25-11-2018 08:19 AM
بقلم : عادل إسماعيل بصبوص
في غمرة التيه الذي نعيش والروح السوداوية والإحباط الذي يجتاح كل الزوايا والأنحاء والذي يراد منه أن نصل إلى حالة من اليأس والقنوط مفادها أن لا شيء يعمل كما يجب، وبأن العربة تهوي بنا مسرعة إلى القاع، يستطيع المراقب المنصف أن يلحظ الكثير من الأدلة والشواهد التي تؤكد بأن الكأس ليست فارغة تماما وأن هناك مؤسسات وأفرادا لا يكتفون بعمل ما ينبغي فعله فقط وإنما يتميزون ويبدعون أيضا، والأمثلة في هذا المجال كثيرة ومنها إدارة الترخيص والمركبات، وهي واحدة من المؤسسات الحيوية التي يعرفها ويتعامل معها غالبية المواطنين.
لقد كنت أتابع بحكم عملي السابق في مجال إدارة الجودة الإنجازات المتتالية لهذه الدائرة والتي كانت تعبر عنها النتائج الباهرة التي كانت تحققها ضمن جائزة الخدمة الحكومية المتميزة التي ينظمها ويشرف عليها مركز الملك عبد الله الثاني للتميز، إلا أن ما تقرأه وتسمع عنه شيء وما تعيشه وتراه رأي العين شيء مختلف تماما، فالتميز في تقديم الخدمة وخلق قيمة مضافة لمتلقي الخدمة هي ممارسة يومية لكوادر وأجهزة هذه الدائرة، هذا ما لمسته خلال مراجعتي الأخيرة لمركزها الرئيسي في ماركا، لتجديد رخصة سيارتي، حيث لم تستغرق العملية برمتها أكثر من نصف ساعة بدءا من الفحص الفني للمركبة مرورا بالتدقيق على المخالفات ثم عمل التأمين وانتهاء بتقديم معاملة التجديد ودفع الرسوم واستلام الرخصة الجديدة، نعم نصف ساعة فقط لمعاملة كانت حتى عهد قريب تستغرق نصف نهار، ليس هذا فقط فالموضوع لم يقتصر على الاختصار الكبير في وقت إجراء المعاملة بل تعداه أيضا إلى نقلة نوعية في التعامل مع المراجعين قوامها الاحترام واللباقة وحسن التصرف، إضافة إلى النضج في فلسفة واسلوب التدقيق على المركبات من خلال التركيز على القضايا الجوهرية وتجنب إقتناص العيوب والملاحظات البسيطة.
أن ما تقوم به ادارة الترخيص والمركبات يمثل تجسيدا حياً وعملياً لمفهوم التميز والمتمثل بالعمل على التحسين والتطوير المستمر في أساليب تقديم وجودة الخدمة، فعمليات التحسين في هذه الدائرة لا تتوقف ويستطيع المراجع بسهولة أن يلمس بنفسه حصول تغيير وتحسين جوهري عن المرة السابقة، بحيث أصبح التميز فلسفة وممارسة دائمة حيث نجحت الدائرة في "مأسسة التميز"، بحيث لم يعد استمرار التميز مرهوناً ببقاء مدير أو قائد معين أو غيابه بالنقل أو التقاعد، خلافا لما لمسناه في بعض وزارات ومؤسسات القطاع العام حيث يكون التطور أو التميز موسمياً يرتبط بوزير أو مدير عام معين سرعان ما ينتهي بمجرد تغييره ومجيء وزير او مدير عام جديد.
كثيرون يرجعون تميز هذه الإدارة وإدارات أخرى أثبتت تميزها " كإدارة البحث الجنائي التي أدهشت وأذهلت الجميع مؤخرا في قضية قنديل ..." لكونها مؤسسة ذات طبيعة عسكرية وقد يكون ذلك صحيحا، إلا أن الصحيح أيضا إن التميز في هذه المؤسسات وغيرها يعود إلى تبني وتطبيق المفاهيم الحديثة في الإدارة والتميز والتي تضع في قمة أولوياتها تحقيق رضا متلقي الخدمة، فمن أجله وجدت هذه الدائرة وهو محور عملها ويجب أن تشكل احتياجاته ومتطلباته الأساس الذي تبنى عليه كافة العمليات والأنشطة، أما إذا كان الطابع العسكري لهذة الدائرة هو محرك التميز والإتقان فعلينا جميعا أن نتعرف على عناصر ومسببات النجاح ونعمل على نقلها مع تطويرها اذا اقتضى الأمر إلى المؤسسات والدوائر المدنية.
أن أداء ادارة الترخيص والمركبات ليس استثناء في مؤسسات الدولة فهناك العديد من المؤسسات التي تحقق إنجازات باهرة برغم كافة الصعوبات والعقبات التي تواجهها، ويجب العمل على إبراز دور هذه المؤسسات وتشجيعها، ولكل المهتمين بقضايا التميز وإدارة الجودة نقول أن أردتم مثالاً وتطبيقاً عملياً في هذا المجال فعليكم بزيارة إدارة الترخيص والمركبات التي نتمنى لها ولكل مؤسساتنا الوطنية المدنية منها والعسكرية كل التقدم والنجاح.