلى جملة لم افهمها أو استطع تحليلها، عندما كتب "قد يكون عصرنا هذا شاهدا على أكبر تغيير في تاريخ الإعلام والتواصل " فلم افهم المقصد منها وربما أن الملك مطلع لأمر لا يريد الإفصاح عنه بما يخص الإعلام ، كما كان يلمح سابقاً لبعض القضايا ومن ثم يخرج ويقول أنني حذرت منها سابقاً .
الجميل أن مقالة الملك حملت أُسلوب الترغيب أكثر من الترهيب ، حيث أكد في مقالته انه سيتطلع لقراءة ما سنكتبه والردود التي سنعبر عنها ، مؤكداً أيضا أن مواقع التواصل جعلته يسمع أفكار المواطنين وآرائهم دون فلتره للمعلومات أو الآراء أو حواجز أو قيود، قدر استطاعته.
الملك كتب وجهة نظر شخصية في مقال وهو أحد الفنون الصحافية التي تحمل وجهة نظر كاتبه ولا يلزم بها أحدا .
شخصيا أجد أن الملك أراد من خلال المقال وبشكل جلي وواضح خلق رأي عام يقف الى جانب قانون مغلظ للجرائم الالكترونية بعد كل الفوضى التي تسود هذه الأيام على منصات التفاعل الاجتماعي
أمر آخر أراده الملك حسب تحليلي لما كتب وهو أن المقال أكثر تأثيرا من لغة الفرض على الناس بخطاب رسمي وبالتالي فإن الناس وأمام كلمات عاطفية من الملك سيخلق كثيرا من المؤيدين لكافة الإجراءات التي تمنع الفوضى على وسائل التواصل الاجتماعي.
لغة المقال قوية لا يستخدمها الملك في خطاباته الرسمية وهنا يظهر السؤال هل ما تحدث به الملك لم يخضع لمقص الرقابة الأمنية والسياسات العليا والمستشارين المحيطين به؟.
اعتقد أن الملك ليس بحاجة لمخاطبة الناس بمقال فهو يستطيع أن يطلق الأوامر التي تكفل منع أي تجاوز على وسائل التواصل الاجتماعي وتستطيع الدوائر الأمنية ومهندسي الاتصالات برمجة كل شيء وحماية الأردن من فوضى التواصل الاجتماعي.
يبدو أن مقال الملك اليوم وبعيدا عن المطبلين له من الإعلام الرسمي يجب الوقوف عنده طويلا فقد يسمح بمضي الحكومة بسن قانون جرائم الكتروني مرعب وقاس يذهب الصالح بالطالح خاصة وأن حديث الملك العاطفي سيخلق رأيا عاما مع القانون دون الانتباه لخطورة تطبيقه .
إن مواقع التواصل الاجتماعي استطاعت تشكيل رأي عام قوي وجارف دون الحاجة للنزول الى الشوارع عبر مسيرات ومظاهرات واعتصامات
كما إن مواقع التواصل الاجتماعي كشفت تجاوزات العامة على الدولة وكشفت أيضا تجاوزات السلطة على الشعب وكشفت قضايا فساد وعرت كثيرا من الفاسدين وكيف سرقوا البلاد والعباد.
كانت مواقع التواصل سببا في إيصال قضية الطفل الخوالدة الى الملك وساهمت في علاجه وغيرها كثير من هموم المواطنين التي كانت لا تصل بسبب سوء كثير من المتسلطين بالسلطة .
بدايةً ، أردت القول أن اغلب ما يقوله الملك ويكتبه لا يؤخذ به ، وهذه كارثة حقيقية نواجهها منذ سنوات ، جعلت انجازاتنا تعلق على مجلات الحائط وبالتقارير الخاصة بالحكومات والمرسلة إلى الديوان الملكي ، استذكر أخر ما قاله الملك حين قال للوزراء والمسؤولين أن الوزير الذي لا يريد النزول إلى الميدان يذهب إلى بيته ، ومن ثم طلب من طلبة الجامعة الأردنية أن يضغطوا من الأسفل وهو سيضغط من الأعلى .
