24-11-2018 03:28 PM
بقلم : د. منذر الحوارات
فجأة يفطن الجميع ويكتشفون ان المأزق الذي تمر به الدولة ، مرده الى الإشاعة وقوتها ، وبنتيجة ذلك تصبح جميع وسائل التواصل متهمة ومجرمة ، ويتحول رجال الدولة الى ضحايا بسبب ما ينالهم من ذلك السرطان الرهيب ، فتقرر الحكومة الى ان القانون قاصر وغير كفوء في ردع هذه الظاهرة ، فتبادر لطرح مشروع معدل له
بالطبع يتم تعويم مفهوم العام ودمجه بالخاص ما يتيح للقانون المقترح ان يطال جميع او جُل النقد ، ويتناسى الجميع ان الخاص يتحول تلقائياً الى عام وخاضع للتداول والنقد وربما التجريح منذ اللحظة التي يتبواء فيها اي انسان المسؤولية العامة ، بل وربما يعود التجريح والتهكم الى تاريخ الميلاد وربما تسلسل العشيقات ، وهذا حصل مع رئيسي اعظم دولة في العالم ، اعني الولايات المتحدة الامريكية وأخص اوباما وترامب ، ولم يقم الرئيسان برفع دعاوي شخصية على ما يسمى لدينا مروجي الإشاعات ،
وإن لم يرغب اي ممن يتبوأون المسؤولية المرور بهذه التجربة ، يمكنهم الاعتكاف في بيوتهم ورفض اى منصب عام ، فمثلما لهذه المواقع من مزايا لا حصر لها في بلادنا بالذات فيجب ان يرافقه بعض الاثار الجانبية ، والتي يمكن احتمالها ،
طبعاً في دول العالم التي قطعت الشوط في التراث الديمقراطي ، يرافق الحكومة والتي هي بالأساس نتاج أختيار شعبي صرف العديد من المؤسسات المنتخبة تراقب وتصحح سلوكها ان اخطأت ، فالبرلمانات ، والقضاء ،وأيضاً صحافة حرة تنبش قبور اجداد المسؤولين قبل ان تصل اليهم وتنقدهم وأدائهم في مواقعهم ، رافق ذلك فضاء إلكتروني ضمن للأفراد العاديين حق ممارسة النقد بكل اشكاله ،
اما في بلادنا فالمواطن يتيم فعلاً ، فجميع المؤسسات المرافقة للحكومة والتي يفترض ان تقوم بعملية النقد لها وتصحيح اخطائها ، هي في جُلّها من انتاج الحكومات المختلفة ، فالمجالس النيابية وهي التي يُفترض بها ان تدير دفة التشريع والرقابة ، تسهم الحكومة بأدواتها في وصولهم الى هذا المكان وبالتالي لن يسمحوا لأنفسهم بتجاوز الحدود المرسومة لهم ولدورهم وهم في العادة ملتزمون تماماً
والجزء الثاني من المجلس اعني الأعيان فهو مُختار من الحكومة ومهمته دعمها وهو اذاً جزء من منظومتها
اما المؤسسة القضائية فلم تمنح حتى الان إلا نظرياً الدور كي تعبر عن استقلاليتها وتُسبق دوماً بمؤسسات تتولى جزء كبير من المسؤوليات التي يُفترض ان تقوم هي بها لذلك وان كان القضاء يقوم بدوره بشكل ممتاز على الصعيد الحرفي ولكن ينقصه ان يتبواء المكانة الحقيقية التي تليق به ككيان مستقل
اما وسائل الاعلام وان كانت تحوي شخصيات صحفية مرموقة فإنها في جُلها تعتبر جزء من المنظومة الحكومية وواحدة من أدواتها لتوجيه الرأي العام ، وكبح جماح طموحاته في التعبير عن موقفه من الأخطاء والعثرات الحكومية ،
اذا ماذا بقي للمواطن الانسان من ادوات يتمكن من خلالها من نقد اذا كانت كل تلك الوسائل التي يفترض ان تكون ملاذه وممثلةً له ، تحولت بعبقرية الشرق الى عناصر غايتها كبح طموحاته ،
