07-11-2018 08:39 AM
بقلم : د. علي المستريحي
كعادتي عندما انتظر دوري امام جهاز الصراف الآلي للبنك اسأل (مداعبا) من هو أمامي وهو يسحب البطاقة والورق من آلة الصرف: "أتركت شيئا لنا؟!"، فأجد ابتسامة تملأ وجه الساحب .. لكني وجدت أن ردود فعل الاردنيين وتعابير وجههم لهذا السؤال غير !
لا بأس، لا زلت اكرر السؤال بين مرة وأخرى، حتى صادفت بالمرة الأخيرة يوم وقفة عرفة رجلا يبدو بالخمسين، بدت عليه ملامح الهندام والتأنق على غير المعتاد .. طال انتظاري له وهو يدخل بطاقته بالجهاز غير مرة .. وبعد كل مرة يبدأ بالتأفف .. حتى ضاق ذرعا وسحب بطاقته بقوة دون حصوله على ما أراد وهو لا يطيق حتى النظر بعيون آلة الصراف، ثم غادر مهزوما .. كان من السذاجة أن أسأله "إن ترك شيئا من الورق لي"!
أكملت عمليتي وغادرت، الا أنني وجدته يجلس على طرف الرصيف يضع يده اليمنى على خده الأيمن، تبدو عليه علامات الضياع والحزن .. توجهت إليه وسألته:
- أنا: ما بك؟
- هو: (مع شيء من العناد): لا شيء .. لا شيء!
-أنا: أنسيت الرقم السري؟
- هو: (متفحصا وجهي بانكسار): لا!
- أنا: ما المشكلة اذن؟
- هو: (وهو يهمّ بمغادرة المكان): ما نزّلوا رواتبنا .. ما فيه مصاري .. سرقوها .. باعوها!!
****
غادر عبدالكريم المكان وكأنه لا يعرف أين يذهب .. أما أنا فقد أمضيت بقية يوم عرفة أطوف بمخيلتي بين "صفا عبد الكريم" و "مروة البلدية" وأقول بنفسي: "الحج عرفه .. الحج عبد الكريم" !
فاصلة:
كل طاهر شريف هو عبد الكريم .. عبد الكريم الذي يسعى بمناكب البلدية وشوارعها، يحمل عربته ومكنسته بقلبه ليلتقط رزقه من عرق جبينه. لكن الفاسد لا يكترث إن تسلّم عبد الكريم راتبه قبل العيد نهاية كل شهر، طالما كان مشغولا بملئ جرابه ! عبد الكريم الذي يصلّي الشوارع كل يوم، يلاحقه لهب شمس آب وسياط البرد في كانون .. وهو لا ينفك يحج بيوتنا كل يوم، يطوف الشوارع ويسعى في مناكبها، يذبح كل يوم من عمره أضحية للوطن! هي شعيرة واحدة لم يفعلها بعد عبد الكريم، نلك هي أن يقذف الجمرات بوجه أباليس الفساد ويهوى بمكنسته بعصاها على رؤوسهم، لأنه فقط يخاف أن يفقد الوطن ويخاف على مكنسته أن تنكسر أو تتسخ !