لم ينتهي بعد كلام الملك ، ولم نرى أي وزيراً اخذ بكلامه، إلا اثنين منهم ، أما البقية لم نرى منهم احد نزل إلى الميدان إلا بزيارة بروتوكولية وبأسماء ينسبها الحكام الإداريين ، واكبر دليل عندما قاموا بزيارة إلى المحافظات وتم طردهم لعدم قبولهم شعبوياً
اليوم يحذر الملك أيضا من بعض الصفحات والصحفيين والناشطين الذي يروجون لأنفسهم وكأنهم "محمد حسنين هيكل " وينشرون بعض الشائعات بإدعائهم أنهم يمتلكون الحقيقة والمعرفة ، وأصبحوا مصدراً لثقة البعض ممن لا يرغبون بإمتلاك الحقيقة ، لتصفية بعض القضايا الشخصية والسياسية الخاصة بهم، وهو ما يحصل ألان بمتابعة بعض الأشخاص الذي كسبوا الثقة المبدئية ومن ثم أصبحوا ينشرون ويروجون لقضايا لا تمت للواقع بصلة ، ونجد كم هائل من المشاركات دون التأكد من صحة ما يتم نشره.
لكنني أيضاً أحببت ان أوجه رسالة إلى الملك ، بان الصحافة الشريفة تمارس عليها اليوم ضغوطاً لا تطاق من خلال "احذف " اشطب " أجل" وقفها " سكر الموضوع " وهي من ساعدت في نشر المعلومات المغلوطة ، وساعدت بعض صحفيين الابتزاز بالانتشار.
المصيبة التي نواجهها اليوم ايضا، وهي من ساعدت على انتشار الشائعات ، بعض مواقع الصحافة الصفراء التي تحمل في طياتها العشرات من الشكاوي المقدمة من مستثمرين ورجال أعمال منهم من هرب خارج الأردن نتيجة الممارسات الخاطئة والمعلومات المضللة ، وضرب الاقتصاد بحجة أن الإعلام لديه الأحقية بالنشر ، وأصبح الإعلام يمارس دور الحاكم والجلاد في آن واحد، واصبح من يريد التخلص من الكتابة بحقه يقوم بتعيين احد الصحفيين مستشاراً له كي يتخلص من شر قلمه .
وأصبحت هذه المواقع رديف الفساد والمفسدين دون نشر الحقائق وهو ما يدفعني أن أؤيد أي قرار لتنظيم المهنة ، ومن ثم تنظيم مواقع السوشال ميديا التي سببت الأرق والارهاق للجميع دون استثناء .
أما السبب الرئيسي الذي يدفع الآخرين إلى تصديق ما ينشره البعض من شائعات هو لفقدان وجود مسؤول واحد حائز على الثقة في إعطاء التصريحات الأكيدة والصحيحة ، وان وجد هذا المسؤول فيتم ممارسة المضايقات عليه أيضا بعدم التصريح مباشرة ، لإعطاء وقت للشارع الأردني بتناقل الشائعات والابتعاد عن قضايا مهمة ومفصلية ومن ثم يصدر القرار بمنع النشر وتكون الإشاعة انتقلت من مواقع السوشال ميديا إلى الصالونات الاجتماعية والسياسية وتبدأ معركة التصحيح والتكذيب.
أما فيما تطرق إليه الملك عندما كتب "تخيلوا إن سيطر الخوف على المسؤولين فأقعدهم عن اتخاذ قرارات تصب في مصلحة الوطن والمواطن، أو دفعهم للتسرع في اتخاذ قرارات ارتجالية" إن لم يكن في متناول المواطنين حقائق ومعلومات موثوقة، كيف لهم أن يتخذوا قرارات مدروسة، ويشاركوا في حوار وطني مسؤول حول المواضيع المفصلية " .
وهنا اقو أن المسؤول القوي والجريء لا ينتظر إلى قوة شعبوية دائماً لإتخاذ القرار ، وإنما يقدر ذلك من تلقاء نفسه ، كما فعل وزير الداخلية السابق والحالي باتخاذ عدة قرارات جريئة وسريعة لإيقاف عدة نشاطات تخل بالأمن والأمان وتخالف السنن والتشريعات والعادات والتقاليد ، في حين ان بعض المسؤولين ودون أن تشكل قضايا رأي عام يبقى حبيس مكتبه ينتظر توجيهاً من هنا وإيعازاً من هناك لاتخاذ القرار الذي يتم فرضه عليه لا يتخذه من تلقاء نفسه.
نهايةً اعتقد أن المسؤولية تقع أولا وأخيرا على المواطن نفسه في تحكيم عقله لا عواطفه ،ومن ثم على الإعلام الرسمي المغيب ، ومن ثم على الصحافة الحرة ، وها نستطيع أن نبني وطناً بعيداً عن الشائعات وعن الأخبار الخاطئة وخاصة إذا ابتعد " الظل الخفي : عن التوجيه أو الإيعاز بالحذف والقمع.
مقال الملك قد يكون بداية لقانون جرائم الكتروني مرعب وقد يكون بداية لاقفال باب التواصل الاجتماعي على الدهماء والاصلاحيين وبالتالي سيكون الحل الشارع من خلال المسيرات والاعتصامات .