هل بقي غير ما أنتجه التطور والتحديث التقني ، اعني وسائل التواصل الاجتماعي حيث وجد بها ظالّته، فوظفها لصالح فك الحصار المفروض عليه بالاضافة للخروج الى الشارع والاحتجاج بكل ما تحمله الطريقة الاخيرة من مخاطر الا انهما كانتا الوسيلتين الوحيدتين التين تمكناه من الاحتجاج ورفض القرارات الحكومية ، والتصدي لما لا يعجبه منها
لم يُدرك حكومياً أهمية وخطورة هذه الأداة ، ومقدرتها على التأثير ، الى ان وصل الامر الى حدّ المساهمة في إسقاط حكومة ، بقوة الرأي العام ووسيلته المستحدثة اعني المواقع الاجتماعية التي سهلت التواصل بين النشطاء ومكنتهم من نشر المعلومات ، وتحديد أماكن وساعات الالتقاء ، بحيث كان وجودهم بعد ذلك في الشارع ذَا اثر كبير ادى كما قلت الى إسقاط الحكومة
بعد ان تم اكتشاف الأهمية والقوة التي تمتلكها هذه الأدوات بداء التحرك السريع لكبح جماحها ، وذلك بحرمان الناس من المقدرة الحرة على استخداما ، بالتشكيك بها ووضعها في دائرة الاتهام المجتمعي ، ولم يكن ذلك ممكناً الا بجعلها تتورط بكثير من القضايا غيرالمقبولة في عرف المجتمع وهذا ما حصل اذ وفي كل يوم تجد مئات من المنشورات ذات المحتوى غير الحقيقي والملفق ، طبعاً يتبرع الكثيرين لإعادة النشر والتوزيع مما حول الاتهامات الى حقيقة
بعد ذلك بدأت حملة حكومية بواسطة أدواتها لتعميق التشويه للدرجة التي أوصلت البعض الى قناعة راسخة ان هذه الوسائل هي سبب مصائبنا وإخفاقاتنا ،
ولكي تكتمل الحلقة لسن تشريع يضع حدوداً فاصلة بين ماهو مقبول وما هو غير مقبول، بحث يتم تجريم اي رأي مخالف بتهمة اما المسّ بالحياة الشخصية للموظف العام ، او نشر إشاعة مُغرضة لا تستند الى الحقائق تمُس استقرار المجتمع وسلامته ، فيصبح من يقول رأيه كمن يسير على حبل صغير متحرك ، ليس النقاش فيما اذا كان سيقع ام لا ولكن الى اي الاتجاهين سيكون سقوطه ،
وكي تكتمل الصورة فلا بد ان يكون هنالك مصدراً موثوقاً للمعلومة على الجميع ان يستقوا منه ، بحيث يغدو كنص مُصدق ، للدرجة التي توصله الى حدّ المقدس المعرفي فكان المشروع المُفتتح حديثاً من (حقك تعرف )، كمنصة غايتها ايجاد معلومة حكومية لمجموعة من الاحداث ، فيبدو الناشر لأي معلومة غير ما ورد في هذه المنصة مروجاً للإشاعة ويقع عليك حدّ الجريمة ، ويصبح مجرماً ، ومُجرما وربما يُخرج من الملّة ،
هذا هو قانون الجرائم الالكترونية وهذه مقدماته ، وهذه هي منصة من حقك ان تعرف وهذه غايتها ، الاولى تجريم كل من يقول رأياً والثانية هي كل من لا يتفق مع ما تقوله المنصة مروج للإشاعة وبالتالي يحق عليه العقاب،
هنا يفقد المواطن كل الأدوات التي تمكنه من الدفاع عن نفسه والوقوف بوجه اي قرار جائر قد تتخذه الحكومة ، فأصبح بذلك عارياً تماماً
ولكن السؤال هل أمِن متخذوا هكذا قرارات من ان يطفح الكيل ويخرج الناس بعُريهم وغضبهم وفعلوا ما يجول بخواطرهم وعبروا عن غضبهم قبل ان يقولوه ألن يكون الوضع حينها كارثياً ؟ ولا يمكن توقع مألآته ؟