04-11-2018 12:17 PM
بقلم : المحامي علاء مصلح الكايد
بداية و قبل الخوض في الموضوع أسجّل ملاحظتي على التسمية التي يحملها القانون و ما يشيعه مصطلح " الجرائم " في متنها من نظرةٍ سلبيّة توحي بتقييد الحريّات و تكميم الأفواه و هي غريبةٌ حقّاً إذ لم أجِد لها مثيلاً في سائر المنظومة التّشريعيّة بل أنّها تصلحُ تبويباً لفصلٍ من فصول القانون فقط ، و كان الأَولى الإستعاضة عنها بما يفيد التنظيم .
و لتكن نقطة الإنطلاق بالإتّفاق على حاجة الجميع لقانونٍ ينظّم إستخدام مواقع التواصل على إختلاف أنواعها يكون أشبه بـ( دليلٍ ) يسهّل على المستخدم معرفة الحدود و المقدرة على التحوّط دون الزّلل و الوقوع في مصيدة العقاب ، فللقانون الخاصّ أهميّة تعالج صعوبة إلمام المواطن العاديّ بنصوص القوانين العامّة المتناثرة و التي لا يدركها سوى المختصّون من أهل القانون .
لذا كان لا بدّ من قانونٍ خاصٍّ قصيرٍ واضحٍ سهل الصياغة يبتعد عَن الإجتهادات تماماً كقانون العمل الأردني و هذا ما نطمح إليه في مشروع القانون المعدّل .
و بالحديث عن الجزئية الأكثر جدليّة في القانون و هي ( التوقيف ) لا بدّ من مراعاة النسبيّة فيها و إعتمادها كإجراءٍ ( جوازيٍّ ) لا وجوبيّ ، مع الأخذ بعين الإعتبار أنّه يُعدُّ مكافأةً و مطلباً لفئةٍ معيّنةٍ بما يحققه لها من بطولةٍ وهميّةٍ أو شُهرةٍ لدى الرّأي العامّ بينما تشكّل العقوبات الماليّة - كالكفالة الإحتياطيّة أو إيداع تأمينٍ نقديّ - تأثيراً و رادعاً لهذه الفئة و العكس هو الصحيح بالنسبة لغيرها .
كما أن موجبات التوقيف في القوانين عموماً منحسرة في كفّ الضرر الواقع أو المحتمل على المجني عليه - إن وُجِد - أو حماية الفاعل من ردّ الفعل كحوادث السير أو الخشية من التأثير على الشهود و إخفاء الأدلّة و هذا غير متوفر في الشكاوى الإلكترونية التي تقدّم فيها البيّنة مع الشكوى إبتداء .
و بالإجابة عن السّؤال الأكثر أهميّة حول القانون المعدِّل " هل جيء به لحماية طبقة المسؤولين " ؟ الجواب ( لا ) .
فحتى يكون الفعل مجرّماً في قانون الجرائم الإلكترونية ( الخاصّ ) بدلالة إحدى موادّه لا بدّ له و أن يكون مستحقّاً العقاب خلافاً لمادّة صريحةٍ في قانون العقوبات ( العامّ ) ، و من الأهميّة القصوى إدراك أن " الذامّ " أو " القادح " يعفى من العقاب إذا أثبت بأن ما أسنده من فعلٍ لموظّفٍ قد وقع فعلاً وكان الفعل ينطوي على تقصيرٍ في واجبات الوظيفة أو شكّلَ جريمة تستوجب العِقاب .
أمّا الشِتم و التحقير و التعرّض للكرامة و الشرف فمجرّمة سواءً مع وجود قانون جرائم إلكترونيّةٍ أو في غيابه ، و من نافلة القول أن نؤكِّد ألّا أحد بيننا يرتضي أن يسمح القانون بتداعي خطاب الكراهية المفتّت للوحدة الوطنيّة أو إباحة خرق الحياة الخاصّة للأفراد أو الإحتيال عليهم إلكترونيّاً أو نشر الموادّ الإباحيّة و الرذيلة دون تجريم و عقاب ، و كثيراً ما يشبه موقف المواطن من هذا القانون موقفه من قانون السّير الذي يمتعض منهُ المخالف في ذات الوقت الذي يطالب فيه بحماية روحه و سلامتها و عدم خرق الآخرين للقانون .
كما أنّ الدستور كافلٌ لحقّ المواطن و حريته في التعبير و لن يدوم قانونٌ إذا ما خالف نصوص الدستور و تجاوز على ما فيه من حقوقٍ مكتسبة مقدّسةٍ مُصانة .
و عليه ، و مع تطوّر أدوات الإتّصال و تغيّرها كان لا بُدّ لأن يواكبها التشريع تماماً كما تواكب باقي القوانين ذلك ، فالمخدرات المدرجة في جداول المواد المحظورة تتغيّر بإستمرار ، و الإحتيال أخذ أشكالاً لم تعاقب عليها القوانين سابقاً و كذلك هو الأذى المولود و المنقول إلكترونيّاً .
وحينما يتعرّض القانون لحماية و صيانة السمعة و الكرامة و العِرض فإنّه لا يحمي المسؤول ذي السُّلطة بقدر ما يحمي المواطن الضّعيف الفاقد لأدوات القوٌة و النفوذ و الحماية الإستثنائيّة ، و لا يمكن تفصيل قانونٍ لحماية فئةٍ بعينها بل إمّا أن يحمي القانون الجميع أو لا حماية فيه لأحد .
و أخيراً ، لا بُدّ لهذا الفضاء من جزاءٍ و حدودٍ واضحة المعالم ، تنسجم مع حريّة التعبير و ترتّب عند الثبوت حدّاً رادعاً يحول دون إنتهاك الحرمات و الكرامات و الأعراض التي لا يرتضي أيٌّ منّا أن يعيش دونها .
قد تُزهِقُ الطلقة روحاً واحدة بينما الكلمة فقد تجهزُ على سمعة عائلةٍ بأكملها إلى يوم الدِّين .
حمى الله الأردن قيادة و شعباً