22-11-2018 10:17 AM
بقلم : ماهر أبو طير
قبل سنوات، زرت وزيرا للداخلية، في مكتبه، وكان صديقا شخصيا، أكن له كل احترام، ومازلت أقدره حتى يومي هذا.
خلال الحوار، سألته آنذاك لماذا لايحصل أبناء غزة على رخص قيادة، بمدة طويلة، بدلا من المدة القصيرة، التي يضطر حاملها كل فترة لتجديدها، عبر إجراءات معقدة، وتدقيقات لها بداية وليس لها نهاية؟.
شرحت له رأيي آنذاك، وان هناك مبالغة في معالجة ملف أبناء غزة، متسائلا عن علاقة قصص الوطن البديل، التي باتت أدآة يتم توظيفها في وجه قضايا عادية جدا، بمدة رخصة الغزاوي، وهل منحه رخصة بمدة قصيرة، سيحرر فلسطين، ام سيلغي مشروع الوطن البديل؟!.
بماذا يختلف الغزاوي أصلا، عن بقية العرب الذين يأخذون رخص قيادة بمدد أطول، وقلت له انني اثير القصة، للتسهيل على حياة الناس، وليس من اجل تجنيسهم لاحقا، او للمطالبة بارقام وطنية، كما درج بعض من يثيرون هذه الاتهامات والمبالغات، في وجه فئة تريد فقط ان تعيش، وليست جزءا من مؤامرة، ولن تكون جزءا من مؤامرة؟.
فوجئت يومها برد فعله. انفعل وارتجفت يداه وشفتاه، وبات يشرح لي رؤيته، فلم اقتنع بكل ما قاله. عاندته لكنه احتملني بكل حلم.لانه لا يمتلك سببا وجيها لهذه العراقيل، خصوصا، ان أبناء غزة يقيمون هنا، منذ عشرات السنين، والتسهيل عليهم في حياتهم، لا يعني ابدا، بيع فلسطين لإسرائيل، مثلما لا يصح اعتبارهم فئة مريبة.
الوزير، كان يعرفني جيداً، ويعرف انني لست إقليميا، بطبيعتي الإنسانية، ولست من تيار المحاصصة او التوطين، ولست من دعاة الحقوق المنقوصة، ولا الفائضة، وكان يدرك يومها انني اثرت الامر، مثلما اثير أي مظلمة تتعلق بأي انسان آخر، وليس في سياق الانحيازات الكبيرة او الصغيرة، التي نترفع عنها.
تخطر على بالي هذه القصة، وانا اقرأ ردود الفعل، على احتمال صدور قرار حكومي، بالسماح لابناء غزة، بتسجيل بيوتهم او عقاراتهم او اراضيهم باسمائهم، ويلفت انتباهي كثيرا، ردود فعل البعض، ما بين من نحترم نواياهم، ومن نشكك بدوافعهم.
لا اعرف حتى الان، ما هي «الجدوى الوطنية» من جعل أبناء غزة يبحثون عن غيرهم، لتسجيل بيوتهم او أراضيهم بأسمائهم، برغم ان من حقهم مثل أي شخص عربي، في الأردن، ان يسجلوا بيوتهم باسمائهم.
تسجيل الشقة او البيت باسم مالكها حق طبيعي وانساني، ولا يعني نهاية المطاف شراء الأردن، وتسجيله في قوشان ملحق بغزة.
يأتي من يقول ان هذه القرار يصب فعليا في اطار التوطين، او العبث بمعادلات الديموغرافيا الداخلية، بغض النظر، عن المواطنة من عدمها، وهؤلاء بكل صراحة يحسبون الكتلة الغزية قليلة العدد، على جزء من المواطنين الأردنيين، في الميزان النهائي، وهي حسابات تتسم بكونها قائمة على الهواجس أولا، هذا فوق انها تشكك في الأساس في حسابات جزء من المواطنين بشأن اردنيتهم، وما تعنيه من واجباتوحقوق.
هذه أوهام بحق، لان علينا ان نفهم حقوق المواطنة وواجباتها، وما تعنيه، وما يعنيه تملك غير الأردنيين، إضافة الى عدم المبالغة، باعتبار ان تسجيل شقة او بيت او سيارة باسم صاحبها، هي مؤامرة على الأردن، ومستقبله، ووحدته، وهويته، فهل الأردن ضعيف الى الدرجة التي لا يقبل فيها تسجيل انسان لشقة يمتلكها باسمه، ويعتبر ان المنع، فيه حماية للاردن ولمستقبله؟!.
الحكومة عليها ان تأخذ هذا القرار، ولاتتردد تحت وطأة المعارك التي يتم تصنيعها، فلم نسمع عن دولة عربية او اجنبية تمنع تمليك الأردني، بذريعة انه يؤثر على تركيبة السكان فيها، لا في تركيا، ولا في بريطانيا، ولا في السودان، كما ان قراءة دلالات اللجوء بطريقة تعسفية، تعبر عن مخاوف وهواجس قد لا يكون لها أساس.
القصة بسيطة جدا. لديك انسان ليس اردنيا، لديه مال اشترى به شقة او بيتا او ارضا او سيارة. حقه الطبيعي ان يسجله باسمه.لا ان يبحث عن « دوبلير» لتسجيله باسمه، وهو ذات الحق الذي يمارسه السوري اللاجئ في تركيا مثلا، فلا يتهمه التركي بكونه جاء ليسرق تركيا، او ليستبدلها وطنا بسوريا.
ثم انكم جميعا تعرفون ان أبناء غزة، هم الأكثر وطنية بين الفلسطينيين، وكل العرب، فلا تخشوهم، واخشوا غيرهم.